ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاعتداء على قافلة الحرية السلمية في اتجاه غزة بين تركيا والنظام الرسمي العربي ..؟
نشر في العلم يوم 04 - 06 - 2010

شهد العالم في نهاية الأسبوع الأخير وبداية الأسبوع الحالي مأساتا وطغيانا لم يشهدهما التاريخ حتى في عصور قانون الغاب والنظم المتوحشة، وليس في عالم يسوده القانون والمنظمات والمؤسسات الدولية التي تحمي هذا القانون وترعاه، ولكن يظهر أن هذه الرعاية والحماية إنما يتمان ويتم الأخذ بهما عندما يتعلق الأمر بشعوب ودول غير الدولة الصهيونية، أما عندما يتعلق الأمر بالصهيونية وجرائمها فالنظام العالمي وأحرى النظام العربي الرسمي في غيبوبة وفي بحث في أحسن الأحوال عن الأعذار والمبررات ذلك ما يلاحظ اتجاه جريمة إسرائيل في حق قافلة الحرية السلمية المتجهة إلى غزة.
تساؤل ويقين
منذ بدأ الاستعداد لإطلاق قافلة الحرية في رحلة بحرية سلمية في اتجاه مدينة غزة المحاصرة والمجاهدة، تساءلت مع نفسي هل ستسمح الغطرسة الصهيونية للقافلة لتأدية مهمتها الإنسانية؟ ولا شك أن غيري من الناس تساءل نفس السؤال وربما بحواشي من الأسئلة التي تتداعى بعد مثل هذا السؤال المفتاح، ومن المؤكد أيضا أن المناضلين الشرفاء من كل الأقوام والأجناس والملل الذين قرروا المشاركة وشاركوا بالفعل سيطرحون هذا السؤال وربما بكيفية أعمق، هل سنصل؟ وماذا سيحدث ونحن في الطريق؟ لأن التاريخ علم الناس منذ أمد بعيد في تعاملهم مع الصهاينة أن الصهاينة لا عهد لهم ولا ميثاق، وان الإنسانية والرحمة والرأفة قيم ليس لها مكان في قلوب هؤلاء فهم كما قال فيهم القرآن (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة). غير أن حماسة هؤلاء المشاركين حولت السؤال إلى اليقين بفوز الحرية وقافلة الحرية.
الصهيونية وعقدة الذنب لدى الغرب
إن الدعاية الصهيونية استطاعت من خلال استغلال اضطهاد اليهود من طرف أوربا أن تجعل الناس ينظرون إلى أكاذيبها وأباطيلها بشيء من الرحمة أو الصدق، واستطاعت من خلال جهازها الدعائي أن تطارد الشرفاء الذين يتصدون لأكاذيبها وأباطيلها في كل مكان وان تعرضهم لمحاكمات قاسية في كل زمان، بل استطاعت أن تفرض الأكاذيب والمبالغات التي تخدمها حتى في مدرجات الجامعات، وان لا يقبل من البحوث العلمية إلا تلك البحوث التي تمجد الأساطير التي قامت على أساسها دولة الباطل دولة إسرائيل، هذا تؤكده الرسائل الجامعية التي ألغيت بعد انجازها ومحاكمة كثير من الشرفاء، والباحثين وابتزاز القادة السياسيين وغير ذلك مما تنشره الصحف ويسجل في كتب ودوريات وفي الأفلام الوثائقية، لذلك فإن الناس كانوا ينظرون إلى هذه القافلة باهتمام كبير ويتتبعون خطواتها حتى قبل إقلاعها، وقد بدأت بوادر ذلك المصير المنتظر بالضغوط التي مورست على اليونان وعلى قبرص حتى لا تستقبل السفن في موانئهما وتأكد ذلك بالمخيمات التي أعدتها الدولة الصهيونية لتضع فيها من ستعتقلهم من المناضلين المتطوعين على ظهر هذه السفن.
بين شجاعة المتطوعين ومخاوف الساسة
وإذا كان الإنسان لا يملك إلا أن يقدر شجاعة ونبل هؤلاء المتطوعين الذين غامروا بحياتهم وهم يعرفون ان الصهاينة يحظون بدعم القوة الكبرى في العالم وان هذه القوة لم تقدر ان تقف في وجه الضغوط الإسرائيلية إذ ذهبت كل الوعود التي أرسلها الرئيس الجديد في أمريكا أدراج الرياح وكان ما أراده الصهاينة لا ما أرادته القوة العظمى ورئيسها ومع ذلك فإن هؤلاء قرروا أن ينطلقوا على بركة الله وهم في جميع الحالات سيكسبون وستكسب معهم القضية الفلسطينية وغزة بالذات، بل سيكسب معهم حتى هؤلاء المسؤولون في كل مكان الذين يخشون أو يتقون شر الصهاينة وأخطبوطهم الإعلامي والدعائي.
ألسنة دول الرباعية تتحرك
ولعل أول كسب هو انطلاق السنة بعض قادة دول ممن يسمون بالرباعية للمطالبة برفع الحصار على غزة وفتح المجال أمام المساعدات الإنسانية لتمر وترك الناس يمرون من المعابر ويخرجون من سجن مدينة غزة إلى المجال الأوسع في دنيا الناس.
فلم يكن قبل ما حدث لقافلة الحرية منتظرا من بعض الرؤساء ان يصدر منهم ما صدر من تصريحات وتلميحات ولعلها ان تكون بداية انطلاق الألسنة لتتبعها الأعمال لإنصاف الشعب الفلسطيني الذي تحمل من الآلام والعذاب ما لم يتحمله شعب آخر.
الرحلة وانكشاف الأباطيل
إن هذه القافلة أيضا حققت انجازا مهما وكبيرا على مستوى الرأي العام الدولي فالناس اليوم أصبحوا ينظرون إلى إسرائيل ليس بالشكل الذي تريده ولكن بالشكل الذي هي عليه. وهي أنها دولة القهر والطغيان ودولة قائمة على الظلم وقهر الإنسان الفلسطيني فالذين كانوا ينظرون إلى إسرائيل على أساس أنها دولة تحيط بها مجموعة من الشعوب المعادية ويتربصون بها لقذفها في البحر يدركون اليوم أكثر مما أدركوا في الماضي إن هذا الادعاء ادعاء زائف وباطل، وان هذه الطغمة من السفاكين للدماء الفلسطينية لم يتورعوا ان يقوموا بنفس الشيء ونفس التصرف مع متطوعين عزل من كل سلاح يوجدون في مياه دولية لا سلطة لإسرائيل عليها، ولكنها هاجمتهم بأسطولها البحري والجوي والقوات الخاصة وقتلت من قتلت واعتقلت من اعتقلت مع سلسلة من الأكاذيب والأباطيل التي يشهد عليها العالم اجمع وهكذا أتاح الله لهذه القضية العادلة قضية الشعب الفلسطيني فرصة ليكشف الناس من جديد أن ما تدعيه إسرائيل ليس إلا خدعة تخدع بها البسطاء والضعفاء من الناس.
الخوف مدمر...
وقد يكون كذلك ان هذه القضية كسبت من بين ما كسبت ان الشجاعة والتحرر من الخوف يجعلان الحق والعدل يأخذان مجراهما الطبيعي في دنيا الناس فلو أن هؤلاء المتطوعين جبنوا وقرءوا العواقب بشكل سلبي يقوده الخوف ما كان لهم أن يقدموا على ما قدموا عليه وما كان لحركتهم التطوعية أن تتحرك وما كان لهم ولا لهذه الحركة المباركة أن توتي من ثمار تحريك الرأي العام العالمي ما أتت به وحققته، لقد كان هؤلاء وفيهم كفاءات عالية سياسية وقانونية وثقافية وتشريعية وأدبية وفيهم ذوو خبرات عالية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، إن هذا العدد الهائل من الخبرات لم يكن ليخفى عليهم أو يغيب عن أذهانهم ما كان يمكن أن يحصل وما قد يترتب عن تزييف المقولة الصهيونية وما تروجه من أباطيل.
الصوت الآخر المغيب وقافلة الحرية
ان الصهيونية تشعر أن العملية ستفضح الأسلوب المراوغ في المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، وهي تعرف أنها ستفسح المجال أمام الصوت الفلسطيني الآخر الذي يحاول الصهاينة ومن يمالئهم من العرب تحت ضغط حليفتها الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية. أن يجعلوه يخبو ويكون الصوت النشاز والرافض للسلام وللعملية السلمية السياسية التي تقودها الحليفة وتفرض مسايرتها على النظام الرسمي العربي بما فيه السلطة الفلسطينية هذا الصوت المنبعث من خرائب غزة: خرائب المدارس التي دكتها إسرائيل في حربها 2008 _ 2009 خرائب المستشفيات خرائب المؤسسات التجارية أو الصناعية البسيطة خرائب مقرات الأمم المتحدة والأماكن المعدة للاجئين الفلسطينيين، خرائب المنازل التي دكت وهدمت على رؤوس أصحابها وأشلاء المعذبين والمصابين كل هذا ستشهد عليه قافلة الحرية وسينتعش الأمل لدى هؤلاء بأن الحصار والحظر الظالمين سيزولان ومعهما يزول الضغط والمساومات عن طريق لقمة العيش وحبة الدواء وغير ذلك من ضرورات الحياة التي حرمت منها إسرائيل والمتضامنين معها من الحكام العرب بقيادة أمريكا.
الرحلة السلمية وورقة التوت
ان هذه المعركة السلمية بالمعنى الحقيقي للسلم والتي من شأنها تقويض إستراتيجية إسرائيل والمتمالئين معها من مختلف الجهات لفرض الأمر الواقع الإسرائيلي في الظلم والطغيان وفرض الحكام العملاء هنا وهناك استطاعت هذه المعركة التي تضامن معها شرفاء العالم وأحراره ان ترفع ورقة التوت الإسرائيلية والنظام العربي الرسمي المهزوم، وهي في نفس الوقت أبرزت من جديد قوة وقدرة التضامن العربي الإسلامي الإنساني على مستوى الدفاع عن المظلوم وإغاثة الملهوف حسب التعبير العربي الإسلامي وهي قيم تلتقي حولها الإرادات الحية من جميع الأجناس والأعراق والديانات ولا غرابة في هذا كله أن يبرز دور تركيا هذه الدولة التي تعتبر بمقاييس التصنيفات الغربية الرسمية وتصنيفات المحللين حليفة لإسرائيل في المنطقة ولكن روح النخوة الإنسانية التي كانت بها الدولة التركية العثمانية والمرتكزة على قيم الآخذ بيد المظلوم هذه القيم التي مدت بها تركيا اليد لليهود المضطهدين في أوروبا1942 انبعثت لدى الشعب التركي الاصيل.
انتم مهاجرون أهلا وسهلا
ففي اسبانيا 1492 عندما طاردت محاكم التفتيش اليهود والمسلمين من اسبانيا والتجأ( 300) ألف يهودي إلى عاصمة تركيا واستقبلتهم بالأحضان ذلك أنه في عام 1492 عندما أتم فردياند وازابيل إنهاء الحكم الإسلامي بالأندلس فرضوا كما هو معروف التنصير عن طريق القوة ومحاكم التفتيش على المسلمين واليهود، وفر الكثير من اليهود إلى شمال إفريقيا والى تركيا فرارا من حملات التطهير ولجأ من اليهود كما يقول حوالي (300) ألف ووصل منهم إلى تركيا (100) ألف والمهم في هذا هو أن اليهود في تركيا احتفلوا بمرور أربعمائة عام على لجوء اليهود إلى اسبانيا 1892 وكتب أحد الشعراء اليهود. »من بقي متشبثا بدينه دخل اسطنبول فقيرا عاريا وكان باستطاعة المهاجرين ان يسمعوا في أول مرة »انتم مهاجرون أهلا وسهلا«.
ان هذه العبارة أهلا وسهلا التي استقبل بها اليهود الفارين من اسبانيا الأوروبية هي نفس العبارة التي سمعوها في كل الأراضي الإسلامية التي لجأوا إليها فرار من قمع واضطهاد محاكم التفتيش، ولكن اليوم نخص تركيا بالذكر بالذات لأنها انبعثت في شرايين شعبها وحكومتها كما قلنا تلك الروح الإنسانية الإسلامية العظيمة نصرة المظلوم واغاثة الملهوف.
تركيا والدور الجديد والنظام العربي
وان هذا الدور الجديد الذي تلعبه تركيا على الصعيد الإنساني والعربي والإسلامي يجب أن يبعث روح تلك القيم وتلك النخوة لدى المسؤولين العرب ذلك ما كنا ننتظره ولكن المأساة الكبرى هي أن الناس في كل الدنيا هبوا للمطالبة برفع الحصار وفورا وهو ما عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة صراحة حيث طالب برفع الحصار وفورا ولكن النظام العربي يرفع الأمر من جديد إلى مجلس الأمن أي إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو إن شئت الدقة إلى حكومة إسرائيل ولاشك أن هذا القرار الجديد من المسؤولين العرب صدم ويصدم الشعور العربي الإسلامي في قمة نشوته واعتزازه بالموقف التركي والموقف التضامني في العالم. ولكن المسؤولين العرب ليست هذه المرة الأولى التي يصدمون فيها شعور شعوبهم وإنما أي هكذا خلقت.
الدور جزء من استراتيجية
لا أريد في هذا الحديث أن أتحدث عن دور رئيس الحكومة التركية الذي اتخذه في هذه النازلة والذي هو امتداد لمواقفه السابقة في نصرة القضية الفلسطينية، وإذا كان البعض يحاول إرجاع هذه المواقف إلى توجهه المبدئي باعتباره واحدا من الحركة الإسلامية التركية الحديثة وإذا كان لا يمكن صرف النظر عن هذا العامل العقدي فإنه في الواقع ليس العامل الأساس والفعال في هذه المواقف بل العامل الأساس هو النظرة الجديدة لدى النخبة السياسية التركية والتي لا تقبل أن تكون الدولة التركية دولة طرف أو دول تكمل مواقفها مواقف الغير وتكون إستراتيجيتها إستراتيجية تابعة وهنا جاء الحديث عنه في فلسفة وأعمدة الساسة الجديدة كما يراها احد مهندسيها وهو وزير الخارجية التركي الحالي فمن هو؟
ملامح شخصية فاعلة
يمثل البروفسور أحمد داوود أوغلو، علامة فارقة في الوسط النخبوي والدبلوماسي التركي، فهذا »الشاب« الذي يناهز الخامسة والأربعين من العمر، كان نموذجا للأكاديمي الذي لم يسمح لمشاعره وأحاسيسه » الدينية« أن تحول دون رؤية تركيا بكل فئاتها وأبعادها وأدوارها. وإضافة إلى مهامه كأستاذ العلوم السياسية في أكثر من جامعة، آخرها جامعة »بايكنت«، فان داوود أوغلو أسس في التسعينيات مركزا للدراسات الإستراتيجية باسم »علم وصنعت« في محلة آقصاراي، باسطنبول، وبعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في خريف 2002 انتقل المركز إلى مبنى جديد في محلة »وفا« قريب من جامع شهزاده المشهور، وتوسعت اختصاصات المركز بحيث يقوم بدور مهم في إعداد الدراسات وتقديم الاستشارات.
لكن التحول النوعي في عمل أحمد داوود أوغلو، كان توليه منصب كبير مستشاري رئيس الحكومة، رجب طيب أردوغان، وزير الخارجية، عبد الله غول. ونجح داوود أوغلو في » اختراق« قلعة وزارة الخارجية ليكون أول شخص برتبة سفير من خارج النخبة العلمانية المتشددة التي تسيطر على مقاليد الوزارة وتشكل إحدى مراكز قوى »الدولة المتجذرة«.
أما ما يمكن أن يخلد في ذاكرة الأتراك فهو أن أحمد داوود أوغلو هو »منظّر« الإستراتيجية الجديدة التي تنهجها تركيا وقوامها إخراج تركيا من بلد »طرف« عضو في محاور وعداوات إلى بلد »مركز« على مسافة واحدة من الجميع وفي الوقت نفسه ذي دور فاعل ومبادر في كل القضايا الإقليمية والدولية. وهو ما يفسر التحسن الهائل في العلاقات بين تركيا ودول جوارها، ومنها سوريا وإيران واليونان وروسيا... إلخ. وهذه الإستراتيجية التي وردت ملامحها الأساسية في كتابه الأشهر »العمق الاستراتيجي« تكسر السياسات التقليدية التي اتبعتها تركيا منذ تأسيس الجمهورية وحتى الآن.
هذا ما يقوله محمد نور الدين في تقديم هذا الدور في كتابه »تركيا الصبغة الجديدة« ص:218 ويزيد:
أحمد داوود أغلو صديق قديم، لذا كان الحوار معه ( خريف 2003) صريحا ويكشف بالتفصيل معالم الإستراتيجية التركية الجديدة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ المنطقة والعالم.
_ تحدثتم في تصريحاتكم الأخيرة عن ضرورة أن تتحول تركيا من دولة جبهة إلى دولة مركز. فما الذي تقصدونه بذلك؟
الدور ونضال الأجداد
إذا ألقينا نظرة إلى تاريخ تركيا، نجد أن أجدادنا، على سبيل المثال، قد حاربوا على جميع الجبهات في الحرب العالمية الأولى، أي دخلوا مع الغرب في علاقات مواجهة. وقد »تسلمت« الجمهورية، في أثناء تحولها من السلطنة العثمانية إلى الدولة التركية بلدا كان مضطرا لخوض حروب عدة، فعلى سبيل المثال قاتل جدي على جبهة فلسطين، أما جدي الآخر، فقد وجد له مكانا على جبهة طرابلس، وكلها جبهات شرق أوسطية. كما ذهبوا إلى حرب البلقان والقوقاز، وتم إنشاء الجمهورية التركية بعد خوض العديد من الحروب في كل مكان. إن ما أقصده بدولة الجبهة هو الدولة التي تواجه صراعات مستمرة.
تركيا وحلف شمال الأطلسي
وعند انضمام تركيا إلى حلف شمالي الأطلس عقب الحرب العالمية الثانية تحولنا إلى دولة جناح، أي أصبحنا جزا من الجناح الجنوب الشرقي لحلف شمالي الأطلسي، وتم بلورة سياساتنا الخارجية بحسب هذا الوضع الجديد. وبعد انتهاء مرحلة الحرب الباردة، بات يُنظر إلى تركيا، كما يشير بعض الكتاب مثل هانتنغتون على سبيل المثال، على أنها دولة طَرَفية، أي دولة ممزقة توجد على أطراف الغرب من جهة وعلى أطراف الشرق من جهة أخرى، فهي تمثل أطراف أوروبا كما تمثل أطراف العالم الإسلامي. هذه هي المكانة التي أعطيت لتركيا حسب هؤلاء الكتاب.
تركيا من دولة طرف إلى دولة المركز
وهنا يجب علينا بلورة هذا الكلام ضمن الاتجاه الصحيح. فما أقصده من دولة المركز هو وجود تركيا في مكان قريب من الجغرافيا التي تسمى » أفروآسيا« أي أفريقيا وأوروبا وآسيا، فهي هنا ليست دولة أطراف. لا أريد هنا ذكر أي اسم، لكني أستطيع القول إنها لا تشبه الفيليبين، أي أنها من الناحية الجغرافية دولة مركز وليست دولة طَرَفية، فتركيا ليست دولة أوروبية وحسب موقعها المركزي ، بل هي دولة آسيوية أيضا، وليست دولة آسيوية وحسب بل هي دولة أوروبية أيضا، وهي ليست دولة واقعة ضمن حوض البحر الأبيض المتوسط وحسب، بل هي واقعة في حوض البحر الأسود أيضا، كما يوجد أجزاء من تركيا في البلقان والقوقاز والشرق الأوسط. فتركيا، والحالة هذه، تمتلك القدرة على التأثير والتأثر بالدولة المحيطة بها.
موقع تركيا وشكل الحضارات
وإذا ما ألقينا نظرة تاريخية، نجد أن تركيا تقع وسط المكان الذي تشكل فيه تاريخ الحضارات الموجودة في المنطقة. وعندما نلقي نظرة إلى حضارة ما بين النهرين والحضارات المصرية واليونانية والإسلامية والرومانية والعثمانية، نجد أن تركيا ليست دولة طَرَفية، بل هي دولة تؤثر في حضارات عدة وتتأثر بها في الوقت نفسه. فهي دولة مركز من الناحيتين التاريخية والثقافية. وإذا ما ألقينا نظرة إلى خطوط تدفق الطاقة، نجد أن هذه الخطوط تتوه وتضيع طريقها إذا ما حذفتم تركيا عن الخريطة، إذ أنه يمر بتركيا خطوط أنابيب النفط والغاز الطبيعي وخطوط نفط باكو تبليس وجيحان، وخطوط أنابيب كركوك يمورتالك وخطوط أنابيب أخرى. وعندما نقوّم موقع تركيا، نجد أنه لا يمكنها أن تكون دولة جبهة يجب عليها الدخول في صراعات ومواجهات عسكرية، كما كان الوضع في نهاية الإمبراطورية العثمانية. ولا يمكن أن تكون دولة جناح.
ما هي مكانة تركيا؟
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هي مكانة تركيا؟ والجواب: عندما يُنظر إلى تركيا من الغرب تظهر على أنها دولة شرقية، وإذا ما نُظر إليها من الشرق فإنها تظهر دولة غربية، وعندما يُنظر إليها من الشمال أي من ناحية الدول المتطورة اقتصاديا. تُرى على أنها دولة جنوبية من حيث الكثافة السكانية والوضع الاقتصادي المتردي وانخفاض دخل الفرد وغير ذلك. أما إذا نُظر إليها من الجنوب فيمكن اعتبارها جزءاً من دول الشمال. فهي دولة جزء من الاتحاد الأوروبي، وعضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، وعضو في منظمة G20( وهي مجموعة الدول الاقتصاديEC.
ويسترسل في الاستجواب ليحلل دور تركيا في المستقبل في علاقتها العربية وعلاقتها مع إيران ومع الاتحاد الأوروبي وهو يرى في أن تركيا بمؤهلاتها الجغرافية والاقتصادية والتاريخية لها دور مركز يجب ان تلعبه ولعل هذا هو تقدم الحكومة التركية بالعمل من أجله اليوم فعملها عمل مدروس ومخطط. ولذلك ينال ما يريده كلا وبعضا والماساة أو البؤس هو ما تمثله السياسة العربية الرسمية وسياسة الأنظمة العربية التي غايتها وهدفها الأول والأخير استمرار المسؤولين في كراسي الحكم وتوريتها للأبناء والأحفاد وبعدهم وبعد أسرهم الطوفان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.