يعيش السودان الشقيق أحداثا خطيرة منذ فترة طويلة. أحداث دبرت ضده من أجل شق وحدته الترابية، والاستيلاء على ثروة النفط المكتشف فيه. السفير السوداني بالرباط يكشف في حواره مع التجديد قضية السودان ومشاكله الحالية: ماذا عن اتفاق مشاكوس؟ حينما توفرت الظروف الملائمة شاركت الحكومة في مفاوضات مشاكوس بقلب مفتوح وعقل مفتوح ولذلك لم تك هناك أي عقبات أمام الحكومة للذهاب إلى هناك حيث أن خيار الحكومة الرئيسي والاستراتيجي هو السلام العادل الذي يقوم على عدة معطيات تضمن إعلان المبادئ (DOP) الذي تم التوصل إليه عبر منظمة الإيقاد (المنظمة الحكومية للتنمية) والتي ترعى عملية السلام في جنوب السودان تضمن جزءا كبيرا منها ويمكن إيجاز تلك المعطيات فيما يلي: 1 وحدة الأراضي السودانية القائمة على الرغبة الحرة للشعب السوداني التي يمكن تحقيقها عبر حكم ديمقراطي راشد ودستور عادل يبني على المساواة والعدالة واحترام حقوق الإنسان السوداني. 2 نظام الحكم الديمقراطي المنشود ينبغي أن يضع في الحساب التنوع الثقافي والعرقي والديني واللغوي والجندري. 3 المواطنة هي الأساس للتمتع بالحقوق الدستورية والقانونية. 4 التوزيع العادل للثروات والموارد الطبيعية. 5 الدين والعادات والتقاليد هي مصدر للقوة الأخلاقية للشعب السوداني. هكذا دخلت الحكومة المفاوضات وفقا لتصور استراتيجي للسلام ومما ساعد على إحراز التقدم في مشاكوس هو إعادة ترتيب أجندة التفاوض حيث تم تقديم بندي العلاقة بين الدين والدولة ومسألة تقرير المصير أولا، ونسبة للمرونة الكاملة التي تعامل بها الجانبان في هاتين المسألتين تم حسمهما بصورة مرضية للطرفين حيث تم التوقيع على برتوكول مشاكوس في 2002/07/20، وهو الذي عرف بالاتفاق الإطاري للسلام. ماذا عن مسألة علاقة الدين بالدولة؟ في البداية لابد أن أشير إلى أن السودان دولة بحجم قارة تبلغ مساحته مليون ميل مربع، وهو يضم في داخله مجموعات قبلية وعرقية ذات ثقافات وديانات وتقاليد وعادات متنوعة، ولذا اتفق الجميع على اعتماد نظام الحكم الاتحادي كنمط مناسب لحكم السودان بحيث يقسم إلى ولايات شمالية وولايات جنوبية وإنشاء حكومة إقليمية بجنوب السودان وبالتالي فقد تم الاتفاق في مشاكوس على اعتبار الشريعة أحد مصادر التشريع على المستوى القومي، وفيما يتعلق بالولايات الشمالية فإن التشريعات المستمدة من الشريعة تسري مباشرة، أما بالنسبة للولايات الجنوبية فإنها لا تسري إلا بعد موافقة مجلس الولاية أو حكومة الجنوب عليها أو موافقة مجلس الولايات عليها بأغلبية الثلثين، وبمعنى آخر يمكن أن تتضح الصورة أكثر لو نظرنا إلى هيكل نظام الحكم الدستوري والإداري الذي حدده البرتوكول وذلك بأن يتكون البرلمان القومي بمجلسين، مجلس للنواب ومجلس آخر لممثلي الولايات له صلاحيات خاصة بشأن التشريع في جنوب السودان، وبالتالي بالنسبة للولايات الجنوية فإن القوانين السارية المستمدة من الشريعة الإسلامية لن تسري مباشرة وتخضع إما لموافقة مجلس الولاية المعنية وحكومة الجنوب أو لموافقة مجلس الولايات بأغلبية الثلثين. ماذا عن قضية حق تقرير المصير؟ في ما يتعلق بمسألة حق تقرير المصير فقد نص بروتوكول مشاكوس إلى أن المواطنين في جنوب السودان لهم الحق في تقرير المصير عبر استفتاء يجري بعد 6 سنوات من تطبيق اتفاقية السلام يقرر فيه وضعهم المستقبلي، وسيتم إنشاء مفوضية مستقلة في مرحلة ما قبل الفترة الانتقالية لتقييم مدى التزام الأطراف المعنية بتطبيق اتفاق السلام، ويتعين عليها إجراء تقييم في منتصف المدة (3 سنوات) لتقييم الترتيبات المفضية إلى الوحدة وفقا لما حدده اتفاق السلام، وتتألف مفوضية التقييم من عدد متساو لممثلي الحكومة والحركة الشعبية وممثلين اثنين فقط لكل دولة عضو بمنظمة الإيقاد (جيبوتي، أريتيريا، إثيوبيا ويوغندة) ومن الدول المراقبة (إيطاليا، النرويج، بريطانيا والولاياتالمتحدة) ومن أي دولة أخرى أو منظمة إقليمية أو دولية يتم الاتفاق عليها من قبل الأطراف المعنية. وأنه ينبغي على هذه الأطراف أن تعمل مع المفوضية خلال الفترة الانتقالية بهدف تحسين المؤسسات والآليات التي تنشأ بموجب الاتفاقية بما يجعل خيار الوحدة جذابا للمواطنين في جنوب السودان. وفي نهاية السنة السادسة من الفترة الانتقالية تقوم حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان بتنظيم استفتاء تحت رقابة دولية لمواطني جنوب السودان لتأكيد وحدة السودان عبر التصويت لتبني نظام الحكم الذي أنشأ بموجب اتفاقية السلام أو بالتصويت للانفصال. لذا فإن الاستفتاء سيقوم على مبدإ الإرادة الحرج فإما أن تفضي إلى وحدة طوعية أو انفصال، لكننا نعول على الجهد الذي سنبذله لجعل خيار الوحدة هو الراجح في نهاية المطاف، وهنا تأتي أهمية الدور العربي في دعم وتمويل المشروعات الإنمائية في جنوب السودان والمساهمة الفاعلة في إعادة تأهيل البنيات التحتية وإعادة توطين النازحين وتعمير ما خربته الحرب الأهلية على مدى أكثر من ثلاثين عاما. كيف سيتم تقسيم الثروة والسلطة؟ المرحلة الثانية من التفاوض والتي بدأت في الأسبوع الأخير من أكتوبر المنصرم، تتعلق ببحث أسس الاتفاق لتقسيم الثروة والسلطة، ووقف إطلاق النار والضمانات الدولية، وبما أن المفاوضات لازالت جارية فإنه يتعذر الحديث عن أي تفاصيل بشأن هذا الأمر لكن هناك تجارب دولية معروفة يمكن الاقتداء بها في كيفية تقسيم الثروة والسلطة في ظل نظام الحكم الاتحادي، أعتقد بأن هناك خيارات كثيرة سيبحثها الطرفان ولا توجد صعوبة في التوصل إلى حل عادل يرضي جميع الأطراف. ومما يدعو للتفاؤل هو نجاح الحكومة والحركة في التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار بصفة مؤقتة خلال فترة التفاوض ووقف كل الأعمال العدائية التي قد تعرقل سير المفاوضات. كيف تقيمون الموقف الأمريكي من قضية السودان؟ وهل يمكن اعتبار البترول أحد أسباب التدخل الأمريكي في المنطقة؟ لقد ظلت الولاياتالمتحدةالأمريكية تسعى منذ فترة طويلة لإحكام سيطرتها على المنافذ الاستراتيجية ومصادر الثروات في منطقة القرن الإفريقي غير أنها كانت تصطدم بمصالح الاتحاد السوفياني السابق في تلك المنطقة، والآن وبعد أن استفردت أمريكا بالسيطرة على المشهد السياسي العالمي صارت تتحرك في كافة الاتجاهات لتحقيق مصالحها الآنية والمستقبلية تحت شعار حفظ الأمن والسلام الدوليين ومحاربة الإرهاب وحماية حقوق الإنسان وإقامة الحكم الديمقراطي الراشد... الخ لذلك لا يستبعد أن يكون تدخلها لإيجاد حل لمشكلة جنوب السودان نابع من اهتمامها بالثروة النفطية التي يتوفر عليها السودان والتي بدأت الحكومة السودانية في استغلالها بجهد ذاتي ومشاركة دولية صينية، ماليزية، كندية، خليجية وغيرها تمكن السودان بموجبها إنتاج وتصدير حوالي 250.000 ألف برميل بترول يوميا بدون أي مساعدة أمريكية خاصة بعد انسحاب شركة شيفرون من العمل في السودان بحجة عدم استقرار الأوضاع الأمنية في مناطق التنقيب عن البترول. لذا بعد هذا النجاح رأت الإدارة الأمريكيةالجديدة في عهد الرئيس بوش ضرورة تغيير سياستها تجاه السودان تحت ضغط مراكز القرار الاقتصادي الأمريكية خاصة تلك التي تعمل في صناعة النفط والتي تحظى بدعم من الرئيس ونائبه وفي تقديرنا أن هذا من الأسباب الرئيسية التي حدت بالإدارة الأمريكية للتخلي عن نهج إدارة الرئيس السابق كلنتون الذي كان يهدف للاطاحة بالحكومة السودانية عن طريق محاصرتها اقتصاديا وتأليب جيرانها ضدها بالإضافة للدعم المادي والدبلوماسي لحركة التمرد، كما أنها لم تتورع عن قصف مصنع الشفاء للأدوية بالخرطوم بدون أي مبرر لتنفيذ مخططها للإطاحة بالحكومة، ولم تكتف الحكومة بالتصدي لهذه السياسية العدوانية بل استطاعت بناء قاعدة اقتصادية صلبة في مجال صناعة النفط الأمر الذي فتح لها أسواقا ومجالات دولية هامة على الرغم من الحصار الاقتصادي الأمريكي المضروب عليها. وبالتالي رأت الإدارة الأمريكيةالجديدة تعديل أسلوب تعاملها مع السودان عملا بالمثل الغربي الشائع: >إذا لم يك بوسعك هزيمتهم انضم إليهم< وهكذا رفعت إدارة بوش شعار السلام في السودان وانضمت لمجموعة أصدقاء الإيقاد وقد رحبت حكومة السودان بهذا الأمر. ما هو تعليقكم على قانون سلام السودان الذي أطلقته الولاياتالمتحدة مؤخرا؟ قانون سلام السودان هو واحد من الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية لأن هذا القانون ليس فيه أي معيار ديمقراطي كما تدعي أمريكا، فهو لم يخضع لأبسط الإجراءات المتبعة فيما يتعلق بإعداد القوانين، عادة هناك ما يسمى بمناقشة القانون في مراحل التقرير بعد ذلك يقدم هذا القانون من قبل مجموعة، ثم يخضع للمناقشة فتكون هناك آراء مختلفة يمكن أخذها في الاعتبار لكن هذا القانون لم يمر بهذه الإجراءات إطلاقا وإنما تم تقديمه من طرف مجموعة، ولم يخضع لأي مناقشة وأجيز بأغلبية ساحقة كأنما كان هناك ترتيب مسبق حوله لأنه حقق هدفا من الأهداف التي ترمي إليها المجموعة التي أعدت هذا القانون، والتي لم يسبق لها أن التقت بأي مسؤول سوداني إطلاقا، ولم يسبق لها أن زارت الجزء الشمالي من السودان، وإنما كانت تزور الجزء المحتل من طرف المتمردين الذين يقدموا لهم الدعم والمساعدة، وقد تبنوا رأي حركة التمرد وكانوا بمثابة ممثلين لرأيها. الأمر الثاني المتعلق بهذا القانون هو أنه تجاهل الكثير من الحقائق، تعامل مع مشكلة جنوب السودان وكأنها نشأت عام 1989 بدأت مع ما يسميه "حكومة الجبهة الإسلامية" والحقيقة أن مشكلة الجنوب بدأت سنة 1955. وإغفال هذه الحقائق التاريخية مقصود وليس سهوا. من أجل الإيهام بأن هذه الحكومة هي المسؤولة عن الذي حدث في جنوب السودان. الأمر الثالث أن القانون نفسه تحدث عن انتهاك حقوق الإنسان الذي تمارسه حكومة السودان وكأنما التمرد لا وجود له في المعادلة وأنه لا توجد أي انتهاكات من الطرف الآخر، في حين كان المتمردون أكثر الأطراف ارتكابا لانتهاكات حقوق الأطفال والإنسان عامة بتقتيل الأبرياء والهجوم على المدنيين وممتلكاتهم إذن المقصود من إغفال هذا الجانب هو السعي لمعاقبة حكومة السودان في كل شيء، وبدون مبرر منطقي. الأمر الرابع، يشير القرار إلى أنه على حكومة السودان أن تتفاوض بحسن نية مع المتمردين، وإذا لم تفعل ذلك ستدعم الحكومة الأمريكية حركة التمرد بمائة مليون دولار على مدى 4 سنوات القادمة، معناه أن الحكومة الأمريكية تمارس الضغط على الحكومة لتتفاوض مع الحركة الشعبية بأقصى درجات المرونة وإلا فهناك مبلغ سيتم منحه للمتمردين لمواصلة المواجهة العسكرية خلال السنوات الأربعة القادمة، وفي هذا الأمر تشجيع للطرف الآخر على أن لا يتفاوض بحسن نية، لأنه إذا تفاوض بحسن نية مع الحكومة وتوصل إلى نتائج جيدة فهذا سيحرمهم من مبلغ مائة مليون دولار إذن عليهم أن يتعنتوا حتى تخضع الحكومة للابتزاز وتستجيب لأي طلب يقدم إليها وحتى لا تقع تحت طائلة تخريب السلام. إذن هذه النقطة مقصود بها ممارسة الضغط على الحكومة أثناء التفاوض حتى لا تشدد في أي مطلب يطلب منها وهذه هي ورقة الضغط التي يستخدمها هذا القانون. الأمر الآخر الذي يتعلق بمسألة الضغوط التي يحملها هذا القانون هو أنه إذا ما ارتكب المتمردون خطأ أو يعتقد أنهم هم الذين قاموا بانتهاك أو تسببوا في تعثر مرحلة التفاوض فإن العقوبات لا تقع على المتمردين ولكن في هذه الحالة لن تعاقب الحكومة. وبناء على ذلك فإن الحكومة رفضت هذا القانون رفضا تاما، وعرض الأمر أيضا على المجلس الوطني الذي أدانه بالكامل، وتكونت لجنة رفيعة للقيام بحملة إقليمية ودولية لمقاومته. وفي تقديرنا أن هذا القانون سيزيد من إصرار الحكومة وعزمها في عدم التساهل والتفريط في أي من ثوابتها. كيف تنظرون إلى موقف إريتريا من قضية جنوب السودان؟ وهل هناك تنسيق بين إريتريا والكيان الصهيوني؟ في رأيي إن هذا القانون لن يعطي أي ميزة لحركة التمرد في مجال التفاوض لأن حكومة السودان تتفاوض بقناعة السلام كخيار استراتيجي ولن يخضع السودان لأي ابتزاز. وبالتالي أصبح وضع حركة التمرد صعبا جدا. أما بخصوص الجزء الثاني من السؤال المتعلق بإريتريا، فإن هذه الأخيرة ظلت لفترة طويلة تتأرجح في علاقتها مع جيرانها بين الرغبة في أن تلعب دورا مؤثرا في المنطقة أو أن تصير دولة قوية الأمر الذي جعلها مزعزعة للأمن ليس في السودان فحسب وإنما في منطقة القرن الإفريقي، فساهمت أو ساعدت على إيواء التجمع الديمقراطي الوطني المعارض ووفرت مقرا له وللمحطة الإذاعية التي تبث برامج المعارضة السودانية داخل إيرتريا، كما توفر إسنادا لتحرك القوات المعارضة في المعسكرات داخل بلادهم. فإريتريا لها أطماع في شرق السودان وفي القرن الافريقي، وإذا نظرنا إلى حجم هذه الأطماع ونظرنا إلى حجم إريتريا، فإن هذا الأمر يستدعي أن نفكر في من يقف وراء هذه الأطماع، وينبغي أن نفكر بأن هناك جهة لا نشك في أنها هي التي تسعى وتهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار بمنطقة القرن الإفريقي ومناطق شرق السودان، وإذا نظرنا إلى العلاقات الوطيدة الإسرائيلية الإيريترية فإن الربط سيكون واضحا والصورة ستكون أكثر وضوحا لأن الأمر أكبر من حجم إيرتريا نفسها. بالطبع التحركات "الإسرائيلية" هي تحركات تنطلق من منافع ومصالح استراتيجية لا تستطيع تحقيقها إلا من خلال خلقها لبؤر التوتر والنزاع والصراع، وعلى هذا الأساس تسعى دائما إلى تأمين مصالحها بغض النظر عن كيفية الحصول على هذه المصالح، فالغاية بالنسبة إليها تبرر الوسيلة. فهي تبحث عن مصادر المياه في مناطق شتى في العالم ولا تكف عن التفكير في عقد الاتفاقات المريبة مع إريتريا لتأمين وجود استراتيجي لها على البحر الأحمر لذلك فهي تبحث عن الماء في منابع النيل وهي مواقع بعيدة جدا عنها وهي التي تقع في الشرق الأوسط. هناك وجود "إسرائيلي" قديم في قلب إفريقيا حيث هناك شركات إسرائيلية تعمل في مجال التعدين والبحث عن الماس والذهب والأورانيوم في مواقع كثيرة داخل إفريقيا. من هذا المنطلق فإن "إسرائيل" لها علاقة وطيدة بحركة التمرد في جنوب السودان لفترة طويلة جدا وتمد تلك الحركة بالدعم العسكري بالسلاح أو في مجال التدريب. فهناك العديد من قادة التمرد تمرسوا أو تدربوا في "إسرائيل" فالعلاقة بي الطرفين قائمة وغير مخفية، هناك العديد من الجنود نالوا شهادتهم في "إسرائيل"، فهناك إذن ما يشير إلى أن "إسرائيل" تتوفر على عملاء يقفون إلى جانبها (في إشارة إلى المتمردين) يمكنها استخدامهم في المستقبل لتحقيق مآربها. "فإسرائيل" قد تكون لها مآرب أخرى استراتيجية سواء كانت في النيل أو في غيرها، كما أن بعض الدول لا تخفي مخاوفها من أن تواجد "إسرائيل"في المنطقة يشكل تهديدا لمستقبل هذه المنطقة واستقرار دولها. وفي اعتقادي وحتى لا أترك السؤال مفتوحا أجيب بسؤال آخر: كيف سندرأ هذا الخطر في المستقبل؟ سؤال: ماذا يمكن أن تقدم المجموعة العربية للسودان وخاصة مصر؟ في الواقع لابد من أن يكون هناك عمل جاد ومدعوم دعما قويا لتحقيق التنمية والاستقرار في جنوب السودان يغنيهم عن الركون إلى مساعدات أخرى سواء كانت "إسرائيلية" أو غيرها. وهذا الأمر هو الذي يربط السودان ربطا عضويا بالعالم العربي والإسلامي، فالظروف مهيأة ومتوفرة لمثل هذا النوع من التعامل، خاصة وأن عددا ضخما جدا من الجنوبيين الذين درسوا في مصر وتعلموا في مصر لهم ارتباطات قوية بهذا البلد، ولذلك وجب أن يكون لهذه الدول استعدادا وقابلية لأن يتم هذا النوع من التواصل والتعاون، وعلى مصر أن تتقدم لدعم المشروعات الهادفة لربط الجنوب بالوطن العربي على أساس أنه جزء هام من السودان الذي ينتمي إلى إفريقيا والعالم العربي. فلابد إذن من تحسيسه وإشعاره بأن العرب يهتمون به. وهنا أذكر الدور الرائد الذي كانت تقوم به الكويت في جنوب السودان حيث كان السفير الكويتي السابق السيد عبد الله السريع رحمه الله قد ترك انطباعا لدى عدد كبير من الجنوبيين أن الكويتيين أكثر العرب قربا إليهم وأكثرهم حبا لهم. فقد عمل هذا السفير على إقامة مشاريع إنسانية وخدماتية في الجنوب حببت الكويتيين إلى الجنوبيين. وعندما قامت حرب الخليج، وبينما كان جزء من الشماليين أقرب من حيث المواقف إلى العراق كان معظم الجنوبيين في السودان إلى جانب الكويت. وهذا يوضح إلى أي مدى يمكن أن ينجح التعاضد والتضامن مع أناس ليسوا عربا (الجنوبيين) وليسوا بمسلمين لأن يتخذوا مواقف وحدودية بسبب العامل الإنساني والعامل الإحساني الذي أثر فيهم إلى حد كبير جدا. وهذا أيضا يؤكد أن الإنسان لا ينسى الجميل، فنحن نعتقد أنه على مصر والدول العربية والدول الإسلامية أن تلعب دورا فاعلا في مسألة التنمية في جنوب السودان خلال المرحلة الانتقالية، حتى نضمن في أولها وحدة السودان وفي ثانيها إزالة الأجنبي بشكل عام و"الإسرائيلي" بشكل خاص من التأثير على مجريات الأحداث فيما بعد، وهذا أمر أساسي. سؤال: إذا ما حصلت وحدة في السودان فهل ستؤثر على المنطقة بأسرها في مجال التنمية؟ السودان منذ الاستقلال عاش مشكلة عدم الاستقرار في الجنوب لأن التمرد بدأ في عام 1955، قبل الاستقلال بحوالي بضعة أشهر، ومنذ ذلك التاريخ لم يعرف السودان استقرارا وإن كان هناك استقرار نسبي بعد اتفاقية أديس أبابا 1972 لكن رغم ذلك لم تهيئ الظروف للسودان بعد الاستقلال لاستغلال إمكاناته الطبيعية في باطن الأرض أو إمكاناته البشرية. بلاشك إذا تم وحصل اتفاق السلام في السودان، ستكون فيه إضافة للقارة الإفريقية وللوطن العربي، فالخيرات الزراعية في السودان تقدر بحوالي 200 مليون فدانا زراعيا تتواجد بمناطق خصبة وعلى النيل لم تستغل، ونتيجة لعدم توفر الإمكانات وتشتت الجهود بسبب الحرب لم يستطع السودان منذ الاستقلال أن يستغل هذه الإمكانيات. فعندما تتهيأ ظروف الاستقرار وتتهيأ الموارد المائية لاشك فإن استغلال هذه الأراضي سيوفر منتجات سواء كانت غذائية أو منتجات حيوانية أو غيرها تتجاوز حاجة العالم العربي بأكمله، لتغطي احتياجات أكبر. فالإمكانات الفلاحية ضخمة جدا، إضافة إلى ذلك هناك الثروة النفطية والتي لا يريد السودان بالنظر إلى التجارب السابقة أن يجعل منها مصدره الأول. فهو يريد أن ينمي ثرواته الزراعية والحيوانية التي ستفيده مستقبلا، لأنه كلما تقدم وتطور القطاع الفلاحي والصناعي كلما كان ذلك أوفر وأضمن لمستقبل الأمة من أي يترك القطاع الفلاحي والصناعي ويعتمد على القطاع النفطي وحده. كل هذا يمكن أن يسهم في اتجاه تحقيق طفرة كبيرة جدا في زمن قياسي بمنطقة شمال ووسط وشرق إفريقيا، خاصة وأن السودان ينتمي إلى تجمع الساحل والصحراء (س. ص) هذا التجمع يضم مجموعة كبيرة من الدول بما فيها المغرب، وهذه الإمكانات يمكن أن تجعل من هذه المجموعة قوة اقتصادية كبيرة جدا لها دورها ليس في إفريقيا وحسب وإنما على مستوى العالم بأسره. سؤال: ماذا تنتظرون من الإعلام المغربي لدعم قضية وحدة السودان؟ أعتقد أن الإعلام المغربي يتميز عن الإعلام العربي عموما بأنه يتمتع بهامش كبير جدا من الحرية، والمقدرة على إسماع صوته بعيدا جدا عبر البحر الأبيض المتوسط في اتجاه أوروبا وعبر المحيط الأطلسي في اتجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإلى مساحات كبرى في الوطن العربي. والإعلام المغربي إعلام جرئ جدا له دور مؤثر في التعريف بالعديد من القضايا ومن ضمنها قضية السودان، وأنا أرى أن الإعلام المغربي إعلام مسؤول. فأنا أقرأ يوميا عددا من الصحف، وأجد أنها تلتف حول قضايا جوهرية وأساسية، وهناك وعي والتزام حيال عدة قضايا أساسية في مختلف الصحف على الرغم من اختلاف ألوان طيفها، ويتم الالتزام بصورة واضحة حول قضايا الوطن، وهو ما يحفظ للأمة كرامتها وعزتها ومصالحها، فإعلام بهذا القدر جدير بأن يمثل ويعبر عن قضايا شعوب كثيرة جدا. ونتمنى من الإعلام المغربي أن يولي قضيتنا الاهتمام أيضا. وأخيرا نشكركم على هذه الفرصة ونكرر تحيتنا للإخوة في التجديد الذين يحملون همومنا معهم.