مساحة السودان مليونا كيلومتر مربع، وخمسة وثلاثون مليوناً من البشر. وموقع السودان مهم جداً، حيث يمر به نهر النيل، وله تاريخ مشترك مع مصر ودول إفريقية، كما أن له عمقاً جغرافياً كبيراً. يتكون السودان من ثلاث مناطق أساسية، وكتل بشرية إثنية هي الشمال والجنوب ودارفور، وفيه ديانات ولغات عديدة، ويجمع موقعه خصائص استراتيجية مهمة في اتجاه العمق الإفريقي والقرن الإفريقي والبحر الأحمر. وكانت له علاقات خاصة مع مصر منذ عهد الوالي العثماني، محمد علي، في بدايات القرن التاسع عشر، وحتى منتصف الخمسينات من القرن العشرين عندما أعلن استقلاله باستفتاء شعبي عام 1956. دخل السودان في دوامة الصراع على السلطة، والاقتتال الداخلي، والانقلابات العسكرية، منذ استقلاله، وأهم أحداثه ثورة في جنوبه استمرت خمساً وعشرين سنة، وحتى الآن لم تحسم وضعه بين الوحدة والانفصال (الاستقلال)، ثم صراع في دارفور في غرب السودان بين قوى محلية والسلطة في الشمال. وأخطر ما في الصراع السوداني في الجنوب ودارفور، هو الصراع الاثني الطائفي والعرقي القبلي، وموقف السلطة السلبي في شمال السودان. والجنوب أغنى مناطق السودان، ودارفور أفقر مناطقه، وتشكو المنطقتان من التهميش من قبل السلطة المركزية. وقبل التركيز على مسألة الجنوب ودارفور، لا بد من الإشارة إلى الإهمال الذي يعاني منه السودان من قبل المثقفين والمتخصصين العرب، فلا المؤرخون ولا السياسيون ولا الدوريات المهتمة بالشأن العربي، تعطي اهتماماً للسودان، على الرغم من أهمية وخطورة ما يجري فيه. فهل هو قصور سوداني في الأساس أم قصور عربي تجاه السودان؟ هذا موضوع يمكن نقاشه في مكان آخر، لكن يهمنا هنا أن نفهم ما هي حقيقة المشكلات في جنوب السودان وفي دارفور، في وقت يهدد السودان مشروع تقسيمه إلى ثلاث دول، ومشروع التقسيم ليس خاصاً بالسودان، بل لعدد من الدول العربية الأخرى أيضاً. يمثل جنوب السودان ثلث مساحة السودان، وثلث سكانه تقريباً، وهو منطقة زراعية وعلى أطرافها اكتشف النفط، وتحد الجنوب إثيوبيا وأوغندا والكونغو وجمهورية إفريقيا الوسطى، ويتكون من ست مقاطعات. والديانات الأساسية في الجنوب هي: الإسلام والمسيحية والوثنية. وتكوين السكان في الجنوب إثني طائفي وقبلي عرقي، والصراع فيه يمتد لمدة خمس وعشرين سنة، وأهم مطالب الثوار والمعارضة الجنوبية هي عدالة توزيع السلطة والثروة. وعلى الرغم من محاولات السلام بين الشمال والجنوب، إلا أن إهمال الجنوب الطويل، ومحاولات معالجة مشكلته بالحرب، قد خلق حالة من العداء بين الشمال والجنوب من جهة، وحالة من الانكفاء الجنوبي والمطالبة بالاستقلال. وقد جرب الجنوبيون سياسة تحرير السودان والمطالبة بالديمقراطية، إلا أن هذا المنحى السياسي أيضاً فشل، رغم محاولات التوافق، وربما الاحتواء، التي مورست بين الطرفين في السنوات الأخيرة، وكانت نتيجة عدم الاتفاق التوجه نحو استفتاء على استقلال الجنوب، وهذا سيقود حتماً إلى مطالبات من أجزاء أخرى من السودان بالاستقلال، مثل دارفور. والمشكلة كانت ولا تزال تكمن في سياسة السلطة المركزية في الشمال تجاه المنطقتين، جنوباً وغرباً. كذلك لا ننسى أن هناك قوى داخلية وخارجية تلعب دوراً مهماً على المستوى السياسي وحتى العسكري، في دفع الوضع في السودان إلى التأزم، سواء من دول الجوار أو من أحزاب الإسلام السياسي التي تصر على أسلمة تلك المناطق أو تطبيق الشريعة الإسلامية فيها، رغم اختلاف ديانات أعداد كبيرة من سكانها منذ عهد النميري حتى الآن. وقد طرح أخيراً موضوع الاستفتاء على مصير جنوب السودان واستقلاله، وتشير بعض المعلومات إلى موافقة السلطة المركزية في الشمال على ذلك، مما ستترتب عليه أحداث ووقائع جديدة وخطيرة. أما إقليم دارفو، ر فتقدر مساحته بنصف مليون كيلومتر مربع، ويمتاز بتنوع أعراقه ولغاته ودياناته ومشكلاته، ويتاخم بعض الولايات السودانية الأخرى، مثل شمال بحر الغزال، وكردفان، والولاية الشمالية، ويمتد الإقليم من الصحراء الكبرى في شماله إلى السافانا الفقيرة في وسطه، إلى السافانا الغنية في الجنوب، وفيه بعض المرتفعات الجبلية، ومعظم أراضيه صحراوية، واقتصاد دارفور يعتمد أساسا على الرعي والزراعة المحدودة مع ندرة المياه. ودارفور نموذج آخر للإثنية في السودان، وأهم عناصره العرب والزنوج، وعدد سكانه أكثر من سبعة ملايين نسمة، والصراع فيه له أبعاد إقليمية مع تشاد خاصة، إضافة إلى البعد الديني الإسلامي المسيحي. ويمتاز إقليم دارفور بثروة حيوانية وبزراعة القمح والذرة، وهناك احتمال لوجود النفط فيه. يقول عصام عبد الفتاح في كتابه ادارفور وجع في قلب العروبةب: لقد مرّ على إقليم دارفور الكثير من التطورات والتدخلات التي امتدت على اختلاف ثقافات المنطقة وتنوع أعراقها، خصوصا مع توطن قبائل رحل من غير سكان الإقليم، ومع ظهور الدول الإفريقية الحديثة نتيجة التقسيم الجغرافي الاستعماري وتعاظم الصراعات المسلحة في المنطقة، بدأت تظهر أنواع من الانعزال السكاني والاجتماعي والفكري. إن التركيبة القبلية والنزاع على الموارد الطبيعية الشحيحة كانت وراء أغلب النزاعات، إلى أن تحولت إلى نزاعات سياسية بأبعادها العرقية في وقتنا الحاضر، وهو اليوم صراع بين قبائل عربية وقبائل إفريقية غير عربية، بدعم من الدولة والسلطة السودانية لطرف ضد طرف آخر. وهذه القوى المتصارعة المسلحة، ارتكب كل منها جرائم خطيرة في حق الآخر. ومنذ نهاية الثمانينيات من القرن العشرين وحتى الآن، يشهد إقليم دارفور نزاعات عرقية وسياسية لم يتمكن أي طرف من حسمها لصالحه، ولا سبيل لحل مثل تلك المشكلات والنزاعات، إلا بالنهج الديمقراطي الذي لا يزال بعيد المنال في السودان. كاتب كويتي