في إطار مناقشة التصريح الحكومي قدم السيد رشيد العلمي الطالبي رئيس فريق التجمع الدستوري الموحد تدخلا اعتبر فيه أن تقديم التصريح الحكومي لمنتصف الولاية الحالية، هوأحد العناوين البارزة على ترسيخ التقاليد الديموقراطية في العمل المؤسساتي، وعلى الإيمان بأهمية التفاعل الإيجابي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وفق ما ينظمه الدستور ووفق ما نتطلع إليه جميعا من ترسيخ لدولة المؤسسات. وأضاغ أن تدخله يتوخى الموضوعية والوضوح ، عبر تثمين الإيجابيات والتصفيق للمنجزات والدفاع عن المكتسبات، دون إغفال النقائص والوقوف عند الإخفاقات بكل ما تستدعيه روح المسؤولية وأمانة تمثيل المواطنين من تعاون إيجابي مع الحكومة الموقرة، تنويها ونقدا في نفس الآن، بما تتطلبه مصلحة بلادنا أولا وثانيا وأخيرا، منزهين أنفسنا عن منطق المزايدة أو الحسابات الضيقة، سياسية كانت أم انتخابية. وقال أن منظورحزبه للعمل الحكومي منظور مندمج وغير تجزيئي، منظور يتعاطى مع استراتيجية بدل استراتيجيات، منظور لا يعتمد تقييم القطاعات كجزر متباعدة ومنفصلة بعضها عن البعض، بل يتوسل بالتقييم القطاعي التأسيس لتقييم عام يراعي الأولويات ويتفهم الأسبقيات والأمور المستجدة، والترتيبات الطارئة التي قد تتدخل، بفعل العوامل الخارجة عن إرادة الحكومة، لفرض تعديلات في الأجندة، لا تمس في كل الأحوال بالأهداف العامة المسطرة. ؤأشار رشيد الطالبي العلمي أن الحكومة تشكلت في ظرف تميز بنضج التصور العام للاختيارات السياسية الكبرى كما تبلورت على مر السنوات السابقة تحت العنوان البارز للمشروع الديمقراطي الحداثي الذي يتبناه ويرعاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، مشروع يروم إنجاز نقلة تاريخية في وجود وكينونة المجتمع المغربي وتحديد مصيره في عالم لا يرحم الضعفاء، شريعته المنافسة في كافة المجالات،. و أكد أن الحكومة واصلت تنفيذ التزامات الإجماع الوطني على قضية الوحدة الترابية عبر جعل العمل على تسييد خطة المغرب لإنهاء النزاع أولى أولوياتها، سواء من خلال العمل الديبلوماسي المكثف أو من خلال الإنكباب على متطلبات التنمية الشاملة في أقاليمنا الصحراوية، ما عزز الطرح المغربي على مستوى المحافل الدولية والعلاقات الخارجية الثنائية ومتعددة الأطراف، وحاصر الخصوم محليا ودوليا رغم المناورات ورغم المؤهلات الضخمة التي أفردها الخصوم لمعركتهم الحقودة ضد المغرب، ضد المستقبل وضد الاتحاد المغاربي. وكان من نتائج هذه السياسة التي تتغذى بالتوجيهات السامية لصاحب الجلالة، توالي أفواج العائدين إلى أرض الوطن ونجاعة التدبير الحكومي لإدماجهم السريع داخل وطنهم، على المستوى المعاشي والاجتماعي. كما واصلت الحكومة توفير كافة سبل إنجاع السياسة المتبعة في مجال هيكلة الحقل الديني بإشراف مباشر من أمير المؤمنين، خاصة في هذه الظرفية العالمية المتميزة بانفلات جموح حروب المذاهب التي تتهدد الاستقرار والسكينة الروحية، وتحاول النيل من الهوية الدينية للمغاربة، بمحدداتها الضاربة في القدم وخصائصها المنفتحة المعادية للتصلب والتطرف، ووضعها للمقدسات الدينية في المكانة التي تستحق بعيدا عن الصراعات الاجتماعية والمتاجرة السياسية والاستعمالات الاقتصادية بحثا عن سلطة الثروة والنفوذ. وهذان المكونان الأساسيان ضمن الاختيارات الإستراتيجية الكبرى يتكاملان مع المكون الثالث الذي لا يقل أهمية والمرتبط بتأهيل الهندسة المؤسساتية للدولة عبر إعادة هيكلة الارتباط بين المركز والجهات في إطار مشروع الجهوية الموسعة، وهو المشروع الذي تواكبه الحكومة من خلال إطلاق مشاريع اللاتركيز الإداري وإعادة النظر في المساطر وفي منظومة التدبير الإداري للوصول، في الأمد المنظور، إلى إنتاج آلية التصريف المثلى للجانب الحكومي والإداري المتوافق مع التوزيع المنتظر للمجال الترابي ولمجال الاختصاصات بين الفاعلين المستقبليين. وأضاف أن الحكومة اعتمدت سياسة اقتصادية تقوم على تكثيف الشروط الملائمة لإنتاج الثروة كشرط بديهي للتوزيع وإعادة التوزيع، سواء من أجل مواجهة الخصاص الاجتماعي أو من أجل ضمان شروط التحديث الشامل، للبنيات التحتية وغيرها من تدخلات الدولة. واستتبع قائلا أن الحكومة لم هذا الإنجاز الكبير في ظروف عادية، بل لقد انتزعتها انتزاعا، بما يجعل الموضوعية تقتضي تقديم تحية إكبار لمجهوداتها، فلم يعد ضروريا التأكيد على طوق الأزمة العالمية الذي أحاط المغرب من كل جانب، بدءا بالارتفاعات المهولة لأسعار الطاقة، ثم القفزات الصاروخية لأسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية، وانتهاء بالأزمة المالية ثم الاقتصادية التي مست شركاءنا الاقتصاديين بشكل مباشر وهذه الجهود الصادقة والشجاعة والذكية أتت أكلها، داخليا كما أتت أكلها خارجيا من خلال الاعتراف الدولي بإنجازات المغرب في هذا الباب جسده رفع تصنيف المغرب في سلم وكالة التنقيط standard and poors إلى درجة «الاستثمار» Investment grade الذي عزز ثقة المستثمرين الأجانب في مناعة اقتصادنا ومتانة منظومتنا المالية ونسيجنا الإنتاجي، وعزز ثقة المؤسسات المالية المقرضة. كما أشار إلى المجهود الجبار الذي حققته الحكومة في مجال البنى التحتية، حيث سرعت من وتيرة إنجاز المشاريع الكبرى في هذا المجال، ضمنه الطرق السيارة التي تتوفر الحكومة على أجندة مضبوطة يتم احترامها بصرامة لاختراق جسد البلاد بالطرق السيارة نحو الجنوب (أكادير) إلى أقصى الشرق عند الحدود مع الجارة الجزائر. هذا فضلا عن انطلاق الأشغال في ورش لا يقل ضخامة (ميناء طنجة المتوسط II) وتأهيل البنية الطرقية بكافة أنواعها، الوطنية منها أو المخصصة لفك العزلة عن المناطق النائية. إضافة إلى مشاريع بناء السدود لحماية مناطق شاسعة من آفة الفيضانات الناتجة عن الاختلال المناخي الكوني، وهي السدود التي ستعزز الأمن المائي لبلادنا أمام تنامي الاحتياجات وعدم انتظام الأمطار. وأكد أن الاستثمارات في مخطط المغرب الأخضر ارتفعت بشكل غير مسبوق توخياً من الحكومة لتأسيس القاعدة الصلبة التي ستغري -لا محالة- بتكثيف الاستثمار الخاص ودعم التشغيل في هذا القطاع وتنمية الأنشطة التحويلية والموازية وذات القيمة المضافة العالية. كما كان من الجوانب الاستراتيجية الأساسية انكباب الحكومة على أول إستراتيجية وطنية عرفها المغرب لتحقيق استقلال ولو نسبي في مجال الطاقة عبر إطلاق المشروع الضخم لاستغلال الطاقات المتجددة، وذلك في سياق منظور مواز لسياسة بيئية سيكون الميثاق الوطني للبيئة بمثابة الإطار الذي سيحكم تطور البلاد مستقبلا في هذا المجال. وفي مجال السياحة كذلك، استطاعت الحكومة امتصاص انعكاسات الأزمة العالمية المتمثلة في تقلص أعداد الوافدين، عبر نهج سياسة ترويجية شرسة وذكية، فضلا عن استكمال إنجاز البنى التحتية ليصل المغرب بذلك إلى تحقيق تحدي الاستراتيجية السياحية 2010، حيث سيتم تحقيق نسبة 94 % من أهدافها، وهي نسبة أكثر من مشرفة مقارنة بالظرفية العامة. كما أن الحكومة لم تكتف بمجرد الانتشاء بما أنجز في هذا المجال، بل انتقلت مباشرة إلى استراتيجية العشرية المقبلة 2020، وهو ما لم يكن بالإمكان الإقدام عليه لولا نجاح الاستراتيجية الأولى 2010. أما في ما يخص القطاعات الاجتماعية فلا يخفى أن السنتين الماليتين المنصرمتين كرستا أزيد من نصف الميزانية العامة للدولة لصالح هذه القطاعات، سواء تعلق الأمر بمجال الصحة الذي لا يمكن إنكار الجهود المبذولة فيه، وإن كان حجم الخصاص والطلب مرتفعا يغطي نوعا ما على ما يتم إحرازه يوميا. كما أن محاربة الفقر عرفت تقدما ملموسا في نصف الولاية المنقضية حيث لعبت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية دوراً محوريا، إذ بلغ مجموع مشاريعها حتى الآن قرابة 20000 مشروع استفاد منه أزيد من 5 ملايين مواطن. وفي مجال السكن، عرفت البلاد وبتوجيهات مباشرة من جلالة الملك نصره الله، انطلاقة جديدة لمواجهة الخصاص المتراكم والتصدي لظاهرة البناء العشوائي عبر تعبئة الوعاء الاقتصادي، وتوفير التحفيزات الضرورية للمنعشين العقاريين وللفئات المتواضعة عبر صناديق الدعم وضمان القروض. وفي نفس السياق عملت الحكومة على مواصلة ورش إصلاح التعليم، ووفرت لذلك إمكانيات مالية هائلة تمثلت في زيادة الاعتمادات بنسبة 33 في المائة في ظرف سنتين لتبلغ اعتمادات 2010، 53 مليار درهم، فضلاً عن المباشرة الفعلية لإشكالات المضمون من خلال البرنامج الاستعجالي. ومن دون شك فإن انتظارات الرأي العام لازالت لم تجد في الجهود المبذولة ضالتها من أجل مدرسة وطنية في مستوى التطلعات وفي مستوى تحديات مغرب اليوم والغد، خاصة وأن النتائج المباشرة للأجرأة الميدانية للمخطط الاستعجالي تحتاج من جهة إلى وقت، ومن جهة أخرى إلى الانخراط الواعي والمسؤول لكافة المتدخلين، بدءا من الأطر التربوية الفاعلة مباشرة داخل القسم الدراسي، إلى الأسر، إلى باقي الفرقاء باعتبار إشكالية التعليم إشكالية وطنية كبرى تسائل الجميع كلا حسب مسؤولياته وقربه من القطاع. وفي مجال التشغيل، ورغم الانخفاض المهم لنسبة البطالة التي بلغت %9,1 ، فإنه لازالت أمام الحكومة مجهودات كبرى لتدارك النقص الحاصل في هذا المجال والذي يمس على وجه الخصوص الأطر العليا وحملة الشواهد. ونعتقد صادقين أنه قد آن الأوان لتقييم السياسة المتبعة في مجال التشغيل الذاتي، والوقوف على نقط القوة والضعف فيها، وهو تقييم يجب أن ينخرط فيه كل المتدخلين بدءا من الحكومة، مرورا بممثلي القطاع الخاص والمؤسسات البنكية، وصولا إلى المعنيين بالمشروع أنفسهم، ما يعني أن صيغة جديدة لدعم المبادرة الحرة على هذا المستوى تبقى ضرورية لاعتماد منظور أكثر إرادية وإبداعا. وفي نفس السياق، فإن أزمة التشغيل بالنسبة لهذه الفئة تسائل كذلك مؤسسات التكوين بمختلف أصنافها، فلا يعقل أن تصرف الدولة اعتمادات ضخمة من أجل تكوين خريج، وتجد نفسها مضطرة إلى إعادة تأهيله مجددا وإنفاق أموال إضافية من أجل ذلك. هذا علما أن التكوين، وخاصة منه التكوين المهني لن يؤتي أكله إلا إذا انطلق من منظور استباقي لمتطلبات سوق الشغل، يستلهم التطورات والآفاق المرتسمة للتحول في الأنشطة والمهن. هذا في الوقت الذي نجد فيه قطاعات لازالت تفتقر إلى الموارد البشرية المؤهلة ما يعكس نوعاً من المسافة ما بين العرض والطلب. وأوضحأن هذه المعطيات تؤكد أن حصيلة نصف الولاية الحكومية تبقى حصيلة إيجابية بكل المقاييس، غير أننا نلاحظ، وهذه مهمتنا كممثلين للأمة، وفي إطار ارتباطنا القريب من المواطنين نلاحظ مفارقة أساسية تتجلى في نوع من التباعد الواضح بين ما يتم إنجازه من تأهيل لمختلف المجالات وبين تفاعل المواطنين والرأي العام. فالمجهودات المبذولة لابد وأن يكون لديها انعكاس، والانعكاس يؤدي منطقيا إلى الإحساس العام بوجود وضعية متحركة نحو الأفضل، وهذه النقطة بالذات نفتقدها. وأشار أنه من المؤكد أن أي مواطن يراقب ما يجري حوله بما أوتي من قدرات، لابد و أن تكون نظرته سلبية حينما يرى تصنيف بلاده يتأخر سنة بعد أخرى في مجال الرشوة والشفافية عموما. كما أشار أن البطء في مشاريع إصلاح الإدارة وتوطين الآليات الحديثة تترك فراغا في المواجهة. فلا يمكن محاربة الرشوة أمام الضعف الكبير لمشاريع الإدارة الإلكترونية، إذ باستثناء خدمات تكاد تعد على رؤوس الأصابع، لا زال التعامل الجسدي المباشر مع الإدارة مفروضا في كل المعاملات، علما أن الخدمات الإلكترونية اكتسحت العالم كله وأصبحت أسلوب حياة يومية عادية. مضيفا أن الإصلاحات الكبرى تحتاج بكل تأكيد إلى شجاعة كبرى، ففي ارتباط بتدبير السلم الاجتماعي، لا يمكن كذلك تأجيل قانون النقابات والإضراب الذي يحتاج إلى توافق كل الأطراف، والذي تحتاج اليه البلاد لمزيد من تنظيم علاقات الشغل ولمزيد من ضمان حقوق كافة الأطراف المرتبطة بالعملية الانتاجية وحقوق المجتمع ككل. كما يستدعي مجهودا أكبر على مستوى إصلاح الإدارة وإصلاح القانون المنظم للمالية بما يتوافق مع مشروع الجهوية، فضلا عن التحكم في تكاليف الإدارة والحد من المصاريف عبر محاربة التبذير والتركيز على الأساليب الحديثة في التدبير وعلى ما توفره الادارة الالكترونية من إمكانيات في اقتصاد النفقات. وفي مجال المشهد الإعلامي، على الحكومة أن تعي أن البلاد أبعد ما تكون عن الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام في المجتمعات المتقدمة والمؤمنة بالحداثة، سواء على مستوى المؤطرات التنظيمية أو المضامين. وختم تدخله قائلا أنه اذ يثمن عاليا تصريح السيد الوزير الأول ومختلف الإنجازات التي تحققت، يؤكد بكل تفاؤل أن ما تبقى من الولاية كفيل بتمكين الحكومة من إحراز تقدم أكبر،