نظمت جمعية النجم الأحمر للتربية والثقافة والتنمية الاجتماعية بمشرع بلقصيري الملتقى الوطني السابع للقصة القصيرة ما بين 7 و 9 ماي 2010 ، والتي خصصت هذه الدورة للأديب والصحافي الأستاذ عبد الجبار السحيمي، مضيئة بذلك مساره الأدبي والصحافي. وقد صرح رئيس الجمعية »بنعيسى الشايب« أن هذه الدورة جاءت اعترافا وتقديرا لهذا الإنسان الخلوق والمبدع الكبير، وتكريما لما أسداه من خدمات جليلة وما قدمه في المجال الثقافي من إبداع رصين وعون واحتضان للمواهب الأدبية«، وأضاف »أن لعبد الجبار السحيمي فضلا كبيرا على كثير من الكتاب المغاربة على اختلاف توجهاتهم الفكرية والثقافية والإبداعية والسياسية، ضاربا بذلك مثلا في التسامح والانفتاح وعدم التعصب للرأي الأوحد، حيث جعل أبواب جريدة العلم مفتوحة في وجه كل أهل الإبداع والفكر، حتى أن جل الكتاب المغاربة نالوا حظهم من النشر في الجريدة العريقة. يشير القاص »محمد صوف« أن لعبد الجبار السحيمي فضل كبير عليه قائلا: »كان لي نص قصصي مليء بأخطاء البدايات، ولم يلق استحسان كبار الأدباء المغاربة، لكن كان عبد الجبار الوحيد الذي دافع عنه ، واعتبر هذه التجربة القصصية فيها نوع من الجرأة الإيديولوجية«، وهو الذي طلب مني يضيف صوف الانضمام إلى اتحاد كتاب المغرب ، لهذا أغتنم هذه الفرصة لأوجه له الشكر المتأخر الجزيل«. كما تم في يوم الافتتاح من تنظيم ندوة بعنوان »عبد الجبار السحيمي: الإنسان والأديب والصحافي« بمشاركة الأساتذة: قاسم مرغاطا ، نجيب العوفي عبد الله البقالي محمد امنصور محمد الحاضي محمد محبوب، وكان تسيير الجلسة للصحافية »ليلى الشافعي« التي قدمت بدورها شهادة في حق المحتفى به ، حيث قالت: »أذكر ذات يوم من سنة 1986، وبعد أن أقفلت في وجهي سبل العيش، لم أجد أمامي سوى الصديق عبد الجبار السحيمي، ليأخذ بيدي ويجد لي عملا بجريدة العلم، وفي ذلك الحين توطدت علاقتي به، وأصبح درعا واقيا لي من الصدمات التي كانت تأتي من جميع الاتجاهات. كما قدم الأستاذ عبد الله البقالي شهادة في حق المحتفى به، واعتبر أن الاحتفاء بعبد الجبار السحيمي هو احتفاء شكلي، يحمل صيغة الفرد، ولكنه في الجوهر في صيغة الجمع« ، كما أوضح ما يتسم به عبد الجبار السحيمي في المسار السياسي والمهني، حيث اعتبر التكريم هو تكريم للكتابة الملتزمة في الأدب والصحافة، وفي مسار جريدة العلم، لأنه لا يمكن لأي شخص أن يتكلم عن العلم بدون أن يحضر عبد الجبار السحيمي، أو التكلم عن عبد ا لجبار السحيمي بدون التكلم عن جريدة العلم ، وأضاف البقالي ، أن عبد الجبار السحيمي بمساره الطويل في ا لعلم يساوي (لوغو) العلم، كما أن هذا التكريم هو تكريم لجيل أساسي ورئيسي في المسيرة الأدبية والصحافة المهنية، كما أكد أنه يصعب إيجاد مثل عبد الجبار السحيمي الذي يتمتع برزمة من الخصال والمميزات أهمها: 1 قبضته القوية على الثوابت والحفاظ على الاستقلالية في إطار الحزب، وهذا الأمر يعد مستحيلا على الإطلاق، ويؤكد البقالي أنه نجح وتفوق في هذا الرهان في الحفاظ على الثوابت والمبادئ الكبرى في إطار الحزب، وأقصد بهذه الثوابت النظام الملكي والوحدة الترابية والاسلام والعدالة الاجتماعية، يعني المبادئ الكبرى، ومع ذلك وضع مساحة شاسعة للتفاصيل اليومية، تجده منفتحا ، مستقلا ويكاد يكون الوحيد الذي تفوق على الجميع في قدرته على التفاصيل بكل استقلالية ولكن في احترام الثوابت التي تحدثت عنها. 2 صحافي صلب، وأعتبره من الصحافيين القلائل جدا الذين دافعوا باستماتة عنيدة إلى آخر المطاف على المعتقلين الساسيين، لم يقتصر فقط دعمه للمعتقلين السياسيين بالكتابة، بل كانت لعبد الجبار السحيمي مبادرات عظيمة وكبيرة جدا، فقد كان يدعم بالمادي والمعنوي والاخلاقي والثقافي والسياسي، وكثيرة هي العناوين في هذا المجال. 3 صحافي يدافع عن قضايا تهم الشعب وهنا استحضر ما نشرته العلم شهر ماي سنة 1978 على غرار أحداث ولاد خليفة، وهي قضية أفضت بعبد الجبار الى المحاكمة. 4 صحافي مهني بامتياز كبير جدا، وكثير من المهنيين يعرفون أن التخصص الكبير لعبد الجبار السحيمي هو العناوين، فهو له قدرة فائقة جدا على تلخيص المضمون للمقالات المنشورة في جريدة العلم، وتكون شاملة وجامعة. 5 صحافي معروف بموضوعيته ونزاهته، ولم يسجل في أي يوم طعن فيما يكتبه عبد الجبار السحيمي، عشنا مع عبد الجبار السحيمي رئيسا للتحرير وأصدقكم القول أننا لم نشعر في هذه الفترة الطويلة جدا أننا نشتغل مع رئيس التحرير، بل مع زميل وصديق وأخ يكبرنا سنا. 6 كان مدافعا عن ما يكتبه الصحفيون والأدلة كثيرة، أيضا في هذا المجال. بينما أشار الأستاذ نجيب العوفي في مداخلته المعنونة ب »عبد الجبار السحيمي: قطعة من تاريخنا ومن شجوننا« على أن هذا الاحتفاء هو اعتراف وتقدير للكتاب المغاربة واعتبره أديبا خبيرا وصحافيا متميزا، تخرج من مدرسة العصامية ألا وهي الإبداع، حيث جاء متسللا إلى الصحافة من الإبداع، وإلى القصة من الإبداع أيضا، وهو بذلك يترأس مثالا للمثقف العضوي بما تحمله »الكلمة من معنى«. ويضيف أن المجال الثقافي. الأدبي في تقديري هو المجال الحيوي الأهم الذي نشط فيه السحيمي وأتى فيه أكله السائغ، وكانت جريدة العلم هي نقطة عبوره إلى القراء والمتلقين ، وهمزة وصلة بالمشهد الأدبي والصحفي، ومنذ المقالات والخواطر الأولى التي خطتها يراعة السحيمي، فوق أعمدة العلم، بدأ الإسم يشد إليه الأنظار بقوة ، وبدأ قراؤه ومتابعوه يتكاثرون عددا. كما صرح أن السحيمي افتتح أفقا جديدا للكتابة الصحفية والأدبية منذ طلائع الستينيات، ما يمكن أن ندعوه »حساسية« جديدة في الكتابة، متخففة ومتحررة من دالة الكتابة التقليدية وآثارها ونازعة عن قوسها الخاصة وهذا صنيع لو تدرون كبير . ويقول في الأخير في حديثه عن مجموعته القصصية »الممكن من المستحيل« لا نريد أن نصادر مجموعته هاته، دون استحضار فقرة من التعليق الجميل الذي ثبته الأديب الكبير محمد الصباغ على ظهر غلافها الأخير، يقول الضباغ »قطعة فريدة هذا الفتى، في صمته، ونزواته وتألقاته، ورفضه ، هذا الذي يطرق بالكلمة الكبيرة ، كل صباح ، الأرتاج الصدئة، ثم يمضي في طريقه بسيطا، كقمحة ، كغصن نعنع ولايلوي وإدة«، ثم يقرأ شذرات من كتابات السحيمي كمسك ختام، وهي مستقاه من كتابه »بخط اليد« في أولى مقالاته: »إذا عاد المساء ولم أعد« حيث يكتب السحيمي عن القمع المنهجي الذي كان يقتنص مناضلي ومثقفي المغرب في سنوات الجمر. أما القاص والروائي محمد امنصور فقد قدم قراءة في المجموعة القصصية »سيدة المرايا« مبرزا أن عبد الجبار من الاهرامات الأربعة الكبار للقصة القصيرة بالمغرب، عندما أنظر إلى عيني الاستاذ عبد الجبار، أرى عينيه مثل عين طفل مرعوب ، وهذا يعبر عن رعب جيل بأكمله في تلك المرحلة. فيما حاول محمد الحاضي أن يساهم في تحليل عمود »بخط اليد« واعتبر عبد الجبار السحيمي صحافي مسؤول والكاتب المداوم على الحضور، ولايأبه للحواث العابرة وحالم بإشرافات الغد. أما الأستاذ محمد محبوب فقد أبرز أن عبد الجبار السحيمي يعد علما بارزا، ورمزا من من الرموز الإبداعية الكبيرة، كما قدم قراءة في مجموعته القصصية »الممكن من المستحيل« واعتبرها نصوصا ترسخ لنمط إبداعي جديد، وتحتوي على قص ثقافي ساخر، كما ترشح بالقدرة على مهارة الكتابة والاسلوب المرن والسهل الممتنع. أما الاستاذ قاسم مرغاطا، فقد تناول مجموعة »سيدة المرايا« بالتحليل، وهي قراءة معنونة ب »السارد العضوي بمجموعة سيدة المرايا لعبد الجبار السحيمي « ويقدمها من خلال تتبعه لوضع السارد صوتا ولغة، ورؤية، كما دفعته قراءته لهذه المجموعة إلى تسجيل بعض الملاحظات عن وضع السارد القصصي بعدما ربطه بالمجمموعة القصصية، وهنا يطرح سؤالا مركزيا حول هذه الورقة، ما خصوصيات السارد في هذه القصص، متمثلا تجارب السارد المتحول في القصة المغربية كتابة وتخييلا فنيا بجماله، وتحدث باسهاب في هذه القراءة عن وضع السارد من خلال مستويين، مستوى تقني ومستوى فني جمالي. وعرف افتتاح هذه الندوة حضور عازف العود عبد الحي لطف الله، كما تم عرض شريط حول مسار عبد الجبار السحيمي القاص والصحافي، وقدمت بالمناسبة هدايا رمزية للمحتفى به، من قبل جمعية النجم الأحمر ومجموعة البحث للقصة الصغيرة بالمغرب والمجلس البلدي بمشرع بلقصيري.