التقط الرأي العام بارتياح كبير أجواء الانفراج الجديدة التي سادت خلال الجلسة الأخيرة الخاصة بمحاكمة مجموعة بليرج خصوصا المعتقلين من المسؤولين السياسيين. نحن لا ندرك أسباب عمق هذا الانفراج الذي بدا مفاجئا للرأي العام ولكن يهمنا كثيرا أن مظاهر التهدئة عوضت أشكال التصعيد التي كانت تدفع الملف نحو مصير مجهول. لم يكن سهلا على المعتقلين الستة أن يتخلوا عن قرارات مصيرية سبق لهم الإعلان عنها خصوصا ما يتعلق بالإضراب عن الطعام الذي كان قد وصل إلى يومه التاسع عشر والعدول عن قرار الانسحاب من جلسات المحاكمة بعدما اتضح لهم أن هذه المحاكمة افتقدت إلى شروط المحاكمة العادلة، وإن فسر السيد محمد المعتصم في الكلمة المؤثرة التي ألقاها خلال الجلسة الأخيرة ذلك بالاستجابة لمطالب المساندين وهيئة الدفاع، فإن ما حدث يتجاوز بكثير هذا السقف. قد يكون الأمر يتعلق بمبادرة شخصية أقدم عليها المعتقلون الستة بمحض إرادتهم ودون ضغط من أحد ليعبروا عن حسن نيتهم في تعاملهم مع المرحلة الدقيقة والخطيرة التي وصل إليها هذا الملف، وإن كان الأمر كذلك فإن التحية تتطلب الرد عليها بأحسن منها وستكون فرصة مواتية أمام الجميع للمساهمة بنضج ومسؤولية في طي هذا الملف المزعج، ونعتقد أن المعتقلين الستة قاموا بما هو مطلوب منهم وينتظر الرأي العام ما سيعقب هذه المبادرة من تطورات يتطلع إلى أن تكون إيجابية. وقد يكون الأمر يتعلق وهذا هو الأرجح بما حصل نتيجة مشاورات جرت بين أطراف ما، ومن الغباء التساؤل الآن عن الجهات التي أجرت هذه الاتصالات، المهم بالنسبة للرأي العام أن ذلك يؤكد اعتماد أسلوب الحوار، وهو مسلك حضاري لتدبير هذا الملف الشائك الذي يختلط فيه السياسي بالقانوني، ونعتقد أن المعالجة القضائية فرصة سانحة لتصريف هذا الحوار ليس من خلال التدخل في القضاء بل من خلال ضمان شروط المحاكمة العادلة. ومع كل ذلك لا أحد يمكنه أن ينكر الطابع المبالغ فيه للاحكام الصادرة في حق مجموعة من المتهمين، وقد يجد ذلك تفسيره في أجواء الصدمة التي أصابت المجتمع والرأي العام عقب الإعلان عن تفكيك ما تم تفكيكه، والقضاء لا يمكنه أن يكون معزولا عن أجواء الصدمة، أما الآن ومدة زمنية كافية تفصلنا عن تاريخ التفكيك فإننا نعتقد أن الجميع أصبح مؤهلا للتعاطي بهدوء وواقعية مع هذا الملف.. وهذا ما نأمله أن يتحقق خلال مرحلة الاستئناف.