انبهر العديد من المستشارين الجماعيين لمستوى وجدية النقاش حول الجهوية الموسعة الذي نظمه مؤخرا مجلس جهة الدارالبيضاء الكبرى. ذلك أن الأمر انتقل من الكلام العام والاستهلاكي كما كان في السابق حول الجهوية واللامركزية واللاتمركز إلى الجهوية الموسعة الحقيقية أسسها ومقاصدها وآلياتها ومقترحاتها السديدة. ويعتبر خطاب جلالة الملك في شهر يناير المنصرم حول الجهوية الموسعة وما ينبغي أن تتأسس عليه من لا تمركز واسع في إطار من التضامن والتناسق والتوازن في الصلاحيات والإمكانات، فضلا عن إقامة اللجنة الاستشارية للجهوية، بمثابة خريطة طريق ومناهج عمل للانتقال الجدي الذي لا رجعة فيه نحو الجهوية والتدبير الجهوي في إطار سيادة الدولة ونظام الملكية الدستورية. إن نظام الجهوية الموسعة الذي اختاره المغرب، جاء في وقته وليس فقط تماشيا مع مقترح الجهوية الموسعة أو «الحكم الذاتي» في إطار السيادة المغربية الذي طرحه المغرب على المستوى الدولي لحل مشكل الصحراء المفتعل. وإنما أيضا وأساسا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية أمام هجوم الشركات العالمية وتداعيات العولمة وتقليص النفقات الحكومية وتحول الدولة إلى منسق للتكامل والتوازن المجالي والوظيفي بين الأقاليم علاوة على صفة «العضو المميز» الذي أصبح عليه المغرب بعد قمة غرناطة في بداية شهر مارس 2010 بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، واختيار المغرب طريق التنمية والحكامة الجيدة بمحض إرادته كما قال ذلك الوزير الأول الأستاذ عباس الفاسي في قمة غرناطة. إن تجربة المغرب على المستوى الجهوي هي جد متواضعة، فهو لم يعرف تفعيلا للممارسة الجهوية بمفهومها الدولي، وظلت الجهوية على حد تعبير أحد المهتمين «لاهي بتنظيم مركزي ولاهي بتنظيم لامركزي»، لكن ذلك يظل شيئا مهما إذا نظرنا إليه من زاوية التدرج وعدم التسرع الذي طبع حقبة من الزمن المغربي، حيث ساهم في توفير تراكم معين وإن كان ضئيلا على مستوى الكم والكيف، بالنظر لما كان لتجربة اللامركزية والجهوية من اختصاصات قانونية وتنظيمية ومالية. فكما هو معلوم عرف المغرب أول ميثاق جماعي من خلال ظهير 23 يونيو 1960 خول للجماعات العديد من الاختصاصات وكذا ظهير 1963/9/12 الذي جاء بعد دستور 1962 الذي اعتبر أن العمالات والأقاليم جماعات محلية كما أن التقسيم الجهوي يرجع الى سنة 1971 بعد صدور ظهير 1971/6/16 الذي عرف الجهة قانونيا وتنمويا لكنه ظل تقسيما إداريا فقط. ولا شك أن ظهير 30 شتنبر 1976 أعطى صلاحيات للمجالس الجماعية فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية تحت إشراف سلطة الوصاية، وساهمت المناظرات الست على امتداد 17 في بلورة العديد من المقترحات التي ظلت كذلك الى حدوث التعديلات الأخيرة التي همت ظهير 1976. لكن التطور النوعي في سياق الجهوية هو ما عرفه دستور 1996 بإحداث الجهة، علاوة على الممارسة الجهوية لمدة تناهز عقدا من الزمن. فالحديث عن الجهوية بالدارالبيضاء لايمكن عزله عن الموضوع العام للجهوية الموسعة بالمغرب، باعتبار أن الجهة بمفهومها الاقتصادي والاجتماعي والتنموي وتدبير المجال وإرساء الآليات المؤسساتية والحكامة المحلية الجيدة هي تحديات وطنية كبرى، ضمن إطار التنوع المجالي واختلاف العناصر الطبيعية الجغرافية والديمغرافية والموارد وغيرها التي تميز المغرب. إن جهة الدارالبيضاء التي تحتضن العاصمة المتروبولية للمملكة والمتميزة بالتمركز السكاني (ما يقارب 13 في المائة من عدد سكان المغرب) إضافة الى التمركز الصناعي والمالي وغيره هي بدون شك في حاجة الى تنمية جهوية مع ضمان الأساس المتين للتنظيم الجهوي والذي سوف لن يكون إلا في إطار نظام الجهوية الموسعة التي يسعى إليها المغرب. ويمكن إجمال أهم الاقتراحات والمناقشات التي عرفها موضوع الجهوية الموسعة بالدارالبيضاء في الآتي: ترسيم الحقوق الدستورية لتنظيم الجهة من خلال تعديل الفصل 100 من الدستور بعزل الجهات عن الجماعات وكذا حذف الفقرة التي تقول بأن العمال ينفذون قرارات مجلس الجهة. تطوير الوضع الاقتصادي المتميز للدارالبيضاء والاستمرار في تفعيل الاستقطاب الاقتصادي. استحضار معيار المؤهلات ومعيار الموارد الاقتصادية والاجتماعية في عملية توزيع الاختصاصات بين الدولة والجهة (بناء على تصنيفات وزارة المالية والمندوبية السامية للتخطيط) تفعيل التنمية الجهوية بين الدولة والإدارة المنتخبة في إطار صلاحيات سياسية، إدارية، مالية، موسعة على مستوى اتخاذ القرار، وذلك ضمن معادلة القضايا التدبيرية والاستراتيجية للجهات والمجالس الجماعية في مقابل آليات التضامن من طرف الادارة الترابية وذلك دون الخارجية والتمثيل الديبلوماسي، العملة النقدية، الجمارك، الحريات الأساسية لجميع المغاربة.. التحديد الضريبي ما بين الوطنية والجهوية. وضع قوانين استثمارية للجهة الاقتصادية وإعطاء امتيازات للقطاعات التي تحتاج ذلك. مراجعة بعض مقتضيات ظهير 1976 بتحديد الاختصاصات بدقة مع سلطة الوصاية والمجالس الأخرى، وإعادة النظر في المسطرة التي يمر بها الحساب الاداري كل سنة، مع وضع هيكلة جديدة حسب الخصوصية المحلية تستوعب الموارد البشرية على مستوى الكم والكيف والأطر العليا والكفاءات المهنية. تطوير تقنية الاقتصاد المحلي. برلمان جهوي قوي يستحضر التعددية ويحترم الاختصاصات ويحتكم الى القانون، مسؤول عن التخطيط الصحيح، وكذا تخفيض التكاليف الاقتصادية. النخب من المنتخبين ينبغي أن تكون ممثلة في مجالس المقاطعات ورؤساء المقاطعات مسؤولين أمام البرلمان الجهوي. هذه مجرد بعض المقترحات والخلاصات التي وردت ضمن مناقشة موضوع الجهوية الموسعة التي نظمها مجلس جهة الدارالبيضاء. لكن الموضوع ما يزال مفتوحا للنقاش سواء على المستوى المحلي أو الوطني من أجل بلورة تصور واقعي مضبوط ومتكامل لنظام الجهوية الموسعة بالمغرب. فالإرادة السياسية التي عبر عنها جلالة الملك في خطابه حول الجهوية الموسعة هي إرادة أكيدة وهي إرادة الدولة كذلك، وكما قال الوزير الأول الأستاذ عباس الفاسي عند ترؤسه لأشغال المجلس الجهوي لحزب الاستقلال بالدارالبيضاء «إن الحكومة عازمة على تفويض العديد من الصلاحيات والاختصاصات للجهات من أجل مستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمختلف مناطق المغرب، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس وذلك في إطار سيادة الدولة المغربية وسلطتها المركزية الحامية للحريات العامة والخاصة ومختلف مكونات المجتمع المغربي»، و«أن موضوع الجهوية يجب أن لايطبعه التسرع، لأنه لا يجب أن نقارن المغرب مع الدول التي لها تجربة طويلة مع الجهوية».