مباحثات مغربية بحرينية لتعزيز التعاون في مجالات التنمية الاجتماعية    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    بايتاس: ارتفاع الحد الأدنى للأجر إلى 17 درهما للساعة وكلفة الحوار الاجتماعي تبلغ 20 مليارا في 2025    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلوك القضائي في مدونة القيم القضائية
نشر في العلم يوم 24 - 03 - 2010

بمطالعة ما احتوت عليه مدونة القيم القضائية يلاحظ أنها جاءت جامعة لمجموعة مبادئ على درجة كبيرة من الأهمية شكلت بالفعل مدونة قيم قضائية حقيقية جديرة بالوقوف عندها للبحث فيها بكل دقة وامعان واعطاء كل مبدإ من مبادئها الفعالية اللازمة لجعل القاضي محورا لها يلازمها وتلازمه ولا يحيد أحدهما عن الآخر كيفما كانت الظروف والأحوال وذلك ضمانا لتحقيق قضاء نزيه وعادل يرضي الله وعباده. لعل من أهم المبادئ التي اعتمدتها مدونة القيم القضائية السالفة الذكر مبدأ «السلوك القضائي» الذي شكل موضوع بحثي هذا، فالسلوك القضائي أو سلوك القاضي كما تعلمون من المفروض فيه أن يكون سلوكا تطبعه الايجابية من خلال أخلاقه وسيرته وسلوكه الانساني والمهني وهو ما نلمسه عن قرب في حياتنا القضائية ونسعى جادين نحن معشر القضاة، من خلال هذه المدونة الى بلورة وتفعيل كل المبادئ التي تضمنتها.
ولتحقيق هذا المبتغى النبيل لابد من السير على النهج الآتي:
الصبر والوقار وحسن الاستماع:
في إطار هذه النقطة / المبدإ تعددت الصفات المطلوبة في القاضي وهي صفات جليلة ومحمودة ينبغي أن تكون لصيقة به حاضرة في كيانه ووجدانه لتحقيق ذاته ومن خلالها قدراته وعطاءاته النبيلة التي ترفع من شأنه كقاض يحظى بمكانة متميزة في المجتمع وهو راض عنها ومطمئن لها كل الاطمئنان ومعه كل الناس.
إن الصبر كما نعلم جميعا صفة حميدة يجب أن يتحلى بها القاضي لأنها تشكل بالنسبة له قوة وقدرة هائلة على التحمل وتدبير أموره بعقلانية وبمصداقية في تأني وورع وتقوى فالقاضي حينما يكون صبورا فإنه يجسد بذلك طاعة الله عز وجل وهي طاعة مقرونة بأجر رباني لا مثيل له في الدنيا وفي الآخرة وهذا ما نلمسه في قوله عز وجل: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
والصبر فضيلة ذات قيمة عالية، إذ قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغني يغنه الله ومن يتصبريصبره الله) وما أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر، وكقوله صلى الله عليه وسلم: (الصبر ضياء) فهو يضيء الطريق لمن تمسك به الى الرشاد والفلاح والصلاح.
والصبر إذن هو من محاسن الأخلاق فهو حبس النفس على ما تكره فالقاضي بصبره يحبس نفسه دون معاصي الله عز وجل فلا يسمح لها باقترابها ولا يأذن لها في فعلها مهما ثاقت لذلك بطبعها وهشت له، فالقاضي بصبره يعيش محتسبا متحملا لا يشكو ولا يتسخط، ولا يدفع المكروه بالمكروه، ولكن يدفع السيئة بالحسنة ويعفو ويصبر ويغفر (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) صدق الله العظيم.
الى جانب الصبر كعنصر مطلوب ومرغوب فيه في سلوك القاضي هناك عنصر الوقار وهو مطروح بشكل ملح وهو يجد احدى موجباته في فضيلة الصبر على اعتبار أن القاضي الصبور لا يكون كذلك إلا إذا توفرت فيه مقومات الصبر من أخلاق حسنة وسلوك قويم وهذه المحاسن تكسب القاضي الوقار واحترام الناس له وتعطيه ملكة حسن الاستماع الى أطراف النزاع وتجعله قريبا منهم ينفذ إلى أعماقهم ويتحسس أحاسيسهم ومشاعرهم هدفه الأسمى هو ضمان حقوقهم والحفاظ عليها وإشاعة العدل والطمأنينة في نفوسهم بالاضافة الى هذا وذاك يجب أن يكون القاضي واثقا من نفسه في سلوكه المهني مدركا لكنهها منسجما معها ومحترما لذاته في احترام تام لغيره متمتعا بشخصية قوية قوامها التفاني في خدمة الصالح العام بشعور سام ينبذ أنانية الذات وسلبياتها.
الانضباط في مواعيد الجلسات و الاسراع
في الانجاز دون تسرع في الحكم :
لا يكفي في القاضي أن يكون صبورا ووقورا الى غير ذلك من الصفات التي تمت الاشارة إليها في موضعها بل لابد أن يكون منضبطا في عمله وأن يحترم في سلوكه أوقات الجلسات المرتبط بها فالجلسات تعتبر وبحق مرآة حقيقة لسلوك القاضي في ميدان عمله فبقدر ما هو منضبط في مواعيدها يكون ناجحا في تدبير أموره ومحل احترام وتقدير من طرف المتقاضين وغيرهم ويعطي للمؤسسة القضائية مصداقية جديرة بثقة المتعاملين معها لأن الانضباط المتعلق بالجلسات هو انضباط لسلوك القاضي وهو ينم عن شعوره بالمسؤولية المنوطة به فيقدرها حق قدرها عن وعي وإدراك وتبصر ولما كانت الجلسات تعرض فيها الملفات للنظر فيها من طرفا لقاضي كان لابد له أن يأخذ بعين الاعتبار الطريقة الناجعة للاسراع في انجاز الاجراءات التي تتطلبها القضايا المعروضة عليه وأن يستجمع كل عناصرها لتجهيز الملفات وفق ما يقتضيه القانون وذلك بعد دراستها دراسة دقيقة ومناقشتها بطريقة قانونية جيدة ومتأنية تفاديا للتسرع في إصدار الحكم وفي نفس الوقت الحرص كل الحرص على معالجة الملفات في أجل مناسب ومعقول.
يتجنب تأخير القضايا لأسباب غير مبررة :
تعتبر هذه النقطة هي الأخرى ذات أهمية بالغة في ارتباطها الايجابي بسلوك القاضي فهو من هذا المنطلق وحفاظا على توازنه في مجال عمله يجب أن يولي اهتماما متميزا للقضايا المعروضة عليه وذلك بتصريفها بكل حنكة وتعقل وأن يعمل كل ما في وسعه لتفادي أسباب تأخيرها إلا لإجراء قانوني اقتضته وضعية الملف وبهذا الوضع يبرهن القاضي عن جديته في التعامل مع الملفات المعروضة عليه ومصداقية عمله ويكسب ثقة المتقاضين في أحكامه.
وعليه فكلما توفرت هذه الرغبة عند القاضي وظهرت بشكل عملي في سلوكه ازدادت قيمة العمل القضائي وحصل الاطمئنان في نفوس الناس ولما كان القضاء مرتبطاً بالعدالة تتأثر هذه الأخيرة به إيجابا وسلبا ولما كانت كثرة الملفات المدرجة في الجلسات للبت فيها تجلب المشقة في تدبير أمورها وتثقل كاهل القاضي وتفقد العدالة في كثير من الأحيان وجودها فإن على القاضي أن يحتاط في هذا الباب وأن يكون حذرا ويقظا ولا يدرج من الملفات للمناقشة، إلا ما هو في متناول استطاعته وذلك تحقيقا للعدالة التي هي المبتغى المنشود للجميع سواء تعلق الأمر بالمتقاضين أو غيرهم.
عدم تأجيل إصدار القرارات إلا لأسباب مبررة:
لما كانت القرارات الصادرة عن هيئات الحكم تشكل مبتغى مشترك بين القاضي والمتقاضين ونتيجة قضائية تجسد القول الفصل في موضوع كل ملف معروض على القاضي كان بديهيا أن تكون للقرارات الصادرة في وقتها المناسب والمعقول وقعا طيبا في نفوس المتقاضين وإبعاد العناء والمشقة النفسية عنهم لكن إذا ما حصل العكس وتم تأجيل اصدار القرارات نكون أمام وضع غير طبيعي ويطرح أكثر من تساؤل ولاسيما إذا كانت أسبابه غير واضحة ولهذا فعلى القاضي إذا تعذر عليه إصدار الحكم في الحال أن جعل القضية في المداولة لمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما وفي هذه الحالة يحدد الرئيس تاريخ النطق بالحكم ويعلم به الأطراف ويصدر حكمه في الموعد المحدد كما هو منصوص عليه في القانون، وفي جميع الأحوال فإن القاضي لا يقدم على تأجيل إصدار أي قرار كيفما كان نوعه سواء تعلق بحكم في القضية أو قرار له ارتباط بإجراءات الملف إلا بعد اقتناعه بموجب تأجيله على أن تكون مدة التأجيل معقولة ولا تثير أي حرج.
أولوية الجلسات والتنسيق مع الهيئة بشأن التداول:
ارتباطا بهذه الصورة التي تنضوي تحت مبدأ السلوك القضائي يمكن في هذا الباب إبراز العلاقة الحميمية التي تجمع بين القاضي وجلسات المحكمة فالجلسات كما نعلم جميعا تشكل المحور الرئيسي في العمل القضائي للقاضي، إذ بها تدرج الملفات وتقع دراستها ومناقشتها وإصدار الاحكام بشأنها، ومن هذا المنطلق كانت الجلسات تتطلب تعبئة شاملة من القاضي حتى يكون مؤهلا لإعطائها ما تستحق من عناية وأولوية في هذا الاهتمام المطلوب منه وذلك بالاسراع مع زملائه القضاة في الهيئة بالحضور في الأوقات المحددة لها والحرص على تكاملية العمل القضائي فيما بينهم وتوجيه كاتب الجلسة إلى ما ينبغي عمله قبل دخول الهيئة الى قاعة الجلسات من فرز ملفات المتعلقة بالمحامين حسب الأقدمية والتأكد من حضور العون إلى غير ذلك من التصرفات التي تجسد الاهتمام الفعلي للقاضي بالجلسات التي يشارك فيها.
والجلسات كما يعلن الجميع هي مرآة كل محكمة إذ فيها تجري المحاكمات التي تعرف في إجراءاتها أطوار متعددة ويحضرها محامون ومتقاضون وعامة الناس ولما كان الأمر على هذا النحو كان من الضروري أن يكون القاضي المشارك في الجلسات المذكورة له مشاركة مشرفة سواء على مستوى الدراسة التي تتطلبها الملفات المدرجة في الجلسات أو على مستوى مناقشاتها وعند تجهيزها يجب عليه العمل على تنظيم الأوقات المخصصة للتداول فيها مع اعضاء هيئته واحترام هذه الأوقات والالتزام بها، وهو ما يعني ضرورة انضباط القاضي وحرصه الشديد على فهم هذا السلوك الذي ينبغي أن يكون سلوكا مصاحبا للقاضي منذ بداية مشواره القضائي إلى نهايته وإذا كان القاضي ضمن اعضاء غرفة الجنايات لا يجوز له مع باقي الأعضاء مغادرة قاعة المداولات إلا للرجوع إلى قاعة الجلسات لاصدار قراراتهم في جلسة علنية وأن يحافظ القاضي وباقي زملائه المشاركين في المداولة على احترام هذه القاعة، حيث لا يسمحوا بالدخول إليها من طرف أي أحد إلا بإذن من الرئيس وكل خرق لهذا المنع يقابل بالطرد بأمر من الرئيس.
عدم افشاء سر المداولات :
تشكل المداولة مرحلة حاسمة وحساسة في عمر كل قضية معروضة على المحكمة فالمداولة في الملفات تأتي بعد دراسة هذه الأخيرة ومناقشتها وتجهيزها وهي البوابة التي يصدر عبرها المقرر القضائي وبالنظر لهذا الوضع فقد أحاطها المشرع بطابع السرية وفي هذا الإطار فإن القاضي ملزم بالحفاظ عليها والتشبت بها كإلتزام قانوني وأخلاقي مرجعه في ذلك اليمين التي أداها عند تعيينه لأول مرة وقبل الشروع في مهامه حينما أقسم بالله العظيم أن يقوم بمهامه بوفاء وإخلاص وأن يحافظ كل المحافظة على سر المداولات ويسلك في ذلك كله مسلك القاضي النزيه المخلص فالتزام القاضي بهذه السرية يدخل في أخلاقيات المهنية القضائية ويعتبر عنصرا هاما من العناصر الأساسية المكونة لسلوك القاضي وبالتالي لمعرفة القيم القضائية التي ينبغي أن تكون المسلك القويم الذي يسير عليه كل قاضي في حياته المهنية وفي هذه النقطة لابد من إبداء ملاحظة بسيطة حول
هذه السرية وحدودها فهي جاءت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمداولات أي بمضمونها وماراج فيها بخصوص الملفات التي شكلت موضوع المداولات المذكورة بالاضافة الى هذا شملت مرحلة ما قبل صدور الحكم ومرحلة ما بعد صدوره وفي هذا الباب يمكن القول بأن كل إفشاء لهذه السرية يضر بسمعة القاضي والقضاء على حد سواء ويعرضه للمساءلة.
لكن ماهو الموقف بالنسبة للقاضي الذي يقوم بتدوين المداولات في سجل خاص للرجوع إليه عند الحاجة؟ وكذلك بالنسبة للقاضي الذي يبوح بأسرار المداولة أو بعضها للمفتشين في ملف ما؟، وهل يعتبر هذا وذاك إفشاء لسير المداولات، وبالتالي خرقا للقانون؟
أعتقد أن الأمر لايشكل إفشاء على الإطلاق مادام التصرف الحاصل جاء في إطاره القانوني المطلوب.
لايستمع لأحد الخصوم
أو نائبه في غيبة غير المستدعى بصفة قانونية:
إن القاضي بحكم وظيفته مهمته الأساسية هو البت في النزاعات والقضايا والفصل فيها بأحكام وهو لايتأتى له ذلك إلا بإحاطته بمعطيات النوازل والوقوف عند مختلف جوانبها الواقعية والقانونية واتباع الإجراءات القانونية اللازمة وهذا الوضع في إطار دراسة الدعوى يتطلب من القاضي الاستماع الى الخصوم بعد استدعائهم بطريقة قانونية ولايكتفي القاضي بالاستماع الى أحدهم أو الاستماع الى نائبه في غيبة الطرف الذي لم يستدع وفق ما يقتضيه القانون بل لابد أن يتأكد من حضور الخصوم في الجلسة وأن يحرص كل الحرص على تطبيق القانون وذلك بالاستماع الى الخصمين الحاضرين أمامه قبل أن يقضي لأحدهما ضمانا لتحقيق العدالة وإعطاء لكل ذي حق حقه وهنا استحضر وصية الرسول صلى الله عليه لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما ولاه قضاء اليمين ولم يختبره لعلمه بفضله ولكنه وصاه بقوله «إذا حضر خصمان بين يديك فلا تقض لأحدهما حتى تسمع كلام الآخر «وفي هذا الإجراء كما نلاحظ أساس تحقيق العدل في الفصل بين الناس وفض مشاكلهم على اعتبار أن العدل بين الناس وكما يراه عمر بن الخطاب هو الدولة بكل شؤونها وشجونها بحيث إذا شاع العدل أصبح كل شيء بعد ذلك يسيرا.
8) يحافظ القاضي على هيبة المحكمة أثناء الجلسات
نظرا للمكانة المتميزة التي تحظى بها المحكمة في الذاكرة القضائية المغربية باعتبارها المقر التي يمارس فيها القاضي مهمته القضائية، وارتباطها من خلال القاضي بالقضاء والعدالة فقد كان هذا الدور البارز حاضرا بقوة في ذهن المشرع مما جعله يعطي سلطة واسعة للقاضي في حفظ النظام بالجلسة وتسيير البحث والمناقشات بها وله مع مراعاة حقوق الدفاع رفض كل مايرمي الى إطالتها بدون فائدة وله أن يوقفها، كما أعطاه المشرع إمكانية جعل المناقشة في جلسة سرية إذا اقتضى ذلك النظام العام أو الأخلاق الحميدة، وفي نفس السياق نجد المشرع أوجب على الخصوم شرح نزاعاتهم باعتدال وبطريقة مؤذبة ولبقة احتراما للمحكمة وحفاظا على هيبتها ووقارها ولضمان ذلك أجاز للقاضي الحكم بتغريم كل متقاض أخل بالاحترام الواجب للعدالة كما أجاز له وبصفة دائمة في حالة حصول اضطراب أوضوضاء أن يأمر بطرد الخصم أو وكيله أو أي شخص آخر من الجلسة وإذا امتنع الأفراد الذين وقع طردهم أو عادوا إلى الجلسة أمكن للقاضي أن يتخذ الإجراءات وفق المقتضيات القانونية الواردة في قانون المسطرة الجنائية وفي حالة ما إذا صدرت أقوال لاتتناسب والمجلس القضائي وتضمنت سبا أو إهانة خطيرة تجاه القاضي يمكن لهذا الأخير تحرير محضر بذلك يرسل على الفور الى جهة النيابة العامة لأعمال القانون وتطبيق في هذا الجانب المسطرة المتعلقة بالتلبس بالجريمة ولم تقف الأسباب المخولة للقاضي قانونا للمحافظة على هيبة المحكمة أثناء الجلسات عند هذا الحد بل شملت كذلك الخطب الصادرة عن أحد الوكلاء الذين لهم بحكم مهنتهم حق التمثيل أمام القضاء إذا كانت تحمل سبا أو إهانة أو قذفا ففي هذه الحالة بإمكان القاضي تحرير محضر وبعثه الى النيابة العامة لاتخاذ مايلزم قانونا لكن إذا تعلق الأمر بمحام بعث القاضي المحضر المذكور إلى نقيب الهيئة.
إذن انطلاقا مما ذكر يمكن القول أن هيبة المحكمة أثناء الجلسات مسؤوليتها تقع بالأساس على عاتق القاضي رئيس الجلسة وهي من أوجب واجباته والمشرع في هذا الإطار قد مده بالعناصر القانونية اللازمة لذلك فما عليه إلا إعمال هذه العناصر بكل حكمة وتبصر وعقلانية وبمرونة هدفه الأول والأخير هو الحفاظ على هيبة المحكمة خلال الجلسات وتطبيق في ذلك القانون تطبيقا سليما يضفي على المشهد القضائي نخوته وعزته التي رافقته عبر مختلف الحقب والأزمنة.
يعلم القاضي الخصوم بأي التماس
يخص الدعوى المعروضة عليه.
يعتبر القاضي إن صح التعبير حكما بين الخصوم في الدعوى المرتبطة بهم المعروضة عليه وهو بهذه الصفة لابد أن تكون حكامته رزينة وحكيمة وجيدة ما دامت إرادته في ذلك تسعى مسعى الحق والعدل، وفي هذا الإطار نجد المشرع قد خص لسير الجلسة المرتبطة بطبيعة الحال بالقاضي والدعوى والخصوم مجموعة قواعد قانونية تنظم الإجراءات التي تسير وفقها الدعوى وكيفية تعامل القاضي مع الخصوم أثناءها سواء تعلق الأمر بكيفية استدعاء الخصوم والشهود إن اقتضى الأمر ذلك أو تعلق الوضع بدراسة الدعوى بشكل عام بحثا ومناقشة، ففي الميدان الجنائي كما نعلم ينصب بحث القضية على استنطاق المتهم عند حضوره بعد التحقق من هويته والاستماع الى الشهود بعد المناداة عليهم وامرهم بالانسحاب من القاعة وكذلك الخبراء وتقديم أدوات الاقتناع عند الاقتضاء، ونفس الحال بالنسبة للدعوى في الميدان المدني تحكمها هي الأخرى في علاقة القاضي بالخصوم ودعاويهم المعروضة عليه ضوابط قانونية مسطرية لابد من التقيد بها وتطبيقها التطبيق الصحيح وفي هذا وذلك تقدم التماسات ومقالات إضافية ومذكرات وغير ذلك من وسائل الدفاع التي تخص الدعوى المعروضة على القاضي، وهذا الوضع يقتضي من القاضي إعلام الخصوم بكل مستجد بخصوص الدعوى التي ينظر فيها، وهذا الإجراء إجراء مسطري لايستقيم سير الدعوى بدونه فبإعلام القاضي للخصوم بأي ملتمس له ارتباط بالدعوى يطلعهم على مستجداتها وتطوراتها وموقفهم من ذلك وبذلك يكونون على علم بكل أمورها وهو ما يتيح لهم فرصة إعداد دفاعهم بالشكل المطلوب قانونا ويمكن القاضي في نفس الوقت من تجهيز الملف بعد استفائه لكل إجراءاته بطريقة محكمة تسهل عليه امكانية البت في الملف بحكم عادل ينسجم مع وضعية الملف من حيث القانون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.