شكل إعلان الكتلة الديمقراطية يوم 17 ماي 1992، كإطار عام من أجل تنسيق مواقفها وتوحيد جهودها في نضالها الموحد من أجل تحقيق أهدافها المشتركة، حدثا تاريخيا بارزا في حياة الحركة الوطنية بالبلاد بأبعادها السياسية ودلالاتها الوحدوية ليس فقط لكونها تتكون من أحزاب وطنية ساهمت في وضع اللبنات الأولى للمغرب المستقل بقيادة حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، ولكن أيضا من حيث الأهداف النبيلة التي يبتغيها هذا المشروع الوطني الديمقراطي الرامي إلى استكمال وترشيد الجزء الثاني من برنامج الحركة الوطنية الممتد جذوره من 11 يناير 1944 المتعلق بإقامة ديمقراطية وطنية سليمة في إطار نظام ملكي دستوري وشروط الحفاظ على هوية الحضارة المغربية وخصائص مقومات المغرب العربية وحتميات التقدم والتغيير في القرن الواحد والعشرين، وذلك من خلال: - تثبيت استرجاع المغرب لأقاليم الساقية الحمراء وواد الذهب والنضال بكل الوسائل من أجل استكمال الوحدة الترابية للبلاد. - إقرار إصلاح دستوري عميق يضمن ترسيخ دولة المؤسسات وتعزيز سلطة القانون، ودمقرطة وتحديث أجهزة الدولة على كافة مستوياتها، ويكرس فصل السلط، ويحدد مسؤولية كل سلطة، ويكفل قيام حكومة تكون ممثلة لأغلبية الشعب ومتحملة لمسؤوليتها الكاملة أمام مجلس النواب، ويحقق استقلال القضاء، ويصون كرامة الإنسان، ويحمي الحريات العامة والخاصة. - إرساء مؤسسات ديمقراطية، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو المهني أو الوطني، تكون منبثقة من الشعب ومتمتعة بثقته. - إقرار مشروع وطني للتنمية والتحرر والتقدم، وإرساء سياسة بديلة للإقلاع الاقتصادي والتطور الاجتماعي والثقافي. - العمل على بناء المغرب العربي الكبير باعتباره اختيارا استراتيجيا لا محيد عنه. وقد اعتبر مؤسسو الكتلة الديمقراطية أن هذا المشروع ليس واجهة انتخابية أو تكتلا حزبيا متميزا لكسب مزيد من الأصوات وليس ضد أحد، ولكنه مع الاختيار الديمقراطي وضد اختيار اللاديمقراطية، بل إنه وضع علني أمام مسؤولية التاريخ ونداء قوي ونزيه إلى ضمير كل مواطن وكل مواطنة في المغرب. وقد سبق تأسيس الكتلة الديمقراطية إرساء دعائم العمل الوحدوي بين مكونات الكتلة داخل مجلس النواب منذ 1989 عندما أعلن الأخ الأمين العام للحزب آنذاك الأستاذ محمد بوستة بمدينة العيون بمناسبة ملتقى الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية عن هذا التوجه الجديد الذي انطلق بتقديم مقترحات قوانين مشتركة وأسئلة شفهية موحدة بخصوص بعض القضايا الوطنية الكبرى وتعديلات مشتركة بشأن النصوص التشريعية المعروضة على مجلس النواب وطلبات مشتركة لعقد اجتماعات اللجان النيابية الدائمة واتخاذ مواقف مشتركة فيما يتعلق ببعض القضايا الأساس كما هو الشأن بالنسبة للطعن في مشروع القانون المتعلق بالرسم الخاص المفروض على «البارابول» أمام المجلس الدستوري الذي أصدر قرارا إيجابيا في الموضوع، تنظيم لقاءات دراسية وندوات مشتركة لتدارس بعض القضايا الوطنية الأساس، تقديم ملتمس الرقابة في سنة 1990 الذي فجر المسكوت عنه وجعل الإصلاح السياسي والمؤسسي ملحا، الإضراب العام المشترك في دجنبر 1990 الذي خاضه الاتحاد العام للشغالين للمغرب والكنفدرالية الديمقراطية للشغل أبرز المشكلة الاجتماعية بالمغرب في حجمها الحقيقي، المذكرة التي رفعها الأمين العام لحزب الاستقلال والكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني في أكتوبر 1991 بشأن الإصلاحات الدستورية. وقد لعبت الكتلة الديمقراطية دورا أساسيا في تحقيق العديد من المكاسب والإصلاحات، بما فيها الإصلاحات الدستورية لسنتي 1992 و1996، الانفراج السياسي والعفو الشامل، إلغاء ظهير 1935 المعروف ب: «كل ما من شأنه»، انتصار مهم لأحزاب الكتلة الديمقراطية في الانتخابات التشريعية لسنة 1993 بفضل المرشح المشترك بين حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بروز الملف الاجتماعي وثبوته لموقع أولوي في تدبير السياسة العمومية، تحقيق التناوب التوافقي في إطار ميثاق الكتلة الديمقراطية، وغيرها من المكتسبات التي تتجاوب ومصلحة الوطني العليا. وهذا ما جعل حزب الاستقلال الذي كان له دور أساسي في تأسيس الكتلة الديمقراطية وعملها النضالي المتواصل يتشبث بها كاختبار استراتيجي كما عبر عن ذلك في أكثر من مناسبة الأخ الأمين العام الأستاذ عباس الفاسي باعتباره إطارا مشتركا لعمل القوى الوطنية الديمقراطية. وسيظل حزب الاستقلال متمسكا بهذا العمل الوحدوي وتقويته من أجل تحقيق الإصلاحات التي تحتاجها البلاد في مختلف الميادين كما عبر عن ذلك الأخ الأمين العام لحزب الاستقلال والكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي بمناسبة انعقاد قيادتي الحزبين يوم الثلاثاء الماضي في أفق تفعيل الكتلة الديمقراطية في ظل المشهد السياسي الحالي وجسامة التحديات التي تواجهها البلاد على جميع المستويات، بما فيها إعادة الاعتبار للعمل السياسي المسؤول يروم إلى ترسيخ روح المواطنة الفاعلة وتحصينه من مخاطر الفراغ السياسي وعواقبه الوخيمة في إطار مشهد سياسي معقلن تحترم فيه قواعد المنافسة الشريفة في التأطير والتنظيم والمشاركة السياسية القائمة على احترام اللعبة الديمقراطية.