حدثنا المفتقر إلى رحمة الله أحمد هيبة: الولهان المتيم بالديار الفاسية.. عن إحدى رحلاته إلى فاس العالمة.. موطن الفنون والثقافة؛ وملتقى التراث والحضارة.. حيث الحلقات العظام للأدب والغرابة.. برحاب كلية الآداب الشامخة برجالات ظهر المهراز العتيقة وكذا ملحقاتها الجديدة.. وحيث يولم للعلوم والرياضيات والفيزياء أكثر من وليمة.. اذ تتم بكل حذر وحيطة المزاوجة بين التطبيق والنظرية.. ولي بفاس الغالية أكثر من ذكرى في الجسد والذاكرة. من زياراتي الأولى للأحبة والعائلة حتى آخر لقاء تكويني للناشئة.. افتتحه العمدة ياسادة.. مبشرا الساكنة.. بالمشاريع المبرمجة.. والتي بعون الله تنجز لا محالة.. ولأن مجلس المدينة.. له دور طلائعي في التربية، واستجابة لملتمسات الوداديات السكنية.. فقد تم إدراج هذه الملتمسات.. بإغلاق محلات القمار، الخمور والشيشة فقامت القيامة.. بفعل النفوس اللوامة.. نويت شد الرحال إلى فاس، فاستكبر علي ذلك بعض الناس.. فقد أحدثت الأمطار الغزيرة بالطرق الخصاص والمس.. وكثرت الحوادث التي أرعبت الخلق وأحدثت البأس. ثم إن الطريق من خنيفرة مقطوعة بين أزرو وايموزار إلى فاس. تحلق حولي أبنائي الصغار، يلتمسون مني العدول عن السفر.. تجنبا لكل المتاعب والأخطار.. فقلت لهم بكل حزم وإصرار، لابد لي من السفر.. ففي انتظاري بعض الأخيار.. أريد استطلاعهم عما يجري ويدور. فقد ركب البعض مطية سوء التأويل وقلب التفسير.. وأراد تحويل هذه الأرض ساحة لحرب جديدة للمغول والتتار.. كفانا الله وإياكم من رجات ومكائد الأشرار، الخفي منهم والظاهر. فما يعلمه العقلاء الأخيار.. من كل الأصقاع والأمصار.. ان المنجزات بفاس تتواتر.. تهوى إليها الأفئدة والأبصار.. فحيثما كان طريقك، ثمة ورش في النماء والتعمير.. ونساء ورجال مهووسون بحسن التدبير. قلت لنفسي لابد أن أكون الرائي والشاهد والزائر.. لتكن طريقي إلى فاس عبر مكناس مهما كانت الأخطار.. وصلت إلى فاس بعد أربع ساعات من المطر الغزير.. فتوجهت إلى أقرب مسجد للمحطة أكابر.. وصليت ركعتي الحمدلة للواحد الأحد الجبار.. فجاءني من المدينة العتيقة صوت يخترق الصدر.. من ساحة الأطلس، أخذت سيارة أجرة طلبا للوصول بأقصى سرعة إلى بوابة أبي الجنود العتيقة... فكانت الطالعة الصغرى بداية المسير. إستهوتني الفضاءات والمآثر كأي زائر.. وأنا أخترق الساحات والدروب.. بنعزاهم كرنيز ودرب الحمام.. وصولا إلى ضريح القطب الرباني.. المولى إدريس المؤسس الباني.. سليل آل البيت الكرام... خلعت حذائي، فتوجهت صوب المنبر، واقتربت من القبر فسلمت بتحية الإسلام على صاحب الكرامات والأسرار. وتلوت الفاتحة ويس قلب القرآن،، وختمت بالمعوذتين والرحمان.. ودعوت الله لي ولغيري التوفيق والسداد، والنجاة من كل دجل وبهتان. الحق أقول، وأنا على كلامي أمام الله مسؤول.. أني من السفر تعبت لذا أخذني نعاس جميل.. فإذا بصوت وقور وجليل يهاتفني ثانية مخاطبا إياي. بارك الله لك المسعى، وأكسبك ثواب الزيارة.. وكتبت لك بتلاوة القرآن في حضرتنا النورانية، الشفاعة في الآخرة.. لقد تجشمت متاعب رحلة بالمخاطر كانت محفوفة.. وها قد بلغت المقصد بكل طمأنينة وسلامة.. فهلا قبلت تكليف جدك لك بمهمة؟ هي رسالة وجيزة وبليغة.. إلى المسؤولين بفاس والساكنة.. بلا تحريف، نقصان أو زيادة. «قل لهم والقول محمود إن عين الله في مراقبتكم شديدة.. وأخباركم تصلني إتباعا في كل حين وبرهة.. ففاس بنسائها، شبابها ورجالاتها زاهرة.. وإلى طريق النماء الموصول بخطى حثيثة سائرة.. فلماذا هذه الغوغائية والشوشرة؟ ولماذا ترويج الطروحات التيئيسية؟ ولتكن التنمية المستدامة عقيدتكم الأبدية.. اياكم والنعرات العرقية.. فسبيلها الفتن والخصومة، وهما البوابة إلى التهلكة.. وأنا لا أرضى هذا لفاس والساكنة.. لتكن لغتكم واحدة موحدة.. لا تشوبها شائبة. خدمة هذه المدينة، من خدمة الوطن والأمة.. وفي سبيل هذا فلتستعر نيران المنافسة مسترشدين، بالتعليمات النيرة السديدة لصاحب الجلالة. أفقت من نعستي الخفيفة الجميلة.. فقد كانت إشراقة روحية.. طوقت فيها بأمانة تبليغ الرسالة.. بلا تزلف أو تملق وإنما بكل شجاعة.. وثقتها توثيقا في هذه المادة عسى رب العزة والجلالة، يكسبنا بها حسنات في الدنيا والدار الآخرة.