لقد طور المخرجون الذين يشتغلون في حقل المسرح الأمازيغي وعيهم بالذات وانفتحوا بوعي جمالي راق على التجارب المسرحية العالمية ، تفتقت مواهبهم في إنتاج ترجمات أنيقة تقترب إلى حد ما من النص الأصلي كما سعوا إلى تكييف الأعمال الفنية الأصلية مع الخصوصيات الثقافية التي تميز الذات الأمازيغية، ولامسوا عبر هذه الترجمات ملامح الأثر الفني داخل النص الأمازيغي، واقتفوا المتاهات السرية التي صاحبت عملية المرور من النص الأول إلى النص الثاني، مما يسمح لنا بالقول بأن ذلك المرور قد يكون أشبه بالمغامرة التي قد تبعث على الدهشة أو قد تقدم بعض العناصر الفنية للنص المسرحي الأمازيغي وتجعله قابلا للحياة أكثر من اللازم . لا ندعي إطلاقا إذا اعتبرنا الترجمة التي أنجزها الشاعر محمد واكرار للنص المسرحي لمؤلفه «صمويل بيكيت» من الفرنسية إلى الأمازيغية بمثابة قيمة مضافة في حقل المسرح الأمازيغي ونقلة نوعية ستمنح لا محالة مساحات ضوئية ستكشف بكل تأكيد بعض المناطق المعتمة في أعماق اللغة المسرحية الأمازيغية، لتجعلها قادرة على تجديد نفسها من الداخل بممفردها بعيدا كل البعد عن اجترار ذاتها في قوالب فنية جامدة، أو تجريب أشكال فرجوية فاقعة وذلك انطلاقا مما يتم إنتاجه من أفلام سينمائية أمازيغية أو من عروض مسرحية لا تؤدي وظيفتها الجمالية، ولم تستطع إلى حد ما تفجير الطاقات الخلاقة الكامنة في المتخيل الأمازيغي وأن تستكشف أراض جديدة أكثر خصوبة وعطاء داخل اللغة الأمازيغية لتخاطب الآخر والذي هو المتلقي الذي يتعطش لرؤية أفلام سينمائية وعروض مسرحية أمازيغية تعبر عن همومه وتطلعاته، وقد استطاع المترجم «محمد واكرار» والمخرج «مصطفى حومير» أن ينقلا بفنية قصوى لغة موليير إلى اللغة الأمازيغية التي أضحت بفضل الترجمة لغة كونية استطاعت أن تحتمل عوالم صمويل بيكيت التي تؤثثها فوضى عارمة وكائنات عبثية تنظر إلى العالم نظرة مغايرة، وقد تمكن الشاعر محمد واكرار بمعية المخرج «مصطفى حومير» أن يزيلا تلك الحلقات المفرغة التي قد تحدث أثنان نقل نص «بيكيت» إلى الأمازيغية بشخصياته وبأمكنته وأزمنته وبفراغاته التي تصنع عبثية الوضع الانساني عند بيكيت، وهي عبتية مفعمة بشعرية صادمة تحيل على رموز ودلالات تستمد جذورها من سياق ثقافي وايديولوجي أعطى الشرارات الأولى لتبلور المذهب السوريالي في فرنسا والذي كان من أهم رموزه بالاضافة إلى «صمويل بيكيت» الشاعر الفرنسي «أندري بروتون» و»روني شار» والفنان التشكيلي «سلفادور دالي» وآخرون الأمر الذي سيدفعنا إلى البحث عن استحضار هذه الخلفيات النظرية والجمالية في ثنايا العرض المسرحي المنقول إلى الأمازيغية ؟ وقد تم إنجاز أول عرض مسرحي لمسرحية في «انتظار جودو» وترجمته إلى الأمازيغية هو :Mam nkk ar nttqql s gudu ) ما منك آر نتفل س جودو) يوم 13/12/2006 بالمعهد الفرنسي بأكادير وقد تم عرضها من ذالك التاريخ إلى اليوم إثني عشرة مرة، وشاركت في أربع مهرجانات وحازت على ستة ألقاب وقد صرح لنا محمد واكرار بأن الفضل يرجع له في أنه كان سباقا إلى ترجمة العديد من النصوص المسرحية من لغاتها الأصلية في اتجاه اللغة الأمازيغية بسوس وبخاصة بمدينة أكادير حيث يقيم «محمد واكرار» الذي ولج عالم المسرح من بوابة الشعر هذا الأخير الذي ينتمي بقوة الأشياء إلى سلالة المسرح، بمعنى أن المسرح يمتزج بالشعر في الهواء الذي نتتنفسه وفي النظرة التي ننظر بها إلى ذواتنا أو بصورة أدق فهو يقترب من الحلم وهذا ما استطاع الشاعر أن يعبر عنه وهو يحمل في يديه ووجدانه النصوص المسرحية العالمية، والرغبة الجامحة التي تنتابه في نقل هذه النصوص إلى مسكنه الشعري الأمازيغي الذي خبر أثاثه الجميل وجدرانه الشفافة وكائناته الإنسانية الرائعة ، فالشاعر محمد واكرار وحده يستطيع أن يمزج الشعر بالمسرح فوق الركح ليسمو به من اللغة اليومية إلى اللغة الشعرية وقد أضاف محمد واكرار إلى ربرتواره الفني ترجمة أخرى ويتعلق الأمر بترجمة النص المسرحي «أيام العز» ليوسف فاضل إلى الأمازيغية والذي أضفى عليه الشاعر بعض الملامح الأمازيغية فصار نصا مسرحيا يحمل كثيرا من معالم الروح الأمازيغية ويتنفس من هواء الذات الجمعية التي صاغها الانسان الأمازيغي بخياله وتصوره المبدع للعالم، هذا دون أن نغفل الدور الفعال الذي لعبه المخرج المسرحي «مصطفى حومير»في أن يشد الجمهور الأكاديري إلى التفاعل مع هذه العروض المسرحية. وسيكون خطأ فادحا القول بأن دور المتفرج في العملية التواصلية دور سلبي فلا يوجد أي ممثل ولا أي مخرج فكر في هذا. وفي الحقيقة أن وظيفة التلقي لدى الجمهور جد معقدة. أولا لأن المتفرج ينتقي المعلومات، يختارها، يرميها، يدفع الممثل في منحى معين من خلال علامات ضعيفة لكنها قابلة للإدراك بشكل واضح من طرف المرسل بالإضافة الى ذلك، فإنه ليس هناك متفرج واحد، بل متفرجون متعددون، يتفاعلون مع بعضهم ويؤثرون الواحد في الآخر. فنحن لا نذهب نادرا الى المسرح منفردين فحسب، بل إننا لا نوجد لوحدنا في المسرح، وكل رسالة مستقبلة تنكسر (على الذين يجلسون بالقرب منا)، تصطدم يعاد أخذها ويعاد إرسالها في تبادل جد معقد. ويبدو أن ثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها حول رهانات التأليف والاقتباس في حقل المسرح الأمازيغي والجدوى من انفتاح المخرجين الأمازيغيين على التجارب المسرحية العالمية، وهذا ما يدعونا إلى تدقيق النظر وتعميق التحليل حول العرضين المسرحيين اللذين نقلهما محمد واكرار إلى الأمازيغية( في انتظار جودو وأيام العز) وذلك انطلاقا من كون مهمة المخرج المسرحي تنحصر في ترجمة النص بكل «أمانة» من لغة مكتوبة الى لغة أخرى مغايرة وهذا الموقف يفترض فكرة أساسية وهي فكرة التكافؤ الدلالي بين النص المكتوب والعرض المرئي والشيء الوحيد الذي بامكانه أن يتغير هو»مادة التعبير» حسب مفهوم هيلمسليف HJELMSLEV أما مضمون وشكل التعبير فيبقى هو نفسه عندما ننتقل من: نظام: علامات - نص إلى نظام: علامات - عرض. إلا أن هناك احتمالا كبيرا في أن يكون هذا التكافؤ مجرد صورة وهمية حيث إن مجموعة العلامات البصرية، السمعية والموسيقية، التي يبتكرها المخرج ومصمم الديكور والموسيقيون والممثلون تشكل مدلولا (أو تعددا دلاليا) يتجاوز مجموع النص. وعكسيا فإن الكثير من بنيات الرسالة (الشعرية) للنص الأدبي سواء كانت بنيات افتراضية أو بنيات واقعية، تتلاشى ويطمسها العرض نفسه، الأكثر من ذلك أنه حتى لو استطاع العرض بمعجزة ما، أن يعبر عن النص كله فإن المتفرج سوف لن يستمع الى النص بأكمله. جزء وافر من المعلومات ينمحي، وفن الإخراج والتمثيل يأتي أساسا لاختيار ما يجب تسميعه واقصاء ما لا يجب تسميعه. إذن لا يمكن إطلاقا أن نتحدث عن التكافؤ الدلالي. وبهذا الخصوص لا بد من التذكير بأن الساحة المسرحية تعرف من حين لآخر انبثاق تجارب مسرحية رائدة تفاعلت مع النصوص المسرحية العالمية ونقلتها إلى اللغة الامازيغية مراعية في ذلك الابقاء على شعرية النص الاصلي وعلى خصوصيات مكوناته الفنية، وقد كانت أعمال كل من فرقة «تاكفاريناس» بمدينة الدشيرة وأعمال فرقة «أبوليوس» من مدينة الناظور ذات قيمة وجودة من الناحية الفنية، كما يمكن أن نشير في هذا السياق إلى فرقة «ويمرز» للمسرح من مدينة تزنيت والتي نحتت موقعها الفني ضمن خريطة المسرح المغربي الناطق بالأمازيغية، ورسخت لمعالم مسرح تجريبي أمازيغي يستلهم مادته الخام وبناء شخوصه وعوالمه التخييلية من التراث الشعبي الأمازيغي بكل مكنوناته ويوظف تقنيات حديثة في الإخراج المسرحي بقيادة الفنان «رشيد ابيضار». كما يمكن أن نشيد في هذا السياق بالمجهودات التي تقوم بها الأستاذتان «الزوهرة مكاش» و»شادية الدرقاوي» واللتان لهما انشغالات علمية متعددة تدخل في نطاق الاهتمام بكل الأشكال المكتوبة أو الشفوية المرتبطة باللغة والثقافة الأمازيغية، وقد عملا في سنة 2004 في انتقاء نصوص مسرحية من الربيرتوار العالمي وترجمتها إلى اللغة الأمازيغية وإلى اللغة العامية ويتعلق الأمر بنصوص كل من الكاتب الفرنسي الراحل» ألبير كامي» ورائد المذهب الوجودي «جون بول سارتر»، ولم تتوقف حدود الإبداع لدى» الزوهرة مكاش» و»شادية الدرقاوي» عند هذا الحد بل لا زالتا تواصلان سلسلة أبحاثهما سواء بالإشراف على البحوث الجامعية للطلبة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن زهر بأكادير أو على مستوى تحريك الدينامية الثقافية والفنية بمدينة أكادير تارة بتنسيق مع المعهد الفرنسي وتارة أخرى بتنسيق مع فعاليات المجتمع المدني بالمدينة