يتموضع عبد الفتاح كيليطو ، مرّة فمرّة ، ككاتب مقالة ، كقصّاص و كروائي . على أنّ المادة الأولية لأبحاثه تظلّ هي أثر العرب القدامى ، أثر يتغيّا أن يزيل الغبار عنه و يقدّمه لقارئه كأنّ الأمر يتعلّق بكنز مطمور في متاهات كتب غابرة . بخبرة المعلّم ، يعمل كيليطو على ابتعاث كلام الأجداد بقصد أن يمنحه لونا جديدا و بالتالي صوتا جديدا . الأمر يجري ههنا كأنّ كيليطو يعاصر القدماء ، الأمر يتمّ ههنا كأنّهم يخاطبونه ، يبعثون إليه بأسرارهم و ألغازهم محرضّين إيّاه على استكناهها بواسطة الكتابة . يسائل كيليطو ظلال هؤلاء القدماء ، يقوّضها ، يبطل مركزيتها و قداستها بغرض أن يخرجها من النسيان و يعيد إليها إشراقها و سطوعها عن طريق قراءة فعّالة و تأويل عالم . إذا كان كيليطو يعود لزيارة الآثار الأدبية للقدماء ، فلأنّ هذه الأخيرة تمثل ضوءا في حاجة أن يوقد ثانية ، طريقا في حاجة أن يعبر ها بهدف معرفة دواليب و ميكانزمات التفكير الكلاسيكي و المعاصر . حقا ، من الحريري إلى الهمذاني ، من الجاحظ إلى المعري ، فضلا عن أيقونات الثقافة العربية الكلاسيكية الأخريات ، يباشر كيليطو سفر الحبّ و الشغف اللانهائي بالأصول . يعيد إحياء بقايا الأسلاف باعتبارها جذورا أصلية تنظم اشتغال ذهنية موغلة في القدم ،مؤسّسة بنيويا ، على مبدأ التعارض أو المعارضة . هناك بعد الآن جسر تمّ تشييده بين الماضي و الحاضر . فيما يخصّ عدّة العمل ، فهي عمليا عدّة تحليلية . يمارس كيليطو على أثر القدماء جراحة مزدوجة : تجميلية تستهدف تجميل وجهه ، و تطبيبية تسعى إلى كشف عقده . فالكتابة عن القدماء ، بالنسبة لكيليطو ، تعادل تأليف قصيدة هي ، بشكل متناقض ، نتاج تالّم و تلذذ : ألم الحمل ولذة الوضع . ماذا يصنع كيليطو سوى أن يوقظ بحبّ هذه الآثارالتي جعلتها غياهب المجلدات القديمة ذابلة المفعول ؟ ألا يعتبر وضعية المؤلفات القديمة شبيهة بوضعية هذه الفتاة الجميلة النائمة التي تنتظر عارفا نبيها بأسرارها يأتي ليقبّلها بودّ ، يداعبها بلطف و يساعدها ، بعناية ، على التكيّف مع عالمها الجديد ؟ يعمل كيليطو على أن تغادر آثار القدماء السياق العربي حصرا ، لغاية وضعها ، بالأولى ، في سياق كوني . إنّه يمتح في الآن معا من لسان الجرجاني و من لسان موليير . بهذا الصّنيع ، يثمّن كيليطو عبقرية هذا الكائن الآخر الذي لا يكفّ عن وسوسته و ملازمته : اللغة . عند كيليطو ، تشتغل اللغة كشكل يسمح له ، ليس فقط بأن يقول العالم ، لكن بخاصّة أن يقطن العالم و يستوطنه ، بمعنى التدرّب على فهمه انطلاقا من هذه الصلة القوية ، الملتبسة ، المتجاورة بين الماضي / الحاضر / المستقبل . يخلط كيليطو بين الأنواع ، يتحوّل النص عنده إلى مسرح معطاء يستقبل تجربة الكلام بمختلف أبعادها الثقافية والأنثربولوجية و البلاغية . إنّه يثابر على إعادة الإعتبار لميراث القدماء ، بل يجعل المعاصرين مسؤولين عن بقائه وديمومته . مغامرة ، ألا تستحق عناء أن تعاش ؟ 3 ديسمبر 2009 . عن ليبراسيون