يلاحظ المتتبع لورش إصلاح القضاء في المغرب، ان هناك شبه إجماع لدى المهتمين بالشأن الحقوقي والقضائي أن مكامن الخلل تكمن إما في العنصر البشري أو في انعدام التوازن بين السلطة التنفيذية به والقضاء حتى مع وجود الفصل 82 منذ الدستور الذي ينص على أن القضاء مستقل عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية. وقد اعتبر البعض أن الدستور باستعماله للقضاء عوضا عن السلطة القضائية لم يعترف للجهاز القضائي بالاستقلال عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، بل إن بعض المهتمين رأى بأن هناك رغبة سياسية في عدم الاعتراف باستقلال القضاء (1). لكن السؤال المطروح هو عن أية جهة يتعين استقلال القضاء؟ هل عن السلطة التنفيذية أم السلطة التشريعية، أو عن سلطة أخرى كالسلطة الرابعة، أي الصحافة وبصفة عامة عن الرأي العام؟ إن الدارس للدستور المغربي يجد في فصله 84 أن الملك هو الذي يعين القضاء بظهير شريف باقتراح من المجلس الإعلى للقضاء كما أن عزل أو نقل قضاة الأحكام لايتم الا بمقتضى القانون. والقانون في مفهوم الدستور ولاسيما الفصل 45 منه يصدر عن البرلمان، بالتصويت. وهذا يعني أن مسطرة عزل أو نقل القضاة تدخل في مجال السلطة التشريعية، أما التعيين فهو من اختصاص جلالة الملك الذي لايعتبر من مكونات الحكومة، وهذا بصريح الفصل 24 من الدستور الذي ينص على أن الملك يعين الوزير الأول كما يعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول (2) لكن السلطة التنفيذية ليست فقط الحكومة وإنما تشمل كذلك جلالة الملك، ومن ثم فإنه على مستوى جلالة الملك كل السلط تتداخل، وهذا ما يفسر مضمون الفصل 19 من الدستور الذي ينص على أن الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الملة والدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات . وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة. وهذا يعني أن القضاء يستمد أساسه واختصاصاته وسنده من جلالة الملك مباشرة، وهو ما يجعله سلطة حقيقية لاحاجز بينها وبين جلالة الملك ومن هنا تأتي استقلالية القضاء عن الحكومة وهذا ما أكد عليه الفصل 87 من الدستور الذي ينص على أن المجلس الأعلى للقضاء يسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة فيما يرجع لترقيتهم وتأديبهم. والكل يعلم أن المجلس الأعلى للقضاء يرأسه جلالة الملك مما يفيد أن كل ترقية أوتأديب يتعلق بالقاضي يكون تحت أعين جلالته وبموافقته سواء ترأس جلالة الملك المجلس الأعلى للقضاء أو ناب عنه وزير العدل، ووزير العدل بهذه الصفة لايمثل الحكومة وإنما يمثل جلالة الملك. وعلى هذا الأساس لامجال للحديث عن دونية القضاء المغربي وانما القضاء في المغرب سلطة كاملة السلطة، وقد تزيد عن باقي السلط بأنها لها ارتباط بإمارة المؤمنين. لكن ما يجب التركيز عليه هل النصوص القانونية الجاري بها العمل تساعد فعلا على إحقاق العدالة؟ بناء على ما ذكر نتساءل: ما مدى دستورية الفصل 382 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه يمكن لوزير العدل أن يأمر الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى بأن يحيل على هذا المجلس بقصد إلغاء الأحكام التي قد يتجاوز فيه القضاة سلطاتهم؟ وبالتالي فهل تدخل وزير العدل بهذه الصفة يتم باعتباره نائبا لرئيس المجلس الأعلى للقضاء أم باعتباره عضوا في الحكومة، فإذا كان كذلك لماذا لايسند هذا الاختصاص للوزير الأول باعتباره مشرفا على الحكومة وممثلا للدولة أمام القضاء؟ ويسري نفس الأمر على المادة 558 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه تنقسم طلبات النقض لفائدة القانون وإلى طلبات يرفعها تلقائيا الوكيل العام بالمجلس الأعلى وإلى طلبات ترفع بأمر من وزير العدل. وتضيف المادة 560 من نفس القانون بأنه يمكن للوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى أن يحيل إلى الغرفة الجنائية - إسنادا إلى الأمر الكتابي الذي يوجهه إليه وزير العدل الإجراءات القضائية أو القرارات أو الأحكام التي تصدر خرقا للقانون أو خرقا للإجراءات الجوهرية للمسطرة. أليس في هذا المقتضى ما يوحي بأن الأحكام والقرارات القضائية تبقى معلقة على شرط عدم الطعن فيها من طرف وزير العدل؟ ثم ماذا عن الفصل 491 من القانون الجنائي الذي ينص على أنه يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية، ولا تجوز المتابعة في هذه الحال إلا بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليه. غير أنه في حالة غياب أحد الزوجين خارج تراب المملكة ، فإنه يمكن للنيابة العامة أن تقوم تلقائيا بمتابعة الزوج الآخر الذي يتعاطى الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة. لحد الآن تبقى الأمور عادية حيث يتدخل القضاء من أجل متابعة الزوج أو الزوجة الذي يتخذ من الدعارة والبغاء حرفة معتادة له. إلا أن بمجرد ما يتنازل أحد الزوجين عن شكايته ضد الجاني رجلا كان أو امرأة يرفع القضاء يده على النازلة سواء كان المتضرر هو الذي قدم الشكاية أم تمت المتابعة من طرف النيابة العامة، وعليه كيف يمكن للقضاء أن يعدل في واقعة البغاء بين مرتكبها زوجا أوعازبا أو بمعنى أدق غير متزوج، فالمشرع يعطي رخصة للمتزوج كي يعيث في الأرض فسادا خاصة إذا كان مدللا من طرف الزوج الآخر، ولاحق للقضاء في أن يضع يده على النازلة إلا بموافقة المجني عليه، وكأن الفعل الجرمي لم يمس المجتمع في شيء. وفي اتجاه آخر نص الفصل 4 من ظهير 27 أبريل 1919 بشأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها على أن مقررات جمعية المندوبين الخاصة بتقسيم الانتفاع لايمكن الطعن فيها إلا أمام مجلس الوصاية الذي ترجع إليه القسمة من طرف المعنيين بالأمر أنفسهم أو من لدن السلطة المحلية. وينظر المجلس كذلك في جميع الصعوبات المتعلقة بالتقسيم. يستشف من هذه الفقرة أن المشرع غل يد القضاء للنظر في دعاوى تقسيم الانتفاع بين أعضاء الجماعة السلالية ، حيث ألزمه بالتصريح بعدم الاختصاص في كل دعاوى من هذا القبيل ، وذلك ضدا على الدستور الذي جعل القضاء هو المختص باصدار الأحكام والبت في النزاعات الفردية والجماعية. وصفوة القول إن استقلال القضاء يتطلب بالضرورة أن تعي كل مكونات وزارة العدل من مؤسسة للكتابة العامة إلى المديرين المركزيين بأنهم يمثلون الحكومة كجزء من السلطة التنفيذية ولايشفع لهم أنهم قضاة، لأن مراكزهم تنفيذية وليست قضائية، ثم إن القاضي لا يمكن أن يكون مستقلا عن السلطة التشريعية لأنه ينطق بالقوانين التي تصدر عنها من تم فإنه ينبغي تزويد القضاة بنصوص قانونية واضحة مقروءة غير مُنافية للدستور، كما أنه يتعين كذلك عدم تدخل السلطة التشريعية في مجال القضاء كما هو الشأن في جملة من النصوص القانونية كتلك المنظمة للتعويض عن حوادث السير أوحوادث الشغل حيث يتولى المشرع تحديد طرق احتساب للتعويض عوضا عن القضاة ثم إنه من غير المستساغ في ظل دولة القانون، سلب القضاء بعض الاختصاصات ومنحها لجهات أخرى كما هو الشأن بالنسبة للفصل 4 من ظهير 27 أبريل 1919 السالف الذكر، وكذلك المادة 680 من القانون رقم 90.12 المتعلق بالتعمير الصادر بتنفيذه ظهير 17 يونيو 1992 الذي يخول لعامل الإقليم أو العمالة الحق في الأمر بهدم جميع أو بعض البناء المخالف للضوابط القانونية، حتى في غياب أي حكم قضائي، والحال أن الهدم عقوبة لاينطق بها إلا القضاء بينما يتكلف العامل باعتباره ممثلا للحكومة في الاقليم بتنفيذها. إن المشرع مدعو إلى التدخل من أجل تعديل كل النصوص القانونية المخالفة للدستور والمعاهدات الدولية في أفق ترسيخ دولة القانون. ولن تكون هناك أي جدوى من اصلاح القضاء مع وجود نصوص تشريعية متهالكة وغير منسجمة وفي بعض الأحيان غامضة وتشجع على تضارب الأحكام القضائية وتأويل النصوص القانونية حتى داخل نفس المحاكم. هوامش: 1- راجع استجواب الأستاذ الحاتمي رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء، منشور بجريدة »المساء« يوم 27 غشت 2009، بالصفحة 22. 2 -راجع كذلك الفصل 59 من الدستور الذي ينص على أن الحكومة تتألف من الوزير الأول والوزراء.