الذكرى ال26 لوفاة الحسن الثاني .. مناسبة لاستحضار المسار المتفرد لموحد المغرب        الأمن يوقف صاحب مجموعة نوادي رياضية بسبب الشيكات والكوكايين    الكاتب عبده حقي يدشن الدخول الثقافي بكتابين جديدين    البيجيدي يعلن تصديه لخصوم الصحراء ومواجهة كل المناورات والحملات المغرضة التي يحركونها    شقيقة زعيم كوريا الشمالية تدق طبول الحرب وتحذر من "كارثة مروعة"    طهران: العقوبات الأميركية "غير مبررة".    تسجيل هزة أرضية خفيفة بإقليم الحسيمة    الحرب على مصانع "الماحيا" السرية تصل إلى تارودانت    شاب ينهي حياة والده بطريقة بشعة ضواحي إنزكان    هذه قيمة مساهمة جماعة أكادير في تأهيل وتحديث مستشفى الحسن الثاني    إصابة 20 شخصا في حادث تصادم قطارين بصعيد مصر    بلغت قيمتها 2.75 مليار دولار.. المغرب يتبوأ المركز 52 في تصنيف العلامات التجارية العالمية    مجلس جهة سوس ماسة يوافق على الاقتراض من جديد.. ومراقبون يتخوفون من تراكم المديونية    الحليمي: ارتفاع الأسعار سيصبح هيكليا.. والتضخم محلي وليس مستوردا.. وعلينا قول الحقيقة للرأي العام    مغربيتان تتوجان بجائزة أفضل قارئ عربي في مسابقة "إقرأ" بالسعودية    الناظور تعيش على إيقاع "خطوات النصر النسائية" في دورتها الثانية    المنتخب المغربي يفوز على منتخب إفريقيا الوسطى            استجابة للخطاب الملكي.. "البذل السوداء" يشكلون لجنة للدفاع عن الوحدة الترابية    الحسن الثاني .. "مؤثر" من زمن آخر يفرض حضوره بمنصات افتراضية لم يعاصرها    غوتيريش: الكوارث تتفاقم جراء أزمة المناخ والأطفال أكبر ضحاياها    ندوة بالقصر الكبير ترصد رهانات مشروع تعديل قانون المسطرة المدنية    مجلس الأمن الدولي يشرع في مشاوراته تمهيدا لتمديد عهدة بعثة المينورسو :    الترحيل القسري من الحاضر إلى المستقبل    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    ختان جماعي في شفشاون يتحول لمأساة بعد إصابة 5 أطفال بتعفنات خطيرة    المغرب يشارك في اجتماع اللجنة العربية للإعلام الإلكتروني بالقاهرة    القضاء الفرنسي يحقق مع مواطن أفغاني متورط في مخطط إرهابي    13 مصنعا صينيا في قائمة "المنارات الصناعية" الحديثة للمنتدى الاقتصادي العالمي    دوري الأمم الأوروبية.. اسبانيا تنتزع الصدارة بفوز بشق الأنفس على الدنمارك    تقرير بريطاني.. المغرب يتصدر قائمة أفضل 5 دول في تحسين مناخ الأعمال    حزب الله يحبط محاولتي تسلل لقوات الاحتلال الإسرائيلي    الركراكي بين الإنجازات القوية والأداء الباهت    بهذه الطريقة صقع المنتخب المغربي إفريقيا الوسطى    العثور على بقايا قد تكون لمتسلق جبال شهير فُقد في إيفرست قبل 100 عام    مدرب إفريقيا الوسطى: "لاعبون خذلوني"    العيسى: إقرار "بناء الجسور" نقلة مهمّة    فوز المغربيتين مريم بوعود وفاطمة الكتاني بجوائز مرموقة في مسابقة "أقرأ" بالسعودية    انتعاش حركة النقل الجوي خلال السنة الجارية لمطار الناظور-العروي    فيلم "صحاري سلم وسعى" يتوج بالبنين    أداء أسبوعي خاسر ببورصة البيضاء    منصة إماراتية للفرجة تعرض المسلسل المغربي "حياة خاصة"    "البيضة ام الدجاجة اولا؟" .. علماء يحسمون الحدل أخيرا!    الرباط.. إجراء أول عملية لتجميد المبيض بالمغرب    بعد انخفاضها ببضع سنتيمات .. اسعار وقود السيارات ترتفع بأزيد من درهم    قيمة تسويق المنتجات البحرية بموانئ المتوسط ترتفع إلى نحو 562 مليون درهم    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    المغرب يسجل إصابتين جديدتين ب"كورونا"    بروفايل l التصدي ل "هشاشة الحياة البشرية" يمنح "هان كانغ" جائزة "نوبل" للآداب    أخطاء كنجهلوها.. ميزات نظام مثبت السرعة (فيديو)    مرضى داء السل يشكون انقطاع الدواء وبروفيسور ل" رسالة 24 ": وزارة الصحة تتحمل المسؤولية الكاملة    وأْدٌ ضيَّع الورْد !    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الترحيل القسري من الحاضر إلى المستقبل
نشر في العلم يوم 13 - 10 - 2024

قد يكون أحسن هروب من الحاضر هو الاحتماء في التطلع إلى المستقبل، بعدما وصل العجز إلى مداه في معالجة الأسباب التي مكنت ظروف وشروط الحاضر من أن تكون سائدة، وفي التصدي إلى الجهات والأطراف المسؤولة عما يواجهه الحاضر من تحديات وصعوبات. وهكذا حينما تدرك المؤسسات والمنظمات الدولية، بما تمثله من شرعية دولية وعدالة كونية، أنها لم تعد قادرة على مواجهة ما يعيشه الحاضر، وأن يدها قصيرة في إعمال الشرعية الدولية لوضع حد بشكل حاسم ونهائي لجميع الممارسات التي تمثل انتهاكات جسيمة وخطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة، باعتراف مسؤوليها، وأنها أضحت مجرد هيكل بدون روح، لأن هناك أطرافا تتعمد احتقارها باقتراف ما تقترفه من ممارسات، رغم المطالبات والمناشدات، بل واتخاذ قرارات قانونية وقضائية والتلويح بتدابير زاجرة. فإن وسيلة التهرب الوحيدة من تفعيل مبدأ تحمل المسؤولية، وترتيب النتائج عن إقرار حالة العجز والفشل، هي الاحتماء في التطلع إلى المستقبل الذي يتم تحميله مسؤولية ما يحدث ويجري ويفتعل في الحاضر، من خلال تكليفه بمهمة إنجاز التغيير وإصلاح أعطاب الحاضر ومعالجة الأسباب التي أفرزت ما يعيشه الحاضر وتطهيره من الاختلالات.
ويتجلى منسوب العجز وتهريب مسؤولية الحاضر إلى المستقبل في طبيعة المهام المنوطة بالمستقبل وحجم التطلعات المعبر عنها والآمال المعقودة عليه. وهكذا قد تتحمل مجرد أوراق بيضاء خطت عليها عبارات إنشائية مسؤولية (تغيير مسار البشرية) و(تعزيز النظام متعدد الأطراف لمواكبة عالم متغير، وحماية حاجات ومصالح الأجيال الحالية والمستقبلية المهددة بأزمات متواصلة). وقد تتزين صفحات هذه الأوراق ب56 إجراء في قضايا تهم التعددية واحترام ميثاق الأمم المتحدة والحفاظ على السلام العالمي وإصلاح المؤسسات المالية الدولية ومجلس الأمن الدولي ومكافحة تغير المناخ ونزع السلاح وتطوير الذكاء الاصطناعي. بما يكشف بوضوح كامل، أن تهريب تحديات الحاضر إلى المستقبل انتهزت فرصة لتفريغ ركام هائل جدا من الإحباطات المترتبة عن الواقع المعيش في الحاضر وإلقائها على كاهل المستقبل.
طبعا لهذا التهريب الاضطراري رعاته ومناصروه الذين يجتهدون ويكدون في توفير الظروف المناسبة له، ومحاولة فرض أجواء اقتناع وارتياح لهذا الإنجاز الذي يمكن الأمل من الاستمرار في الوجود، ويبرر ما يواجهه الحاضر من تحديات كبيرة وخطيرة، وبالتالي التعتيم على كل ذلك بترحيل الآمال والتطلعات إلى المستقبل. وهكذا من الطبيعي أن ترتفع أصوات موازاة مع ما حدث، ترى أنه رغم الانتقادات فإن ما تم تحقيقه يشكل فرصة لتأكيد الالتزام الجماعي بالتعددية رغم الإطار الجيوسياسي الحالي الصعب.
طبعا، يجري الحديث عن المستقبل دون تحديد إطاره الزمني، بين البعيد والمتوسط والقريب، وتغييب الموعد الدقيق الذي ينتهي فيه الحاضر ويبدأ فيه المستقبل، وأن ذلك يكشف عن حالة اضطرارية تم اللجوء إليها للتغطية عن الفشل في مواجهة الحقيقة السائدة في الحاضر، وقد يكون السبب أخطر بأن يتعلق الأمر بمحاولة إلهاء الرأي العام العالمي عما يعيشه الحاضر من اختلالات فظيعة جدا في بنيته، ومن انعدام التكافؤ بين الفاعلين فيه، ومن سيادة مظاهر الظلم وجو القلق التي أفضت إلى وضعية اللايقين التي تكاد تكون غير مسبوقة في تاريخ البشرية جمعاء.
ومن عمق هذه الانشغالات تتناسل أسئلة عميقة ومحرجة من قبيل، كيف يمكن الحديث عن القدرة على تحقيق التغيير في المستقبل بنفس العوامل التي أنتجت مضامين الحاضر، ولا تزال تتسم بنفس المواصفات التي أفرزت ما يقع الرهان حاليا على تغييره في المستقبل. بل كثير من الملفات الثقيلة والقضايا الساخنة والصراعات الملتهبة، التي عمرت طويلا في حاضر تمتد جذوره في أعماق الماضي جايلت عصورا وأزمنة، وانتقلت بين أكثر من ماض وحاضر ومستقبل وزادت حدتها وتفاقمت تداعياتها بما قلص من مساحات الآمال في التغيير بشكل كبير ومذهل، مما تسبب في سيادة الشعور العام باليأس والإحباط وفقدان الثقة في المؤسسات وفي القوانين وفي الخطابات.
فكيف لحاضر فشل في وقف حرب إبادة ضد مدنيين تقترفها قوات احتلال، وانتفض العالم بأسره، بمنظماته الأممية والقضائية والحقوقية ضد ما يحدث، أن ينجح حينما يتحول إلى مستقبل في فرض السلام والعدل و...؟ وكيف لحاضر لم يدخر جهدا من الناحية الشكلية، في مواجهة ظاهرة التغير المناخي، التي تشكل تهديدا حقيقيا لمصير حياة جميع الكائنات فوق الأرض، وعقد في سبيل ذلك قمما دولية ووقعت خلاله اتفاقيات عالمية وتعهدت فيه الدول العظمى بتنفيذ التزامات مالية، وصرفت في سبيل ذلك أموالا طائلة، أن يتفوق في ذلك حينما يصير مستقبلا بنفس الشروط والأسباب التي مكنت أزمة التغير المناخي من أن تزيد استفحالاً وخطورة؟ وكيف لحاضر اختلت خلاله موازين العدالة الاجتماعية الدولية، بأن استحوذت فئة ميسورة قليلة على مصادر الثراء العالمي على حساب ملايير الأشخاص، وبأن أطلق العنان للمجاعة التي تزداد تفاقما لتطال أعدادا غفيرة من سكان هذا الحاضر، أن يفلح في تصحيح هذه الاختلالات حينما يصير مستقبلا بنفس الآليات والمواصفات التي أنتجت اختلالات البنية الاجتماعية حاليا؟
قد تكون مجرد هنيهة لغو آخر تمثل لحظة وهم جديدة تتيح من جهة، لمظاهر الحاضر الاستمرار في الوجود والسيادة بكل ثقة واطمئنان، ومن جهة ثانية تفرض حالة إلهاء لتتمكن ظروف وشروط الحاضر من الامتداد في المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.