افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 18 أبريل 2024 مُسَيَّراتُ إيران التي تصل أو لا تصل بتعويذة أو نفخ من الشّيطان، تشبه بعض البعوض البشري، وما أكثر تحليقه الملغوم بين ظهرانينا هذه الأيام، بل إن هذا البعوض البشري، أشد سوريالية من وهْم مُسيّرات تُباع في الأسواق إلى جانب مبيد الحشرات، إنّها حقا مُسيّرات وهل هذا وقت المزاح بعد أن أصبحت كل الأنفس مُضرَّجة بالجراح، ولكنّها إذا انفجرت فَمِن الضحك، أما إذا خيَّمت بالدخان للتمويه أو على سبيل التشويه فَمِنْ دُبُرها، يا للحرب ما أقذرها تتكالب وتتذاءب لتصفية البريء الأعزل من كل الجهات، وتُلْهي العالم بمُسيَّرات كالتي لا تتجاوز شاشة سينمائية لِتُحْدِث الفرْق بين الواقع والخيال، انتظروا.. قريبا ستُمزِّق المُسيَّرات قُماشة الشّاشة، كأنّي أسمع انفجارها في جمهور يقشِّر عليه البطل ما تيسَّر من بصل ! الجميع يعْلم أنّ المُسيَّرات تطير كمكانس الشَّمْطاوات السّاحرات، مُحمَّلة بصواريخ تحت سيطرة ربابنة جُبناء يقصفون عن بعد، لكن أخْطرها المُسيَّرات التي تعيش بيننا تنتظر إشارة للطَّعْن في الظَّهْر، لا تملك إرادة تقرير المصير، وكل ما يصدر عن غبائها الإصطناعي أو الطبيعي سيّان، هو موصولٌ بأزرار تخْضع لأصابع الأشرار! أمّا أخْطر المُسيَّرات فبشرٌ تُسيِّره المصلحة الشّخصية ويتوارى دائما خلف أكباش الفداء، اليوم معك وغدا ضدك إذا حَبْل النَّقْد المسكوك انقطع، لا يأتي ما يأتي من عطب في المجتمع إلا تحت الطلب المدفوع الثمن باهظاً، ويكفي أن تُبَرْمج تفكيره غير المُخَيَّر على الهدف، لتجده بِسُرعة آلاف الدراهم يخترق الأجواء، ولا يعود إلى قاعدته سالما، إلا مُحَمَّلا بأتْعس الأنباء متباهياً بما غنمه من أشلاء! لِنقُل إن المُجتمع غدَا أشبه بمصنع حربي، والمُسيَّرات من البشر، قد تكون رجلا أو امرأة أو حتى طفلا، قد تكون حماراً وحْشيا أو مُدجّناً يُمْكن التّفاوض مع ذكائه لتوصيل الألغام بالمجان، مُسيَّراتنا لِمنْ يريد أن يتنزّه فقط دون أن يشْتري، من جميع الأحجام مع تفاوت ملحوظ في الأدوار والخطورة، منها المُتجسِّسة ومنها المُدلِّسة، منها المُتسلِّقة ومنها المُتملِّقة، منها المُرْتشية ومنها المُهرِّبة لأموال العِباد خارج البلاد، منها الظاهرة بأزيز يَصُمُّ الآذان ومنها المُسْتتِرة تُباغِتك كالقَدَر المُسَلَّطِ سُبحان العزيز ! وأفظع المُسيَّرات تلك التي تحْمل الأسْفار وهي لا تفْقه من العِلْم إلا ما يُحْشَد في الأرصدة من أصفار، أولئك الذين باعوا الضمير نظير أبخس الجوائز الأدبية أو الفكرية، وقد اتّضح الآن أنّ الدول التي تجزي العطاء للمثقفين بدون حساب، تُعْتَبر من المُسيّرات أيْضاً، وإنّما تسْعى كلّما أزفت النّكسة أو النّكبة، لإخراس الألسنة بالصّمت الذي يَخْدم أجَنْدة العدو في هدوء لا يُنغِّصه وعي شقيٌّ يؤلِّب الشُّعوب، ولكن هيهات فقد انقلب الشَّر على الشرير وأصبح عنواناً للكراهية في شوارع العالم، وهل بقي ثمة عقل صغير أو كبير يحتاج لِمُثقف يُعلِّمه الأبْجديات الأولى للنِّضال، انظروا للشارع في أرجاء المعمور، لقد استطاع أن يُوجِّه وعيه نحو الطريق الصحيح من تلقاء نفسه مُلبِّيا نداء الإنسانية، ممّا يضرب عرض الحائط أو طولِه فكرة أنّ الشعوب مُجرّد قطيع، فيا لفضيحة ذلك المُثقف وهو يقف مبهوتاً أمام ضميره الرّخيص، فاقداً لكل مِصْداقية وشَرَف!