من بداهات العصر الرقمي الذي نعيشه، أننا نجزي ردحا معتبرا من أعمارنا في غياهب العالم الافتراضي.. لكن غير البديهي صراحة، هو الأرقام الصادمة التي يقدمها الباحثون حول هذا الواقع البديل المتفاقم. يمكن في هذا الصدد، استحضار نموذج لأرقام تختصر الكلام، قدمها أخيرا المدير العام لمنظمة الإيسيسكو، سالم المالك، منها أن 4.4 مليارات شخص يمثلون 64.6 في المائة من سكان العالم يتبادلون الأخبار والأفكار عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وأن 15 في المائة من وقت حياة اليقظة يمضيه الإنسان حاليا على شاشات التواصل الشبكي، بواقع 10 مليارات ساعة يوميا، أي ما يعادل مليونا ومائتي ألف سنة من عمر الوجود البشري في اليوم الواحد.. وتعظم الأرقام فتصل وفق المصدر ذاته، إلى تريليون رسالة نصية ذات بعد إعلامي وإشهاري تم تسجيلها سنة 2023. ومن ذلك أيضا، أن أكثر من 10 شبكات على وسائل التواصل المختلفة هو متوسط ما يستخدمه الفرد العادي، وأن 91 في المائة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يصلون إليها عبر هواتفهم النقالة. هذا الواقع الذي قد يراه كثيرون عاديا جدا، يدفع الخبراء والباحثين في المقابل، إلى الاجتهاد في طرح تصورات ورؤى استراتيجية، غايتها تمكين جميع فئات المجتمع ولا سيما الشباب، من تملك تفكير نقدي، وامتلاك أدوات تحليلية، قمينة بجعلهم يفرقون بين الغث والسمين مما تمطرهم به وسائل الإعلام والتواصل الشبكي الجديد. ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن الطفرة الاتصالية التي يشهدها العالم الافتراضي، والثورة التكنولوجية في المجال الإعلامي، لا ينبغي وفق باحثين، أن تكون وسيلة لانتهاك خصوصيات الأفراد، والترويج للأخبار الزائفة.. بل العمل على جعلها تسهم في تعزيز الأمن الفكري، وتمكن من توظيف وسائل الإعلام بطريقة إيجابية، وتستحضر الأخلاقيات، وتستفيد من الذكاء الاصطناعي في إنتاج مضامين إعلامية مسؤولة.