الباب الباب من خشب العرعار، مغلق ، أخضر، باهت ، وفي مواسم الصيف يظل فاغرا فمه حتى في الليل، لأن خالتي لا تتحمل الصهد ، وأحيانا يكاد يخنقها غشت.أما أنا... فكان ينام فوق العتبة ، ونفس الحلم يتكرر: ( أدخل من باب قديم ، ما يشبه الممرات ، ثم نفس الباب ، ونفس الرقم ، نسيت أن الباب من خشب باهت وأخضر، وفي فصل الشتاء ، يحرص أبي على إغلاقه بمفتاح صدئ على مقاس ذراعي الصغير ، خوفا من الشفارة ) الخابية خالتي تقول لأمي في الشتاء : - « الماء سمين « وفي غشت ، تغير رأيها ، تسكن قريبا من الخابية ، وتحلم بالثلج ، والبجع، والمطر، والأدوية الشعبية ، وفي نهاية كل حلم ، كان جدي يمشي في نفس الممرات ، يدخل نفس الباب ، نفس الرقم ، ونفس الفرشاة . أما أنا... ) فحين يقبل ليل الشتاء ، أ شعل لخالتي الفانوس ، أ تربع أمامها ، فتحكي عن جدي الذي كان يعشق الصباغة والعيطة الحوزية ، وحين أتعب من ألوان الحكاية ، أنام في أقصى هذه الغرفة الطينية والباردة ، أحلم بجزيرة من الإيقاع والتناغم ، وقد أستيقظ ، كي أسترق السمع للمطر، وأتلذذ بضوء الفانوس يعبث به برد الشتاء ( بيت النعاس في بيت النعاس، سرير خشبي متهالك،عليه ماعليه من غطاء قديم ،وسادتان وثمة طاقية ، صندوق ملابس، جسدان يختفيان تحت الغطاء، ومشهد غريب بين آدم وحواء، لم أتمكن من معرفة تفاصيله الأخرى ، لكن خالتي لخصتها قائلة: - عفريت زرق أنت ) قد تستغربون إذا قلت لكم: أنه بعد يومين ، اختفيت من بيت النعاس ، ونمت مع خالتي وإخوتي في غرفة فقيرة ، بعدما كنت أنام دافئا بين حواء وآدم ، في السرير الخشبي المتهالك، وأسمع ما يشبه خريرا لزجا .( الكشينة كنت نائما ، واستيقظت لأرى أشعة الشمس مسلطة على وجهي مباشرة ، كانت أختي نائمة هي الأخرى ، وحين فتحت عينيها لم تجدني ، كنت جالسا فوق دكة جوار الباب ، أتأمل صباح الحارة، وأحيانا أحرك رأسي يمينا وشمالا . يبدو أن كلبا يقترب من الدكة ، خفت ، وبحركاتي التي انفعلت ، انحنيت ، التقطت حجرة ، ثم رميتها بقوة لتصيب الكلب ، نبح ، تجهمت أنيابه ، هربت ، تبعني ، وفي الكشينة ، نشب كل فمه في فخذي العاري والصغير ، ثم نظر كلانا إلى الآخر، ولأني لست مثله ، خرج هو من الباب ، دخلت أنا الكشينة ، كي أضمد العضة بطحين الفلفل الحلو المرحاض بعد ربع ساعة من الزمن، يصل أبي إلى الخلاء ومضت أمي لا أعرف إلى أين ؟ أما أنا ، فكنت أبتعد عن الطريق فقط البئر كانت دارنا دوما عامرة، تعج بأصوات الجيران، الماء يمشي على الأرض، يقف، يتجمع في دوائر ولا يتعفن، والدلو فقد أذنه اليمنى . تؤوب عمتي من فيلا النصارى ، تحمل لنا خبزا أبيض ، سمكا مقليا ، ولعبا تجنن ، وحين ترى الدلو بأذن واحد ، تغلق فم البئر، وتسب الجيران بكلام عار ، تتدخل جدتي : - « نهاك الله آبنيتي « تحتسي جدتي نفس الكلام ، تغضب ، وتغلق عليها غرفتها القديمة ، ولا تفتحها عمتي إلا صباح يوم العيد، تبوس قنة جدتي ، وحينها يفتح البئر فمه ، ويشتري عمي دلوا جديدا بأذنين كبيرتين كالحمار. قبة الضريح قبة الضريح بلقاء وفوقها جامور أخضر ينتصب بلا حياء ، الصحراوي يسهو ويحلم بالجامور، عمتي تسهو وتحلم بالقبة . تهمس جدتي لجارتها : ( بنتي سخونة، وذنوبها على زنقة نجمة واحدة ) قبة الضريح باردة ، وقنة عمتي باردة بالحناء ، يبدو أنها حائض ، ورغم رائحتها النتنة ،يداعب الفقيه الصحراوي شموع الزوار بأصابعه السمراء ، تبتسم عمتي ، وبعد الغروب يلعبان الغميضة في القبة ، وأبقى أنا قريبا من صندوق الولي الطاهر والمدكوك بالشموع ، أمص حلوى الساعة ، وأضرسها . وحين يجن الليل، أكاد أقلع (قزيبتي)، تحشوها أمي بقطعة صابون، تبرد ، وأنام كي أحلم بالصحراء وبالناقة والجمل، والفقيه الصحراوي الذي لعب مع عمتي . الشفارة الليل أعمى ، أمي نائمة تحلم بأبي ، أبي خارج البيت ، أنا وأختي شبه مندغمين خوفا من ( ماما غولة )، ثم ننام بفعل إيقاع الصراصير. في الصباح ، أفتح عيني بصعوبة على صراخ أمي تضرب فخديها ، الباب تكسرت ضلوعه ، الخابية تهشمت ، بيت النعاس أبيض وحاف من الأفرشة ، البئر فاغر فاه مندهشا ، الصحراوي وعمتي يتفرجان . ( شاخت أمي ، ابيضت عيناها من البكاء ، مات الصحراوي بسرطان في جهازه التناسلي، توقف قلب عمتي وفي يدها اليمنى باقة نعناع ، ثم عاد أبي من سفره ذات مساء مشلولا فوق عربة كهربائية )