الدخول إلى ميناء طنجة يمر عبر ثلاث بوابات. الباب الأول الكبير عليه حارس أمن لا يكاد يسألك إلى أين أنت متوجه، بحيث يمكنك أن تتوجه إلى المنطقة الصناعية الحرة أو إلى مطعم للسمك، أو حتى للتسكع. والباب الثاني أمامه عنصرا أمن يسألك أحدهما إلى أين أنت ذاهب ويمكن أن يعيدك من حيث أتيت إذا لم يكن لديك سبب مقنع للدخول. والحاجز الثالث عليه رجلا أمن يصفيان ما تبقى من الداخلين لأنه لا يفصل بينه وبين منطقة وصول ومغادرة المسافرين إلا بضعة أمتار. لكن رغم هذه التصفية فإن منطقة المسافرين فيها الكثير من الناس الذين لا أحد يعرف ماذا يفعلون هناك بالضبط. لكن الميناء يبدو أقل ازدحاما مما كان عليه في السابق. قبالة مركز الأمن في الميناء حديقة جميلة وفيها مدفع قديم وفي فوهته وضع أحد العابرين قارورة فارغة للمياه المعدنية. حتى تلك القارورة البلاستيكية لا يستطيع المدفع المتقاعد إطلاقها. قرب الكوميسارية قيادة الميناء، وقبالتهما مستودع شاحنات النقل الدولي، وهو مستودع أحيط بسور من أجل منع الحرّاكة من التسلل إلى الشاحنات بسهولة كما كان يحدث في السابق. رغم الحواجز الأمنية الثلاثة، فإن الوصول إلى محطة السفر ممكن بقليل من التصنع، أي أن تبدو واثقا من نفسك وتمشي بخطى غليظة. السور المحيط بالميناء من جهة البحر وضعت عليه دوائر إسمنتية مستديرة لمنع المتسللين إلى الميناء الذين يختفون في أحشاء الشاحنات أو يسبحون سرا نحو البواخر. في الماضي كان عشرات الأطفال والشباب يجلسون على سور الميناء ويمارسون لعبة القط والفار مع الأمن. وهناك قضى شرطي شاب نحبه بعد أن سقط من فوق السور حين كان يقوم بطرد المتسللين من فوق السور. أحيانا يصعد المتسللون إلى ذلك السور ويرشقون مصالح الميناء بالحجارة. السور كان أيضا مقصدا مفضلا لكثير من هواة الصيد بالقصبة، لكنهم اضطروا إلى البحث عن مكان آخر. كما أن عملية إنشاء محطة لمعالجة المياه في المنطقة وإنشاء طريق جانبي ستربط مستقبلا الميناء بضواحي المدينة عجلت بطرد السمك من المنطقة. رعب الباطيرا مستمر على الرغم من أن عملية العبور، أي عملية عودة مئات الآلاف من المهاجرين المغاربة من أوروبا دخلت أسبوعها الثالث حاليا، إلا أن الحركة تبدو باهتة. أرصفة الميناء تبدو شبه فارغة. في حوالي الواحدة ظهرا كانت سيارات قليلة تنتظر العبور وأفراد الجمارك في شبه راحة. قرب المحطة مقهى فيها زبناء من رجال ونساء أغلبهم سيسافرون نحو الضفة الأخرى لمضيق جبل طارق. شباب نحيلون يجلسون وقربهم حقائبهم الغليظة ينتظرون موعد السفر. كثير منهم يبدون بملامح تشي بأنهم عانوا طويلا قبل أن يصلوا أوروبا، ورغم أنهم عادوا منها بأوراقهم الرسمية وملابس جديدة، إلا أن ملامح الفزع مازالت مرسومة على وجوههم وكأن الباخرة التي سيركبونها بعد قليل هي عبارة عن باطيرا أخرى مثل تلك التي ركبوها أول مرة. لا أحد ينسى معاناته الأولى. فجأة يعلو صوت امرأة عبر مكبر الصوت يعلن عن وصول باخرة «المنصور» على الرصيف الثاني من الميناء. صوت المرأة رخيم أكثر من اللازم، ويبدو أنها استيقظت من النوم للتو أو أنها تمارس دور إغراء عبر الهاتف. في الطابق العلوي من المحطة، حيث يسافر الذين لا يتوفرون على سيارة، يوجد بضعة أشخاص وهم يتكئون على سور قصير وينظرون إلى باخرة كبيرة ترسو على الرصيف الثاني. أغلب هؤلاء تبدو عليهم ملامح البداوة وجاؤوا من مناطق بعيدة. ينظرون إلى السفينة باستغراب وكأنها صحن فضائي جاءت من كوكب آخر. لو قدر لهم يوما أن يسافروا على ظهرها لاعتبروا ذلك منتهى الأمل وأقصى الحلم وغاية المنى. في داخل المحطة رجل بنظارات سوداء يجلس على كرسي من الكراسي المخصصة لأفراد الجمارك. الرجل بملابس مدنية وينام جالسا وكأنه لم يعرف النوم لأسبوع. عدد من المسافرين الذين نزلوا من الباخرة بدؤوا يتوجهون راجلين نحو محطة المراقبة الجمركية، وأصحاب السيارات بدورهم توجهوا نحو النقطة الجمركية المخصصة لهم. الرجل النائم أيقظه جمركي سمين لأن المسافرين بدؤوا بالوصول فضغط الرجل على زر يبدو أنه لآلة السكانير التي تفحص محتوى الحقائب. جاءت جمركية أخرى أقل بدانة بقليل من الجمركي الآخر وبدأت عملية استقبال المسافرين. هناك مسافرون يمرون من دون متاعب كبيرة لأنهم يحملون أمتعة قليلة، وهناك آخرون يمرون عبر تفتيش روتيني. الأجانب الذين يمرون عبر الجمارك يبدو عليهم القليل من الخوف والارتباك رغم أنهم لا يحملون أية ممنوعات. الذين يصلون أول مرة إلى هذا البلد يعتقدون أنه بلد خطير والجمارك فيه يصفعون الناس، لكن ذلك غير صحيح، كل ما يفعله أفراد الجمارك في المغرب هو أنهم يضعون أصبعهم على لسانهم لأخذ قليل من البصاق لأن ذلك يسهّل عملية تقليب صفحات الباسبور، وهناك أشياء أخرى يجب ترصدها عبر مزيد من الوقت. آرا شي أورو دخلت مسافرة إسبانية يتبعها حمالون يجرون صناديق كارتونية كثيرة، حوالي 20 صندوقا. فوجئ الجمركي السمين والجمركية التي تشبهه بذلك وبدأت عملية سؤال وجواب. كانت المرأة على وشك أن تمر وأشارت إلى راهبتين هنديتين أو سريلانكيتين أو تايلانديتين، والله أعلم، كانتا في الخارج وطلبت منهما الالتحاق بها. مع الراهبتين امرأة مسلمة محجبة وضئيلة البنية. الراهبتان، اللتان تحملان صليبا على الجهة اليسرى من الكتف، هرولتا بسعادة للمساعدة في حمل الصناديق، لكن الجمارك تمنعوا رغم أن المرأة سلمت لهم ورقة يبدو أنها تصريح بإدخال تلك الصناديق التي جاءت من مدينة خيريث بجنوب إسبانيا، وتحوي ملابس وأثاثا وأشياء أخرى. الجمركية، التي يبدو أنها في حاجة إلى رجيم، مثل زميلها طبعا، بدأت تتناقش بنوع من الحدة مع المرأة المسلمة التي كانت ترافق الراهبتين. بقي الوضع على ما هو عليه. جاءت مجموعة من السياح الإسبان تتقدمهم امرأة شابة ومكتنزة يتلاعب الريح بفستانها القصير فتمسك به مخافة أن يعتقد البعض أن مارلين مونرو عادت إلى الحياة. تجمع مرشدون سياحيون حول المجموعة. هناك مرشدون من كل الأعمار والألوان. بعضهم يرتدون ملابس تقليدية وآخرون لا يهمهم ما يلبسون. بعض السياح يبدون منزعجين جدا ويهرولون بعيدين. سائح أجنبي في الستين أمسك بزوجته وكأنه يخاف أن يختطفها أحد. في كل الأحوال لا أحد يعتقد أنها تستحق الاختطاف. خلال الأسابيع الماضية خاض المرشدون السياحيون حملة شرسة بعد أن تم منعهم من طرف مسؤولي الميناء من ولوج محطة وصول المسافرين. بعد احتجاجات قوية عاد الوضع إلى ما هو عليه. في النقطة الجمركية الأخرى المخصصة لأصحاب السيارات، كانت السيارات تمر من دون إجراءات تفتيش معقدة. وفي كل الأحول فإنها كانت سيارات قليلة ولا تحمل أمتعة كثيرة. أغرب ما في هذا الحاجز الجمركي، المعروف برصيف 4.80، هو وجود شخص بملابس بئيسة يتحرك قرب أفراد الأمن ويمارس مهمة على درجة كبيرة من الخطورة والأهمية. إنه يتسول. أما طريقته فهي سهلة، يتظاهر بأنه يرشد المغاربة القادمين من الخارج نحو طريق الخروج من الميناء، مع أن الطريق واضح، ثم يطلب بورفوار أو أي شيء، أورو أو خمسة أو عشرة. يشير بطريقة فيها الكثير من الاحتيال إلى السيارات وكأنه يرشد السائقين نحو الطريق، لكنه يأمرهم بالتوقف، ويقول «سير من هنا»، ثم يضيف «آرا من تمّا شي أورو أخويا». إنها واحدة من الطرق العجائبية في استقبال عمالنا بالخارج. ذلك الرجل يبدو على وفاق تام مع أفراد الأمن ويتبادل معهم الحديث والمشورة، ولا أحد يعرف من أتى به إلى الميناء لكي يتسول بهذه الطريقة. كان من الممكن أن يتسول في مكان آخر. بين الفينة والأخرى يدخل الرجل يده في جيب سرواله ويعد كم حصل عليه من مال. إذا كان من الضروري إرشاد المهاجرين المغاربة نحو الطريق السليم، فإن ذلك كان يجب أن يتم عبر نصب الكثير من علامات الإرشاد خارج الميناء، لأن الكثير من القادمين يتيهون بسياراتهم بمجرد أن يغادروا البوابة الكبرى. ويقول أحد أفراد شرطة المرور في المدينة إن عشرات السيارات لمهاجرين مغاربة بالخارج تتيه كل يوم عندما تخرج من ميناء طنجة حيث تتوجه إلى وسط المدينة عوض التوجه إلى طريق أصيلة الذي يربط بالطريق السيار. وحسب نفس المصادر، فإن أزيد من 50 سيارة تتيه في اليوم الواحد بسبب افتقار الشوارع القريبة من الميناء إلى إشارات مرور وتشوير تنبّه السائقين إلى الطريق السيار. وتتوجه عشرات السيارات مباشرة من الميناء إلى منطقة البوليبار وساحة مسجد محمد الخامس وشوارع أخرى، مما يجعل ركابها يضيّعون الكثير من الوقت بحثا عن طريق الرباط المرتبط بالطريق السيار. علامات الغضب تبدو على عدد من المهاجرين الذين يظهرون تائهين في المدينة، بينما شوهد مهاجر يتوعد بأنه سيقاضي الدولة المغربية بسبب هذه المعاملة التي وصفها ب«غير اللائقة» التي تستقبلهم بها، حيث تفتقر الطرق إلى علامات تشوير أساسية. الفرجة غير المتوقعة حوالي الثانية بعد الظهر، ينزل مسافرون من السفن ويتوجهون نحو حافلات تنتظرهم. قرب الحافلات كشك مغلق وقربه محل مأكولات كتب عليه «مأكولات المدينةالمنورة». إنه يبيع الخبز والكفتة والبصل والجزر ويقدم القهوة والشاي، ولا يبدو أن لمأكولاته علاقة خاصة بالمدينةالمنورة. داخل المطعم صورة رجل يرتمي بحماس على يد الملك ليقبلها. ربما كان هو صاحب المطعم ووضع صورته هناك لكي يظهر لخصومه أنه رجل مهم. توقفت حافلة نزل منها سياح وبدؤوا يصافحون مرشدهم الذي يرتدي جلبابا أبيض وطربوشا. كانوا يصافحونه وأحيانا يتركون في يده قطعا نقدية. هناك سياح سلموه كارت بوستال كتذكار. مثل هذه الهدايا غير محببة كثيرا. فجأة نزل سائق حافلة سياحية وتوجه نحو شرطي وهو يصرخ لأن سائق حافلة أخرى اعترض طريقه وكاد يصدمه. أجابه الشرطي بحدة وطلب منه أن يتوجه إلى كوميسارية الميناء ليشتكي. توقف السياح لتأمل هذه الفرجة غير المتوقعة. هذا البلد يبدو لهم أجمل بلد في العالم فعلا لأن كل الأشياء تحدث فيه بطريقة غير متوقعة، والفرجة توجد في أي مكان، وبالمجان. مرة أخرى أعلنت تلك المرأة ذات الصوت الرخيم جدا عن وصول باخرة أخرى، ثم وصول سفينة سريعة تربط مدينة طريفة بطنجة. وفي حوالي الساعة الثانية والنصف بعد الظهر كانت عشرات السيارات تنتظر إكمال إجراءات الجمارك للمرور. من الصعب أن يتم تفتيش كل هذه الأشياء التي يحملها المهاجرون معهم من أوروبا. هناك مهاجرون يبدون وكأنهم فككوا جبلا في أوروبا وعادوا به فوق أسطح سياراتهم، وهناك مهاجرون أنيقون يعودون بقليل من المتاع وعليهم علامات الراحة والارتياح. هناك مهاجرون يحملون أحذية مستعملة ودمى من دون أيدي أو أرجل ومصابيح لا تعمل وخيوطا كهربائية لا تكاد تصلح لشيء وثلاجات من القرن التاسع عشر وهواتف نقالة تشبه الطالكي والكي، ودراجات هوائية يمكن لمن يركبها أن يسقط في أول هاوية لأن مقودها منحرف. تتداخل عملية التفتيش والجمارك في الميناء بشكل مضحك. هناك عمال يتشاجرون بصوت مرتفع أمام المهاجرين العائدين، وحارس أمن خاص يرتدي قبعة عليها شعار الحزب الشعبي اليميني المعارض في إسبانيا، وزميل له يدخن بشراهة كأنه اكتشف التدخين للتو، وآخر يبدو أنه يحاول استعطاف سائق من أجل الحصول على مكافأة خدمة. هذه الفوضى تبدو مضحكة إذا تمت مقارنتها مع ميناء الجزيرة الخضراء على الضفة الأخرى من المضيق، أي على بعد 14 كيلومترا فقط. هناك يبدو الميناء شبه فارغ، والعمال القليلون يتحركون بواسطة دراجات نارية شبه صامتة، والجمارك لا يكادون يتكلمون، وهناك مكيفات هوائية وممرات وأدراج كهربائية. غريب أن تكون المسافة قصيرة جدا والفارق في الخدمات مهول. في المكان يبدو أفراد مؤسسة محمد الخامس للتضامن في هيئة هي الأفضل بين جميع الموجودين في الميناء. أزياؤهم أنيقة ويتصرفون بهدوء رغم أن مقرهم المجاور للمحطة لم يطرق بابه أي مسافر لمدة تزيد عن الساعتين. الكلب والقطط والحشيش على الرصيف المجاور، يوجد طابور من السيارات التي ستغادر الميناء، وهي لا تحمل أمتعة كثيرة وكثير من أصحابها أجانب. الذي يشاهد هذا الرصيف يعرف أن المغرب يشبه الحمّام، ولذلك قال الناس «دخول الحمام ماشي بحال خروجو». السيارات المغادرة تتعرض لتفتيش دقيق، وأفراد الجمارك يحملون في أيديهم «تورنفيزات» كبيرة بمقابض صفراء كأنها عصا موسى يكتشفون بواسطتها هل تحمل السيارات ممنوعات أم لا، يعني مخدرات أو ما شابهها. هناك حوالي أربعة أو خمسة أفراد جمارك بلباس الميدان، أي أنهم يرتدون ألبسة تشبه ألبسة الميكانيكيين، ويمكن أن ينبطحوا أرضا أو يصعدوا فوق السيارة بدون صعوبات. كل واحد منهم يحمل تورنفيز وكأنهم أبطال فيلم «هاري بوتر» يحملون العصي السحرية. بدأت مرحلة التشويق في هذه النقطة عندما بدأ كلب مدرب، والذي يوجد له كوخ أزرق خاص به بجانب السيارات، ينبح بشكل عنيف وأصيب بما يشبه الهياج. أوقف الجمارك السيارة القريبة وبدؤوا عملية تفتيش مدققة. كانت سائقتها امرأة نزلت في انتظار أن يدق جمركي بواسطة التورنفيز على مناطق مختلفة من سيارتها ليعرف إن كانت مجوفة أو تحمل شيئا ما. ضرب على العجلات أيضا وفحص ما فوقها ثم طلب من المرأة التوجه نحو الباخرة. الحشيش يمكن إخفاؤه في أي مكان من السيارة، تحت لوحة القيادة أو داخل المقاعد أو في تجاويف العجلات أو في إطار إضافي بين صفائح السيارات أو في المحرك أو تجاويف في السقف، وأحيانا يتم وضعها في مستودع البنزين. وقبل بضعة أشهر اضطر أفراد الجمارك لإفراغ مستودع بنزين حافلة لأن أكثر من نصفه كان محشوا بالمخدرات. في ذلك اليوم جاء كثير من موظفي وأمن وجمارك الميناء بسياراتهم الخاصة لكي يضعوا فيها البنزين المصادر من الحافلة لأن الجمارك لم يكونوا يتوفرون على مكان لتخزينه. لا أحد يعرف ماذا حدث لتلك السيارات من بعد لأن البنزين المحشش يمكن أن يرتكب فظائع. بعدها تم توقيف سيارة ستروين يركبها شابان إسبانيان. كانت تبدو عليهما علامات ارتباك وخوف. تم تفتيش السيارة من أمامها وخلفها وفوقها وتحتها. أشعل الشابان سيجارتين فاشتعلت مزيد من الشكوك في رؤوس أفراد الجمارك ففتشوا بحماس أكبر. لم يظهر شيء فغادرت السيارة نحو الباخرة. جاءت سيارة لاندروفر يركبها أجنبي وخضعت لتفتيش دقيق. بدأ الكلب ينبح مرة أخرى فأثار مزيدا من الشكوك، لكن أفراد الجمارك لم ينتبهوا لقطتين كانتا تسيران قرب الكلب. ربما ينبح الكلب غضبا من استفزاز القطتين له لأنهما تسيران قربه في هدوء ولا تعيران أية قيمة لهيبته ودوره الحساس في عملية العبور، وربما لأنه شم شيئا آخر غير الحشيش. قبل سنوات نبش كلب تفتيش أمتعة مهاجر عن آخرها إلى أن وصل إلى ما يريد. كان الكلب جائعا وشمّ قطعا من الجبن والمورتاديلا داخل الأمتعة فأكلها أمام أعين جمارك طنجة. الكلاب يجب أن تشبع حتى تعمل بوفاء. في كل يوم تقريبا يتم ضبط سيارات في الميناء تحمل كميات متفاوتة من المخدرات. أحيانا تكون ثلاثة أو خمسة كيلوغرامات، وأحيانا مائة، وأحيانا أكثر. وعندما يكون التفتيش دقيقا فإن أي سائق يمكن أن يشك ويقول لنفسه «يا إلهي.. ربما يكون أحد دس لي مخدرات في السيارة دون أن أدري»، ولذلك يمكن أن يضطرب ويتعرق فيشك فيه أفراد الجمارك أكثر. قبل أيام ضبطت الجمارك سائحة تونسية وهي تغادر المغرب ومعها كمية من المخدرات. وقبل ذلك تم ضبط مغادرين من مختلف الجنسيات، بينهم أمريكيون وجزائريون وإيرانيون وهنود وأفارقة وإسبان وفرنسيون. إن أمما متحدة حشيشية صغيرة تتجمع في ميناء طنجة. وحسب آخر إحصائية لجمارك الميناء، فإنه تم ضبط أزيد من طن من المخدرات خلال الأسابيع القليلة الماضية. أما شاحنات النقل الدولي فتلك حكاية أخرى، حيث يمكن للشاحنة الواحدة أن تحمل أزيد من 20 طنا وتعبر في سلام ولا تنفع معها لا كلاب ولا سكانير ولا أفراد الجمارك الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة «فأغشيناهم فهم لا يبصرون». خلال عملية العبور للسنة الماضية، ما بين 15 يونيو و15 سبتمبر، تم ضبط أزيد من 10 أطنان من المخدرات، وشكلت هذه النسبة ارتفاعا ملحوظا مع الكمية التي تم ضبطها صيف 2006، وربما يتم تحطيم الرقم القياسي هذه السنة، بموازاة مع الأرقام القياسية التي سيتم تحطيمها في الألعاب الأولمبية في بكين هذا الصيف. الجزيرة الخضراء وطنجة يحتكران 73 % من العابرين عملية عبور «مرحبا 2008» لا تقتصر على تأمين عملية عبور المغاربة بالخارج بل تشمل برنامجا متكاملا لمواكبة أفراد الجالية خلال قضائهم عطلتهم بالمغرب»، حسب محمد عامر، الوزير المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج. ووفق تصريحات الوزير المغربي، فإنه تم الإعداد الكامل لموسم العبور من أجل تجاوز كل الهفوات التي ارتكبت في السابق، وهي هفوات سيتم بالتأكيد ارتكاب عدد منها خلال عملية العبور الحالية، لكي تبدأ عملية تجاوزها خلال عبور «مرحبا 2009». الاستعدادات التي قام بها المغرب هذا العام لتأمين عملية العبور السنوية هي نفسها تقريبا التي يتم اعتمادها من قبل، وهي استعدادات ركزت على ضمان الأمن العام وتعزيز السلامة، وتوفير المساعدة الاجتماعية والإسعاف الطبي، وتكثيف تدابير القرب والمواكبة الإدارية، وتطوير التواصل وتقوية حملات التوعية. وخلال عملية العبور لهذا الصيف، يشتغل أسطول من السفن مكون من 27 باخرة، وهي بواخر كبيرة من التي تعبر المضيق في ساعتين ونصف الساعة تقريبا، وسفن تعبر في حوالي 35 دقيقة. وإلى حدود اليوم، فإن العدد اليومي للعابرين يقدر بحوالي 60 ألف مسافر وحوالي 15 ألف سيارة، وهو معدل يزيد أو ينقص حسب الظروف. وإذا سارت الأشياء بشكل طبيعي، فإن عملية العبور لن ينغص صفوها غير رياح الشرقي القوية التي عادة ما تهب على مضيق جبل طارق، وأحيانا توقف حركة الملاحة البحرية لعدة أيام، وهو ما يهدد بتحول ميناء الجزيرة الخضراء إلى غرفة انتظار عملاقة، مع ما يعني ذلك من معاناة كبيرة لعشرات الآلاف من المهاجرين. لكن هناك أيضا أحداث غير متوقعة أدت خلال الأيام الماضية إلى عرقلة جزئية لعملية العبور في نقطة بني نصار قرب مليلية، حيث اعتصم العشرات من المغاربة المحتجين على اعتقال يحيى يحيى، عضو الغرفة الثانية في البرلمان (مجلس المستشارين)، من طرف السلطات الإسبانية. وبدأت عمليات الاحتجاج منذ الاثنين الماضي من طرف عشرات الأشخاص، الذين يحاولون الضغط على السلطات الإسبانية من أجل إطلاق يحيى، الذي سبق له أن احتج بقوة على زيارة العاهل الإسباني لسبتة ومليلية قبل أشهر. ووفق الوزير عامر، فإن عملية عبور «مرحبا 2008» تشهد زيادة ملحوظة في شبابيك المراقبة والتفتيش لتسريع الإجراءات الإدارية في أهم نقاط العبور، والقيام بالإجراءات الخاصة بمراقبة الحدود على متن البواخر، مع أن هذا ليس إجراء جديدا ويتم العمل بها قبل سنوات، وحتى خارج عملية العبور. عملية العبور لهذه السنة عرفت تخصيص أزيد من ألفي عنصر أمن، وأزيد من 700 من عناصر القوات المساعدة، وأزيد من 250 من أفراد الدرك الملكي، بالإضافة إلى 730 مساعدا اجتماعيا موزعين على مختلف نقاط العبور ومحطات الاستراحة التي تمتد من طنجة حتى أقصى الجنوب، وهي أماكن تتوفر أيضا على 680 طبيبا و1688 ممرضا و193 سيارة إسعاف. وخصصت مؤسسة محمد الخامس للتضامن مكتبا مركزيا للتنسيق مكون من وزارة الداخلية ومصالح الأعمال الاجتماعية للقوات المسلحة يشتغل على مدار اليوم، من أجل تتبع الحالات الطارئة وتلقي الشكايات المستعجلة عبر الرقم الأخضر 080002323. ويرتقب أن يستقبل ميناء طنجة خلال عملية العبور، التي بدأت في 15 يونيو الماضي، أزيد من مليوني مهاجر ذهابا وإيابا. ويقول أحمد عثماني، المدير الجهوي للوكالة الوطنية للموانئ، إن هناك تعبئة من أجل إنجاح عملية العبور لهذه السنة. ويستقبل ميناء طنجة أزيد من 75 في المائة من العابرين القادمين من مينائي طريفة والجزيرة الخضراء، بينما النسبة الأخرى من نصيب ميناء مدينة سبتة. وبالإضافة إلى الربط البحري بين ميناءي الجزيرة الخضراء وطريفة وبين ميناءي طنجة وسبتة، فإن هناك ربطا بحريا آخر بين موانئ فرنسية وإسبانية وإيطالية وبين موانئ مغربية من بينها الحسيمة والناظور. وكانت سفينة أوزود، دخلت لأول مرة عملية الربط البحري بين مدينة جنوه (جينوفا) بإيطاليا وبين ميناء طنجة، حيث تنقل 2500 مسافر و750 سيارة يوميا، مرورا عبر برشلونة شمال إسبانيا. وحسب أرقام أعلنت عنها مصالح ميناء الجزيرة الخضراء، فإن حوالي 200 ألف مسافر عبروا حتى الآن نحو الضفة الجنوبية انطلاقا من موانئ الجزيرة الخضراء وطريفة والمرية وأليكانتي نحو الموانئ المغربية. ويستحوذ ميناء الجزيرة الخضراء على أكبر نسبة من العابرين، حيث عبر منه أزيد من 100 ألف مسافر حتى حدود الثلاثاء الماضي (1 يوليوز)، وفي المرتبة الثانية يأتي ميناء ألمرية بأزيد من 50 ألفا، ثم ميناء طريفة بحوالي 40 ألفا، وفي المرتبتين الأخيرتين ميناءا مالقة وأليكانتي بحوالي 10 آلاف مسافر. ويرتقب أن تعرف عملية العبور ارتفاعا ملحوظا خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث عادة ما تكون الأيام العشرة الأولى من يوليوز الفترة المفضلة لعبور مئات الآلاف من المهاجرين. غير أن هناك عاملا آخر يجعل من الأيام المقبلة تعرف حركة عبور مكثفة، وهو أن عددا كبيرا من المهاجرين، يفضلون أن يصلوا إلى المغرب في وقت مبكر من فصل الصيف، من أجل العودة إلى بلدان إقامتهم قبل حلول شهر رمضان، الذي سيحل خلال الأيام الأولى من سبتمبر المقبل.