- لك الله ياولدي..خلتليك الله .. لا أنت ولدي ولا أنا أمك إذا لم تترك هذا الذي بين يدك .. فسمية ترتعش بردا غطيها يا بني ونظف المنزل من الأوساخ كي لا يتعثر ابنك.. نظف له المكان .. وعندما تفعل ذلك ناديني وسأعود إلى بيتك..أما الآن فلا مكان لي بين أوساخك.. قلبي يا ولدي غير راض عنك "" قفز من فراشه كالمذعور كان العرق يتصبب من جبينه وهو لا يكاد يفهم ما يجري حوله فقبل ثوان كانت والدته تقف عند باب غرفة نومه شاهدها وهي تتقدم وتمسح على رأس سمية بيدها اليمنى وهي تبتسم ..نظرت إليه نظرة حزينة ثم تمتمت بكلام ,واختفت في ظلام الغرفة الدامس..أزعجت حركته سمية التي كانت تغط في نوم عميق - ما بك يا نعمان ؟!! خير إن شاء الله ؟ لقد أخفت الولد - كابوس .. لقد كانت هنا يا سمية - من .. ؟!! إنك تحلم نم يا حبيبي - لا .. بل لقد رأيت أمي بالفعل .. كانت تقف هناك بالقرب منك , رايتها تمسح بيدها على رأسك.. إنها غاضبة مني كثيرا يا سمية - أمر طبيعي يا نعمان .. - ماذا قلت ؟ - لا .. لا شيئ .. تفضل إشرب .. إقرأ بعض الآيات وسيهدأ روعك لاحقته عبارة أمه طوال النهار ولم يكد يتخلص من قساوة ما حملته من معاني حتى أحس أنه يقف عند مفترق تتعدد أمامه الخيارات .. فآدم يحاصره بنزواته الشاذة وأخته مريم ماضية في تدمير حياة فتيات صغيرات في عمر الزهر بينما لا يملك هو حرية القرار في ما ستؤول إليه شبكته التي اختطلت فيها مصالح أشخاص منهم رجال الأمن وبينهم شخصيات كبيرة تستطيع الزج به في غياهب السجون بجرة قلم .. أصبح أسيرا بين مخالب أناس لا يستطيع منازلتهم وبين هذا وذاك ينتصب ضميره ومعذبه وينتصب امام بصره مصير أحلامه القديمة التي تهاوت كما هياكل الزبد .. أيقن نعمان أن المسلك كان خاطئا منذ الوهلة الأولى .. وأن المال القليل الذي جمعه في البداية فتح شهيته للمزيد وجاء المزيد بالمزيد من التورط حتى غمر الطوفان معظم جسمه .. وباتت تترائى أمام بصره لحظات الغرق المحتوم.. أوقف سيارته بالقرب من أحد المقاهي بحي بني مكادة الشعبي .. وما كاد ينزل من السيارة حتى بادره أحد الشباب بتحية مبالغ فيها.. حرك رأسه بإيماءة الرضى وألقى بجسمه على مقعد بالمقهى .. طلب كأس شاي بالنعناع ثم وجه كلامه للشاب قائلا : - هل عاد الشباب من ماربيا - لا.. موعدهم العاشرة ليلا بشاطئ أشقار..يا سيد نعمان - ماذا ؟!! أشقار ؟ّ !! من غير المكان !! - المعلم آدم .. طلب مني تغيير المكان .. يمكن ان تسأله يا سيد نعمان - لكن منذ متى تتلقون أوامركم من آدم ؟؟ هل آدم هو الذي يدفع لكم ؟!! - أنا آسف يا معلم ولكنني عبد مأمور .. لقد اعتقدت أنه فعل ذلك بالتنسيق معك - لا بأس .. أنا ذاهب إلى البيت .. ولن انام قبل أن تصلني منك مكالمة .. ويا ويلكم مني لو حدث اي شيئ .. هل سمعت - نعم يا معلم ركب سيارته وانطلق بسرعة جنونية .. حمل هاتفه الجوال وهو يكاد ينفجر غضبا - ألو .. مريم .. - من نعمان.. كيف أحوالك - مثل الخرا.. أخبري كلبك انني كلمته مليون مرة لكنه لا يرد على مكالماتي .. أخبريه كذلك أنني جد قلق على البضاعة ولا أعلم لماذا غير الخطة دون الإستشارة معي - أرجوك أن تهدأ .. أولا آدم غير موجود في المغرب لقد سافر إلى مالقا البارحة ومنها سيذهب إلى الولاياتالمتحدة وأنا لا أعرف عن أي خطة تتحدث.. - سافر إلى ملقا ..!! ألا يعلم هذا الحيوان .. أن تغييره للمكان فيه خطر علينا جميعا - أي خطر ؟!! أنا لا أعلم اي شيئ .. - هل عندك رقمه في ملقا .. - نعم .. لكنه لا يرد على مكالماته .. لكن تأكد بأنني سأخبره فور وصولي إلى ملقا - هل ستسافرين معه إلى أميركا ؟!! - نعم .. نعم فاليخت سيخرج بعد اربع ساعات.. الواضح أنك لا تعرف ما الذي حصل - وما الذي حصل .. ؟؟ - لا أستطيع الكلام في الهاتف .. تعالى إلى البيت فورا وسأخبرك بكل شيء زاد من سرعة سيارته والشكوك تتقادف ذهنه يمينا وشمالا .. راودته كل الوساوس ..هل غدرت به أخته وعشيقها ؟ لا .. هذا الأمر غير وارد .. فمريم ومهما قست على الآخرين فهي احن عليه بعد المرحومة .. هل فر آدم .. هل وهل ؟؟ فتح الحارس باب الحديقة فانطق كالمجنون نحو بوابة الفيلا.. نزل بسرعة فوجد مريم عند المدخل في انتظاره .. - نعمان أرجوك .. تفضل .. إجلس واهدأ حتى أشرح لك كل شيء - أخبريني وبعجالة ودون لف أو دوران ما الذي جد .. - لقد ماتت جاكي .. - أعلم ذلك .. وماذا كنتم تنتظرون من فتاة ينهشها مرض السيدا ؟؟ وما الجديد ؟! - ارجوك إهدا قليلا .. - تفضلي .. اكملي .. ماتت جاكي وماذا بعد ؟ - هل تعلم أن أخاها سفيان .. عرف كل شيء.. - كل شيء ؟! عن ماذا ؟! - لقد أخبرته وهي تموت عن كل تفاصيل حياتها هنا في طنجة .. أخبرته عن نشاطك وعن نشاط آدم والأشرطة والأفلام والفيلا والأستوديو .. كل شيء كل شيء.. لقد وجد آدم شريطا سجلت به حديثا طويلا أوردت فيه كل ما كانت تمارسه , لقد فضحتنا - طيب وماذا بعد ؟؟ - سفيان أقام دعوى قضائية ضد آدم .. متهما إياه بإدارة شبكة لتصوير أفلام البورنو ومتهما إياي بقتل أخته عبر تعريضها .. - وما هي أدلته؟ - لا أعرف.. كل ما أعرفه ان النائب العام سيصدر أمرا باعتقالي غدا على الساعة التاسعة صباحا.. طبعا ..لقد أخبرني الضابط جلال بالأمر.. - وآدم ؟!! - آدم ..سافر إلى مالقا مباشرة بعد ذهابك إلى الناظور - كل هذا حدث في ثلاثة أيام غبت فيها عنكم ..!! وأنا .. بماذا اتهمني ..؟ - جلال أخبرني أن إسمك غير موجود في لائحة الإتهام .. لكنه .. - لكنه ماذا ؟؟ - لكنه يفضل أن تهرب فورا.. لأسباب لم يقبل الإفصاح لي عنها - وأموالي .. والبيت .. والسيارات .. - إسمع يا نعمان .. الوقت يداهمني .. ولا زال أمامي الكثيرمما يجب فعله .. إن أحسن حل أمامك هو أن تترك وكالة عامة عن كل ممتلكاتك للمحامي .. تماما مثلما فعلت انا .. وهو سيتدبر الأمر ويبيع كل شيئ ويهرب لك المال إلى مالقا .. - ماذا ؟؟!! هل تريدين مني أن .. - هل عندك حل آخر ؟ - وسمية .. وإبني عبدو وأخواتي .. هل جننت - أنا حذرتك.. وانت حر ..أنا ذاهبة .. إذا قررت الرحيل .. فاليخت سيكون عند منتصف الليل بشاطئ أشقار.. - آه .. الآن فهمت.. لماذا غير آدم الخطة ؟! فيخت مانويل هو الذي سيحملك إلى ملقا .. - نعم بالضبط ..كيف عرفت إسمه.. إن الشخص الإسباني يدعى بالفعل مانوبل - هل أنت بليدة ..!؟ إنه نفس اليخت الذي سيحمل البضاعة .. - أي بضاعة .. ؟؟ - دعيني اخرج الان يجب أن اتصرف بسرعة.. ركب سيارته وانطلق نحو البيت فكر مليا في أمر زوجته وابنه لمن سيتركهما بعد رحيله وهل بالفعل يستطيع ترك وكالة في هذه الساعات المتأخرة .. تزاحمت الأفكار والخيارات أمامه .. وصل البيت وهو لا يكاد يعرف كيف ومن أين سيبدأ حديثه مع سمية.. جلس على مقعد وسال الخادم عن سمية فأخبره أنها بالطابق العلوي مع الطفل..صعد نعمان الدرجات وهو بالكاد يستطيع الكلام..طرق الباب طرقا خفيفا - تفضل - مساء الخير يا سمية - مساء الخير نعمان.. ما بك ؟ - مصيبة - يا ويلي .. خير إن شاء الله - يجب أن أهرب وبأقسى سرعة ممكنة - تهرب إلى أين ؟ - إلى اي مكان .. خارج المغرب - ولمن ستتركنا أنا وابنك الرضيع؟ - لا أعرف..لآ أعرف انا في صدمة .. هل معك بعض المال؟ - نعم .. لكنه قليل.. فكل السيولة في البنك - والمصيبة أنني لا أستطيع سحب المال الآن .. - وما العمل - سأترك وكالة للمحامي.. لا تقلقي سوف يتصرف و يعطيك المال وسأبعث لك من يحملك إلى إسبانيا ..فقط أمهليني بعض الوقت - لا .. بل أنا ذاهبت معك وإبني معي - ولكن .. السفر فيه خطر عليكما - لا تقلق .. لا تقلق .. إذا كان الموت هو مصيرك فسنموت جميعا - لكن يا سمية .. هناك طريقة أسهل .. لماذا تخاطرين بحياتك وحياة إبنك .. فبإمكانك الحصول على جواز سفر ومعك من المال ما يكفي للحصول على تأشيرة إلى إسبانيا ..ومن هناك سنتدبر الأمر جميعا - قلت لك لن أنتظر دقيقة واحدة بعد رحيلك.. - هل أنت مجنونة ..لا .. لن ترحلي معي.. أفضل أن يكون سفرك بطريقة أسهل , ثم لا تنسي ان عبدو رضيع .. صدقيني يا سمية سوف أنتظركما هناك .. - وهل أنت واثق من هذا المحامي - نعم .. نعم .. إنه أمين جدا لا تقلقي سوف تكونين في أمان واعدك أعدك أننا سنلتقي وقريبا جدا