يعرف ميناء أكادير تلوثا كبيرا من جراء انتشار النفايات بكل أشكالها وأنواعها رغم كل المجهودات المبذولة من طرف المتدخلين من الوكالة الوطنية للموانئ، حيث إن غياب قوانين للتدبير وعدم انخراط باقي مستعملي الميناء من بواخر وشركات وعاملين ومواطنين يجعلان الوضعية معقدة. حول معاناة هذه المعلمة مع التلوث تدور الورقة التالية: زيارة خاصة للميناء وأنت تقف أمام المدخل الرئيسي لميناء الصيد بأكادير يثير انتباهك وجود ثلاث بوابات، الأولى خاصة بالدخول، والثانية مخصصة لخروج العربات المحملة بمنتوجات البحر، وهي مزودة بميزان لضبط الكميات المشحونة، والثالثة خاصة بالدراجات والسيارات العادية. ودون عناء، يتبين لك أن المخرج الخاص بعربات الشحن محروس بعناصر من الجمارك ورجال الأمن والسلطات المحلية وممثلي المكتب الوطني للصيد، فيما يستوقفوك رجال الأمن وأنت تهم بالدخول طالبين منك الكشف عن جواز المرور حتى يسمح لك بالعبور إلى الميناء. يتبادر إلى ذهنك سريعا، ورجل الأمن يقف أمام سيارتك وهو يلح على ضرورة توفرك على رخصة ولوج عالم السمك التي تكون إما مثبتة على واجهة السيارة أو بحوزتك في حافظتك، أنك فعلا ستلج منطقة محمية تتوفر على مواصفات أمنية خاصة كالمطارات وبعض محطات القطارات. «واش عندكم لسي باسي آ الشرفة؟»، سألنا الشرطي وهو واقف أمامنا لمنع كل من لا يتوفر على «لسي باسي» من الدخول. أجبته بأنني أقصد وضيفي «مقهى البحر». سمح لنا الشرطي بالدخول. «أخويا هاد الشي مزير عندكم»، همس صديقي في أذني. بالطبع عندما تمحص في إصرار الشرطي على وجوب جلب رخصة مسبقة من مفوضية شرطة الميناء من أجل السماح لك بالدخول، وعناصر الجمارك منتصبين بجوار بوابة الخروج، تحمد الله لكون أحوال الميناء تغيرت، وأنك ستدخل ميناء مميزا عما كان عليه سابقا، يتسم بالتنظيم والنظافة والأمن والأمان وعرض المنتوجات في أحسن الظروف والمراقبة من قبل مختلف السلطات. قطعنا مسافات طويلة أبعدتنا عن مدخل ميناء الصيد وحملتنا إلى وسط بعض الإدارات العمومية والأبناك والمكاتب الإدارية والمخازن المبردة للأسماك ومعامل تحويل الأسماك وأوراش بناء السفن الخشبية والحديدية وأخرى خاصة بالإصلاح والمطاعم الشعبية، وتوغلنا أكثر حتى وصلنا إلى أحواض الميناء. تبخرت تلك الصور الإيجابية التي رسمناها ونحن نقف أمام الشرطي، عندما وقفنا على حاشية رصيف الأحواض، حيث أثارت انتباهنا كومات من النفايات الصلبة، بمختلف أنواعها كالأخشاب والقنينات والبلاستيك، تسبح فوق المياه الداكنة. ومن خلال بعض الفجوات التي تحدثها تموجات المياه تكتشف بقايا الأسلاك والشباك والحبال وسط المياه شبه الراكدة، إلى جانب بقع الزيوت السوداء اللامعة تغطي مساحات كبيرة من سطح مياه الأحواض، سواء حوض رسو بواخر الصيد في أعالي البحار أو الحوض المخصص للصيد الساحلي أو ذاك المخصص للصيد التقليدي. تأكدنا أن حال الميناء ما زال كما كان منذ سنوات، لا نظافة ولا نظام ولا أمن، إذ ما إن تقطع بضعة أمتار حتى تلتقي بأناس يظهر على ملامحهم أنهم من سكان الميناء. ترفع بصرك عن تلك المياه الملوثة لتصطدم بمجموعة من البحارة العاملين فوق بواخر الصيد الساحلي الخاصة بالسردين وهم يضخون تلك المياه الملوثة بمحركات البواخر في «عنبر الأسماك» المملوء بالسردين، وذلك لتسهيل عملية تفريغ محصول الصيد، دون مراعاة لحالة الماء الملوث. تراقب عمليات الإفراغ التي تتم عبر سلسلة من البحارة تمتد من الباخرة إلى الشاحنة، حيث يفرغ السمك مباشرة داخل الصناديق الخشبية قصد نقلها إلى الأسواق الموجهة إلى الاستهلاك، أو مباشرة إلى المقاهي المتخصصة في بيع السمك المنتشرة بالمدينة أو بمحيط الميناء. وبينما أنت في غمرة استغرابك وأنت ترقب هذه العملية، يسقط بصرك على عشرات من باعة الأسماك بالتقسيط غير القارين وهم يغسلون سلعتهم السمكية بنفس تلك المياه الملوثة. ويزداد استغرابك عندما يشد انتباهك منظر عشرات من المواطنين محملين بأكياس بلاستيكية سوداء مملوءة بالمشتريات السمكية، وهم يمدونها إلى فئة أخرى من المتخصصين في تنقية الأسماك وجعلها مهيأة للطبخ، وذلك عندما ترى أن أولئك»العمال»ينقون ويقطعون أو يسلخون أسماك الزبناء فوق طاولات خشبية جد متسخة، ثم يقومون بغسل تلك الأسماك بنفس مياه الأحواض الملوثة، قبل أن يجمعوا بقايا تلك الأسماك. نستمر في السير والجولان داخل الميناء بجوار سوق بيع السمك في الميناء التابع للمكتب الوطني للصيد البحري، بمحاذاة الواجهة الخلفية لحوض الميناء، حيث انتشر عشرات الباعة، وهم يرشون أسماكهم بمياه الأحواض حتى تعكس بعض اللمعان وتوحي بالتالي بكونها طازجة وبالكاد خرجت من البحر، وبجوارهم بقايا الأسماك التي تم بيعها (الأمعاء، الرؤوس، الجلود..) وهي متراكمة في منظر مقرف وسط هذه البيئة الملوثة، وجه صديقي نظري إلى أحد الباعة وهو يستوقف مجموعة من السياح يعرض عليهم صندوقا من»الكراب»، فيما وقف ثلاثة من السياح يصورون زملاءهم وسط تلك الأكوام من بقايا الأسماك التي تنبعث منها روائح تزكم الأنوف. نلج باب السوق، حيث انتبهنا إلى وجود صهريج صغير فارغ من الماء. سألنا أحد الأشخاص عن السر في وجود ذلك الصهريج عند مدخل السوق، فأخبرنا بأنه خصص أصلا لملئه بماء مطهر لأحذية من يلج فضاء السوق، لكنه كان في ذلك اليوم فارغا من ذلك السائل المطهر. وقال إن هذا الصهريج لا يملأ إلا أثناء زيارات أحد المسؤولين عن المراقبة، أو إحدى لجن مراقبة الاتحاد الأوربي. صعدنا إلى الطابق الأول، حيث أعدت شرفة مخصصة للزائرين. كانت أول ملاحظة تم تسجيلها هي أن الأسماك المعروضة للبيع معبأة في صناديق خشبية، علما بأن الأخيرة تضر بجودة الأسماك وسلامتها. وكان المكتب الوطني للصيد قد حدد سنة 2003 لإلغاء تلك الصناديق وتعويضها بصناديق البلاستيك، لكن يبدو أنه فشل في ذلك فشلا ذريعا. سألنا أحد الأشخاص عن كيفية عرض السمك للبيع، فأخبرنا بأن تلك الأسماك المعروضة للبيع أفرغت منذ الصباح الباكر، وأن عملية البيع انطلقت منذ الثامنة صباحا، ومنها ما سيبقى معروضا على تلك الحال حتى وقت الظهيرة، وذلك في انتظار وصول دور أصحاب تلك السلع التي تمت إزالة الثلج الذي كان يحميها ويحافظ على جودتها. وقال إن عزل تلك الأسماك عن الثلج لمدة قد تزيد على أربع ساعات سيخفض من جودتها، ومن تم سينقص ثمنها. وبعدها دعانا ذلك الشخص إلى مراقبة السياح الوافدين على السوق من أجل الفرجة. يصورون أحد المربعات التي تتم فيها عملية البيع بالمزاد، وحوله تحلق عشرات التجار وسماسرة السمك وهم ينتعلون أحذيتهم المتسخة. مجهود لمحاربة التلوث تعمل الإدارة المحلية للوكالة الوطنية للموانئ بأكادير على التدبير المحكم للنفايات عن طريق تفويض عمليات جمعها، وفق دفاتر تحملات واضحة ومحددة، إلى شركات خاصة وترصد لهذه العملية مبالغ مالية تفوق 4 ملايين درهم سنويا. وهكذا تتشكل أنواع من النفايات بالميناء، سواء كانت صلبة أو سائلة من مخلفات البواخر أو من مخلفات زوار الميناء أو نتيجة الحوادث الطارئة. وحسب مصادر من الوكالة المذكورة، فإن محاربة التلوث بميناء أكادير أصبحت الشغل الشاغل والهم الثقيل لهذه الوكالة بسبب فشل عملية المقاربة الزجرية وبسبب غياب قوانين تؤطر هذه العملية وكذا بسبب صعوبة تحديد المسؤوليات وضعف انخراط مستعملي الميناء في الحفاظ على بيئتهم. وحسب ذات المصدر، فهناك عدة أنواع من النفايات منها نفايات البواخر على شكل نفايات صلبة عائمة والتي تتم معالجتها بتكلفة تبلغ 800000 درهم في السنة، ونفايات صلبة غير عائمة يصل حجم معالجتها إلى حوالي 50000 متر مكعب بتكلفة 3.5 ملايين درهم في السنة. أما نفايات الملك العمومي والتي يصل حجمها إلى 40000 متر مكعب، فتكلف مليون درهم، بالإضافة إلى النفايات السائلة والتي يتم تدبير 2000 طن منها على شكل ماء و1000 طن على شكل زيوت عن طريق المعالجة الصناعية أو البيولوجية. كما تتم مراقبة سجلات البواخر للاطلاع على كيفية صرف المياه والزيوت الملوثة وواجهتها. وفي هذا الصدد، يتوفر الميناء على شبكة لصرف المياه الملوثة تبلغ تكلفتها 10 ملايين درهم وتتكفل شركة خاصة بصيانتها بتكلفة تبلغ 400000 درهم سنويا. كما تم تجهيز الميناء بوسائل تنظيمية ولوجيستيكية وآليات للتدخل أثناء وقوع حوادث منشآت الوقود التي تساهم في تلوث الميناء، مثل تسربات الوقود، والتي تكلف 3 ملايين درهم في السنة.