يفتتح جلالة الملك يوم غد الجمعة الثانية من أكتوبر السنة التشريعية الثالثة، طبقا لأحكام الفصل 65 من الدستور، بخطاب يشكل خارطة طريق للعمل البرلماني والسياسة الحكومية،بما سيحمله من توجهات في مجال تدبير السياسات العمومية والقطاعية والشأن العام بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، في ظل سياق داخلي تطغى عليه جملة من التحديات التي فرضتها متطلبات المرحلة، ومناخ دولي مطبوع بالتوترات والصراعات الإقليمية والقارية والدولية. وسيحرص كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية على بلورة هذه التوجيهات الملكية وتنزيلها في إطار تدبير السياسات العمومية والقطاعية ؛بما في ذلك اساسا مشروع القانون المالي 2024 المفروض ان تحيله الحكومة على مجلس النواب بالاسبقية قبل العشرين من أكتوبر الجاري، بعد المصادقة عليه من طرف المجلس الوزاري؛ حيث يعتبر مشروع القانون المالي إحدى الادوات القانونية لتدبير السياسات العمومية والقطاعية، وتنفيذ التوجهات والاختيارات السياسية الكبرى في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والثقافية والبيئية والحقوقية والتنموية المسطرة، وتنزيل المخططات والاستراتيجيات والبرامج المعتمدة. وهذا يعني أن الحكومة مطالبة، من خلال مشروع القانون، بمواجهة مجموعة من الصعوبات والاكراهات التي تطرحها المرحلة وتحدياتها؛ بما فيها اساسا الاولويات التي تضمنتها الرسالة التوجيهية المتعلقة بإعداد مشروع القانون المالي برسم السنة المالية 2024، والمتمثلة في المرتكزات التالية: توطيد تدابير التأثيرات الظرفية، استكمال إرساء أسس الدولة الاجتماعية، مواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية، تنزيل استدامة المالية العمومية. هذه الأولويات التي ستشمل أيضا وأساسا تنزيل برنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، وذلك من خلال مساهمة الدولة في الحساب الخصوصي 126 المرصود لمواجهة تداعيات هذه الكارثة الطبيعية والنهوض بالمناطق المتضررة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبنيات التحتية وضمان حقها في التنمية المتوازنة والمندمجة وتقليص الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية التي مازالت تعاني منها هذه المناطق القروية والجبلية والقطيعة مع سياسة (المغرب النافع والمغرب غير النافع)، بعدما أبان الزلزال عن مدى هشاشتها وعدم استفادتها من فرص التنمية البشرية والمجالية على الوجه المطلوب. ويبقى إنجاح الموسم الفلاحي الحالي إحدى الرهانات الكبرى التي تقتضي الظرفية الراهنة ربحه، مهما كانت تكلفته، بعد سنوات من الجفاف الذي أخذ طابعا هيكليا في ظل التقلبات المناخية التي تلقي بظلالها على الاقتصاد الفلاحي والفلاح وساكنة العالم القروي الذين يعولون على المداخيل الفلاحية كمصدر وحيد للعيش ،بما يقتضي ذلك من دعم حقيقي للفلاح لمواجهة تكاليف الإنتاج الفلاحي وتوجيه بهدف الوصول إلى الاكتفاء الذاتي الغذائي الكفيل بتحقيق الأمن الغذائي وتجاوز التبعية للخارج في هذه المواد الاستراتيجية وتعزيز السيادة الاقتصادية وتحصينها. هذا، بالإضافة إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطنين في ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية الغذائية منها والطاقية على الخصوص في إطار الحوار الاجتماعي الذي حرصت الحكومة على ماسسته من أجل تعزيز الديمقراطية التشاركية، لما فيه خدمة ترسيخ السلم الاجتماعي؛ علاوة على معضلة البطالة التي أصبحت تؤرق الاسر المغربية أمام ارتفاع معدلاتها في صفوف الشباب حاملي الشهادات، خريجي الجامعات والمعاهد، بشكل يدعو للقلق؛ ولم تعد معالجتها تقبل اي تأخير في ظل الظرفية الراهنة. إن روح التعاون والتكامل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية التي طبعت إخراج رزنامة من من القوانين المؤطرة للإصلاحات الهيكلية؛ ينبغي أن تسود تسريع وتيرة تنزيل هذه الإصلاحات؛ بما فيها أساسا الأصلاح الجبائي الذي يعتبر إحدى الركائز الأساسية لتقوية جاذبية مناخ الأعمال، وتعزيز الاستثمار الوطني وجلب الاستثمارات الخارجية، وتحقيق العدالة الجبائية، وتعزيز آليات التضامن الوطني التي دعا إليها جلالة الملك، كمدخل اساسي لبناء مجتمع تعادلي تسوده المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم، وتحقيق التوازن الاجتماعي المنشود، كما أوصى بذلك المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الاخير برسم سنة 2021، عندما دعا إلى ضرورة إعادة النظر في المنظومة الضريبية، من خلال توسيع الوعاء الضريبي، ومراجعة الضريبة على الدخل حتى تأخذ طابعا تصاعديا. وبنفس الروح، يتعين استكمال إصلاح منظومة العدالة، خاصة فيما يتعلق بإخراج مجموعة القانون الجنائي، المسطرة الجنائية المسطرة المدنية وغبرها من النصوص المؤطرة لهذا الإصلاح إلى حيز الوجود؛ إلى جانب القانون التنظيمي للإضراب والقانون المتعلق بالنقابات؛ وكذا اعادة النظر في أنظمة التقاعد ومدونة الشغل والنظام الأساسي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، كما التزمت بذلك الحكومة في برنامجها. ولا شك أن هذه الدورة التشريعية الخريفية ستكون غنية من حيث دراسة النصوص التشريعية، بما فيها اساسا مشروع القانون المالي 2024، مشاريع القوانين المحالة على البرلمان، منها ما يتعلق بالقانون المتعلق بالعقوبات البديلة، وتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية كما تمت المصادقة عليهما من طرف اللجان البرلمانية المختصة، تنظيم الصيد البحري، الصحافة والنشر، مشار قوانين تهم الموافقة من حيث المبدإ على مجموعة من الاتفاقيات الدولية. كما أن هذه الدورة ستكون ساخنة من حيث المواضيع التي تستاثر باهتمام الراي العام الوطني وتشغل بال المغاربة وتتطلب من الحكومة تنوير المواطنين بشأنها، والتي ستكون مواضيع المراقبة البرلمانية، من خلال الاستثمار الامثل للآليات الدستورية المتعلقة بمراقبة العمل الحكومي؛ بما فيها اساسا الأسئلة الشفهية، خاصة منها المتعلقة بالسياسة العامة للحكومة التي يجيب عنها رئيس الحكومة، طلبات اجتماعات اللجان البرلمانية الدائمة لدراسة مواضيع الساعة وطارئة، المهام الاستطلاعية وغيرها من الادوات الدستورية.