الدورة التشريعية تتميز بكونها تشكل قاطرة لانطلاق التنزيل الفعلي لمضامين البرنامج الحكومي، خاصة بالنسبة للإصلاحات الكبرى المرتبطة بالأوراش الاقتصادية والاجتماعية ذات الأولوية كما كان مقررا افتتح البرلمان المغربي يوم أمس الجمعة الدورة التشريعية الربيعية الثانية من السنة التشريعية الأولى من الفترة النيابية 2021-2026، من طرف كل من رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، طبقا لأحكام الفصل 65 من الدستور. هذه الدورة التي تأتي في ظل ظرفية استثنائية تتمثل اساسا في الارتفاع المهول في أسعار المواد الأساسية بشكل غير مسبوق، من حيث تأثيراتها السلبية على حياة المواطنين ومستوى معيشتهم وقدرتهم الشرائية، خاصة فيما يتعلق بأسعار المواد الطاقية؛ وتتمثل ايضا في سنة فلاحية مطبوعة بالجفاف، وآثارها المباشرة وغير المباشرة على الاقتصاد الوطني، والحياة اليومية للمواطنين، خاصة بالنسبة لساكنة العالم القروي الذين يعولون على المداخيل الفلاحية كمصدر وحيد للعيش، وتتمثل كذلك في استمرار تداعيات الأزمة الوبائية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية. وهذا يعني أن الدخول البرلماني سيعرف دينامية قوية بالنظر لحجم القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني، وتشغل بال المواطنين؛ وبالنظر للانتظارات والتحديات المطروحة، والتي تتطلب من البرلمان الانخراط في مواجهتها، سواء من خلال العمل التشريعي عبر تقديم مقترحات القوانين، أو تسريع وتيرة التصويت على مشاريع القوانين، في إطار التعاون والتكامل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية؛ أو من خلال مراقبة العمل الحكومي لإثارة انتباه الحكومة للصعوبات والاكراهات التي تقتضيها المرحلة والحلول والبدائل المقترحة (الأسئلة الشفهية، الأسبوعية والشهرية؛ طلبات عقد اجتماعات اللجان لدراسة مواضيع الساعة التي تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني وتشغل بال المواطنين؛ القيام بمهام استطلاعية للوقوف على بعض القضايا المطروحة...). كما أن هذه الدورة التشريعية تتميز بكونها تشكل قاطرة لانطلاق التنزيل الفعلي لمضامين البرنامج الحكومي، بتوجهاته، و اختياراته، والتزاماته، وأولوياته، خاصة بالنسبة للإصلاحات الكبرى المرتبطة بالأوراش الاقتصادية والاجتماعية ذات الأولوية، بما فيها أساسا :
-تعميم الحماية الاجتماعية، بما يقتضي تنفيذها بشكل تدريجي من نصوص تشريعية تهم : -إصلاح أنظمة التقاعد من أجل تعميم المعاش ليشمل جميع الفئات الاجتماعية لأن أكثر من 60٪من المواطنين لا تشملهم هذه الأنظمة. -إعادة النظر في نظام التغطية الصحية الأساسية بعدما ابان نظام (راميد) عن محدوديته في ضمان الأمن الصحي للفئات المستهدفة، وذلك بهدف تعميم التأمين الاجباري الأساسي عن المرض خلال هذه السنة. -إعادة النظر في القانون المتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل من اجل تعميم الاستفادة من هذا التعويض. -تعميم التعويضات العائلية. -إعادة النظر في المنظومة الصحية، بمختلف النصوص التشريعية المؤطرة لها حتى تواكب متطلبات تعميم التغطية الصحية الأساسية. -تفعيل قانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي، من خلال إعادة النظر في القوانين المرتبطة بهذا القطاع. إصلاح نظام المقاصة. -تفعيل ميثاق الإنعاش الاقتصادي والتشغيل، من خلال اعادة النظر في مجموعة من القوانين التي أصبحت متجاوزة، بما فيها أساسا ميثاق الاستثمار. -تفعيل قانون الإطار المتعلق بالاصلاح الجبائي. -تفعيل قانون الإطار المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية. -مراجعة مدونة الشغل بهدف تبسيطها وتكييفها. -القانون التنظيمي للاضراب وقانون النقابات. -استكمال ورش إصلاح منظومة العدالة، من خلال إعادة النظر في القانون الجنائي الذي سحبته الحكومة، وقانون المسطرة الجنائية، وقانون المسطرة المدنية....... -مواصلة تتبع وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد من خلال: مراجعة مشروع قانون المتعلق بالتصريح الاجباري بالممتلكات -اعداد مشروع قانون يتعلق بتضارب المصالح. -اعداد مشروع قانون يتعلق بحماية الموظفين عن أفعال الفساد بالادارات العمومية. -إعداد مدونة شاملة لسلوكيات وأخلاقيات الموظفين. هذا، بالإضافة إلى إمكانية ان تأتي الحكومة بمشروع قانون مالي تعديلي يستجيب لمتطلبات المرحلة وتحدياتها في ظل المتغيرات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي فرضتها الظرفية الاستثنائية الراهنة. كما ستنطلق خلال هذه الدورة أشغال مجموعة من اللجان الموضوعاتية مكلفة بتقييم السياسات العمومية في مجالات تهم مخطط المغرب الأخضر، الإصلاح الاداري، السياسة المائية... ويبقى البرلمان كذلك مطالبا بتعزيز التطورات الإيجابية التي تعرفها قضية الوحدة الترابية بعد توالي الانتصارات الدبلوماسية بقيادة جلالة الملك، وتزايد الاعترافات بمبادرة الحكم الذاتي التي دعا إليها جلالة الملك في 2007 كأساس واقعي وذي مصداقية لحل النزاع المفتعل بالصحراء المغربية، بعدما اعتمد المنتظم الدولي هذا التوجه كما يتجلى ذلك من خلال قرارات مجلس الامن الدولي منذ 2007 ، والذي من المنتظر أن يناقش هذا الموضوع ابتداء من 20 أبريل الجاري على ضوء التقرير الذي سيتقدم به الأمين العام المساعد المكلف بقضية الصحراء المغربية بعد الجولة المكوكية التي قام بها بالمنطقة. ويظل التساؤل المطروح إلى أي مدى سيتمكن البرلمان من إعطاء هذا الدخول البرلماني الدينامية التي تقتضيها الظرفية الاستثنائية التي تعرفها البلاد، والاستثمار الأمثل للآليات الدستورية من أجل تجاوز الصعوبات والاكراهات المطروحة، ومواجهة التحديات التي يتطلبها التنزيل السليم للأوراش الاقتصادية والاجتماعية التي تضمنها البرنامج الحكومي، في اطار التعاون والتكامل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية؟