في حلة قشيبة صدر الجزء الأول من نشرة قرارات المجلس الأعلى، وهي نشرة متخصصة حرص السيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى الأستاذ الطيب الشرقاوي والسيد الوكيل العام للملك به الأستاذ مصطفى مداح والمدير المسؤول محمد المجدوبي الإدريسي والهيئة العلمية المكونة من ثلة نيرة من رجال القضاء من رؤساء الغرف على أن تكون لبنة من لبنات الصرح العلمي والثقافي لمؤسسة المجلس الأعلى. يجد القارئ في هذا العدد قرارات متنوعة حديثة على قدر كبير من الأهمية، ارتأى واضعوها أن تكون يسيرة على الباحث في مضمار كشفه للاجتهاد القضائي للمجلس الأعلى، إذ تم لأول مرة وضع الأساس القانوني مباشرة بعد وضع الاجتهاد القضائي في محاولة جادة لتبيان الإشكالية المراد الاجتهاد بشأنها والأرضية القانونية التي على ضوئها تم اصطفاء الرأي القضائي المنوط به. ويتوزع الجزء الأول إلى عدة قرارات بغرفة واحدة وبغرفتين مجتمعتين كما يتضمن لائحة لتبويب نشرة قرارات المجلس الأعلى في المادة المدنية وقد تضمن العدد مقدمة تكشف عن الأهداف المتوخاة من إصدار هذا العدد، إذ جاء في كلمة السيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى: إن الدور الحيوي الهام الذي يضطلع به المجلس الأعلى بصفته أعلى مؤسسة قضائية في المملكة، المتمثل في الحرص على توحيد الاجتهاد القضائي والسهر على التأويل السليم للقانون، بما يتوافق مع إرادة المشرع ومقاصده، تفاديا للتضارب في الاتجاهات بين قضاة الموضوع، ليسهم بحق في ترسيخ مبدأ مساواة كل المتقاضين أمام القانون، وتحقيق الأمن القضائي. وما تلكم الأهداف المثلى والمقاصد الجليلة إلا تجسيد للإدارة الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، الواردة في الرسالة السامية الموجهة بتاريخ 19 نونبر 2007 للمشاركين في الندوة الدولية حول مستقبل العدالة في القرن الحادي والعشرين، التي نظمها المجلس الأعلى بمناسبة الذكرى الخمسينية لتأسيسه، والتي جاء فيها: (غايتنا المثلى أن يظل المجلس إسما على مسمى، قمة شامخة لصرح قضاء مستقل ونزيه، ومنارة مُشعِّة للاجتهاد المواكب للمستجدات، داعين أسرته الموقرة، لمضاعفة جهودها الموفقة، لجعله قاطرة لهذا الإصلاح المنشود، من أجل تحقيق المزيد من التحديث والعصرنة، والتوثيق والشفافية والانفتاح، في التزام دائم بسيادة لقانون، ومساواة كل المواطنين أمامه) انتهى النطق الملكي الكريم. ولأداء رسالته النبيلة والنهوض بمهامها الجسيمة، فإن هاته المؤسسة العتيدة مافتئت منذ نشأتها، باعتبارها جهازا مؤتمنا على تحقيق العدل والإنصاف، تولي بالغ العناية للارتقاء بمستوى العدالة وتحسين مردودية الجهاز القضائي عن طريق حرصها على التكوين والتكوين المستمر لرجالاته، مساهمة بنشرها للمتواتر من اجتهادها، في تنمية وإغناء مداركهم العلمية والمهنية، وتأهيلهم بشكل يعزز قدراتهم على مواجهة الإشكالات القانونية التي تعترضهم بمناسبة البت في النازعات المعروضة عليهم. وهو ما كان محل ثناء من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، إذ جاء في رسالته السامية المشار إليها آنفا: ( ونود التنويه بما قام به المجلس الأعلى من إصدار العديد من المجلدات، وذلك بمختلف اللغات، فضلا عن نشره لأهم أحكامه، وكذا للقرارات التي تهم المغرب، الصادرة عن بعض المحاكم العليا الأجنبية، بالإضافة إلى الأحكام المتعلقة بمجلس الاستئناف الشرعي الأعلى. ومما لاريب فيه أن هذه الأعمال الجليلة والمتعددة المقاصد تقدم صورة متكاملة عن مسار العدالة في المغرب، وتعتبر مرجعا ثمينا لكل رجال ونساء القضاء والقانون، ولكل باحث عن الاجتهاد القضائي في مجال معين) انتهى النطق الملكي الكريم. وسيرا على نفس النهج، فقد أبى المجلس الأعلى إلا أن يعزز إصداراته القضائية بإهدائه لأسرة العدالة وكافة المتهمين بنشرة متخصصة تسمى (نشرة قرارات المجلس الأعلى) تعنى بنشر أحداث اجتهاداته بحسب اختصاصات كل غرفة، تصدر بصفة دورية ومنتظمة، معتمدة مقاربة حديثة تعتمد التنسيق والتواصل سواء بالنسبة للهيئة العلمية المحدثة أو في طريقة نشر الاجتهاد القضائي بربطه من جهة بالنص القانوني العامل في الاجتهاد، ومن جهة ثانية بقرارات قضائية سابقة، وباعتماده على فهرسة موضوعاتية تتضمن لائحة بكلمات المفاتيح مرتبة ومحصورة قابلة للتحيين عند الاقتضاء بداية كل سنة تيسيرا للبحث في الاجتهاد القضائي وتوثيقه بشكل أفضل، مع الإشارة إلى أنه لاعتبارات تتعلق بوحدة الفهرسة سيضم العدد الأول - بصفة استثنائية - القرارات الصادرة عن الغرف الخمس ذات الاختصاص المدني بمفهومه الواسع، وسيعقبه عدد خاص بقرارات الغرفة الجنائية ليكتمل التصور الذي تم تدشينه بمقتضى هذا الإصدار. ولايسعنا ختاما، إلا أن نعرب عن أملنا في أن تحقق هذه النشرة الغاية المنشودة منها كأداة لنشر الثقافة القانونية ووسيلة لتسهيل تداول المعلومة القضائية، ومرصدا لتطور العمل القضائي من طرف الباحثين ومختلف الفاعلين في هذا المجال، حتى تشكل لبنة جديدة في ترسيخ دولة الحق والقانون تتعزز بها مكانة المجلس الأعلى الذي خصه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده بموفور الرعاية وموصول العطف وسابغ العناية جريا على هدي ملوك الدولة العلوية الشريفة من تكريم للقضاء ورجالاته وإعلاء لشأنه ورفعته. إن العزم على الاستمرارية في إعداد أجزاء لاحقة متخصصة آخذ طريقه، فما لبث المجلس الأعلى منذ تأسيسه لغاية كتابة هذه السطور يشحذ همة رجال القانون بالاجتهاد والابتكار. ومن حسن رجال القانون أن تكون مساحة التأليف لدى المجلس الأعلى شاسعة وأرضية إصداراته خصبة ولادة. هنيئا للمجلس الأعلى بمولوده الجديد وفي انتظار العدد الجديد وفق الله القائمين على هذا العمل.