دافعت بقناعة، في مقالات سابقة، عن ضرورة وضع الثقة في إطار تقني مغربي لقيادة المنتخب الوطني لكرة القدم، و اعتبرت أن اختيار وليد الركراكي، بالضبط، رهان رابح بالنظر لما للرجل من إمكانيات تقنية وتجربة محترمة، وما له من قدرة على تحميس اللاعبين وجعلهم يلعبون كرة القدم بثقة و قتالية أكبر. ولم أشك يوما في أن تحمل الركراكي للمسؤولية، سيكون بداية عهد جديد نقطع به مع ما كنا ننتقده من تغييب لاعبي البطولة الوطنية، وتهميش لاعبين دوليين متميزين، بإرادة من "وحيد زمانه" الذي استغنى عنهم بعناد مفرط ودون سبب موضوعي. لذلك، سرني تعيين وليد الركراكي لتدريب المنتخب الأول، واستبشرت خيرا بمبادرته إلى دعوة أسماء كانت من المغضوب عليها في العهد السابق، واستحسنت تركيزه على حب الراية الوطنية و على الاستحقاق التقني كمعايير للانضمام إلى المنتخب، وأن كل لاعب مغربي يستحق تقنيا حمل القميص الوطني، ستتم الاستعانة به.
ومؤخرا، ثمنت الموقف الأخلاقي الرصين للمدرب الوطني تجاه اللاعب النصيري، باعتبار هذا الأخير "ولدنا و خاص نوقفو معه و نعاونوه في هذه المرحلة الصعبة من مساره التقني، الذي يعيش فيه تراجعا كبيرا ...!"، ولو أنني لا أتفق مع تعهد الركراكي بإشراك النصيري في المجموعة التي ستذهب إلى قطر، دون انتظار توفر شرط الاستحقاق و تحسن مستوى اللاعب.
في هذا السياق، كنت أتمنى أن يشمل الجو التصالحي الذي أرساه المدرب الوطني، لاعبا آخر هو، أيضا، "ولدنا و خاص نوقفو معه!"، اسمه عبد الرزاق حمد الله. لكن، للأسف، إلى حدود الساعة، لم يحصل شيء من ذلك. بل، على العكس، عدد من الأصوات تخصصت في محاولة نسف صورة اللاعب والترويج لاتهامات ضده مفادها أن لديه "أنا متضخمة"، و "غرور زائد"، و "مشاكل في التواصل" تجعله غير قابل للاندماج في الفريق الوطني.
من دون شك، تلك الصفات، إن وجدت في أي لاعب، لن تساعد على بناء فريق منسجم و متضامن. لكن، المريب في الحالة التي بين أيدينا، هو أن النقاش تحول من التقييم الموضوعي لمدى توفر اللاعب على مستوى تقني يؤهله للمنتخب، إلى ما يشبه ورشة للتشخيص النفسي، فتحتها في الإعلام و مواقع التواصل الاجتماعي، أقلية من منتحلي صفة الأطباء النفسانيين، أسرفوا في الحديث بشكل تسفيهي غير مقبول في حق شاب مغربي، كل من يعرفونه و يتعاملون معه يؤكدون أنه بعيد عن الصفات التي يحاول البعض إلصاقها به، سواء في عمله بفريقه السعودي الحالي، أو في الحياة العامة حيث يعيش اللاعب و يتصرف بأخلاق عالية و بتواضع و رقي في اهتماماته الإنسانية.
شخصيا، أنزه السيد فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، و المدرب وليد الركراكي، عن أن يكونا، بشكل مباشر، مسؤولين عن التعاطي مع عبد الرزاق حمد الله، بشكل قاسي و الحديث عنه بما لا يحبه أي منا. و أميل، بالمقابل، إلى الاعتقاد أن ما يجري وراءه بعض هواة "الغنان"، الغارقين في هوس الانتفاع الشخصي من المنتخب الأول، و يريدون تأديب عبد الرزاق حمد الله عبر حرمانه من المشاركة في كأس العالم المقبل، بسبب ما صدر عنه، في سياق سابق، من تصرف غاضب و سلوك انفعالي، أعتبره غير مقبول و غير احترافي، لكن ذلك بالتأكيد لا يستوجب الحكم بالإعدام على لاعب موهوب و متميز، عبر إبعاده نهائيا من المنتخب، في أفق كأس عالم قد تكون الأخيرة في مساره الكروي.
لأجل مصلحة المنتخب الوطني الذي يحتاج إلى رأس حربة في خط الهجوم كي تكتمل فعاليته، آمل أن تنتصر الحكمة على "اللعب الصغير"، وأن يحضى حمد الله بحقه في نفس وصفة المواكبة النفسية التي يريد الركراكي تطبيقها مع النصيري، لأن حمد الله هو، أيضا، "ولدنا وخاصنا نعاونوه" لكي يصحح ما يستوجب التصحيح في سلوكه، ويندمج بشكل إيجابي في المنتخب حتى تتقوى حظوظ فريقنا الوطني ليظهر بشكل متكامل وتنافسي.
فهل يفعلها الثنائي لقجع والركراكي، ويعيدوا ولدنا حمد الله حتى تترسخ ثقة الجمهور الرياضي في أن معايير المرحلة الحالية لبناء مجد كرة القدم الوطنية، هي الاستحقاق وحب الراية...؟؟ بكل التقدير الذي أحمله للرجلين، وثقتي في ما يميزهما من روح المسؤولية والغيرة الوطنية، أتطلع إلى سماع خبر جميل يعزز التفاؤل بشأن المنتخب وحظوظ تميزه المتاح في قطر 2022، وفي ما بعد قطر...!