عاد موضوع الحجاب مؤخرا، إلى واجهة الجدل الإعلامي والسياسي في إسبانيا بعد مصادقة حكومة الوزير الأول خوصي لويس رودريغيز زباطيرو مؤخرا على مرسوم يمنع تثبيت صور النساء المحجبات على بطاقتي الهوية والإقامة. يشير المرسوم الجديد الذي يعد الأول من نوعه بدولة منتمية إلى الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة وضع صور تكشف عن الشعر والوجه بشكل كامل، ويمنع ارتداء الوشاح أو الحجاب أثناء أخذ الصور المخصصة لبطاقات التعريف أو الإقامة. ويأتي صدور هذا المرسوم عقب وقوع حادثتين شهدتهما مدينتين إسبانيتين خلال الأسابيع الأخيرة، الأولى بالعاصمة الإسبانية مدريد وبالضبط بالمحكمة الوطنية الاسبانية، إذ أقدم القاضي الاسباني «خافيير كوميز برموديث» الذي ترأس جلسة محاكمة المتهمين في تفجيرات محطة القطارات بمدريد (مارس 2004) على طرد المحامية المغربية الحاملة للجنسية الإسبانية زبيدة بريق الدين (39 سنة وحاصلة على إجازة في الحقوق من جامعة محمد الخامس بالرباط وتابعت دروسا تكميلية في جامعة كومبولتينسي بمدريد سنة 1994، من أجل الحصول على إجازة مطابقة وتسمح لها بممارسة مهنة المحاماة، وتمكنت من فتح مكتب لها بمدينة خيطافي ضواحي مدريد) من قاعة الجلسات حيث كانت تؤازر الى جانب زميل لها أحد المتابعين في قضايا الارهاب بذريعة ارتدائها للحجاب. وقررت المحامية متابعة القاضي بالمجلس العام للسلطة القضائية. وتقدمت بشكاية الى مصلحة التفتيش التابعة للمجلس العام للقضاء بإسبانيا ضد القاضي برموديث، كما قدمت طلبا الى مجلس الإدارة للمحكمة الوطنية الاسبانية قصد إلغاء قرار طردها من الجلسة. واستغربت المحامية لتصرف القاضي الاسباني واتهمته بالميز والشطط في استعمال السلطة. وجاء في تعليل دعوى المحامية الاسبانية المغربية المسجلة لدى محكمة القضاة بإسبانيا أن تصرف القاضي المذكور يتنافى مع روح القانون الاسباني الذي لا يفرض على الأشخاص ارتداء أزياء معينة. وبخصوص التداعيات السياسية للحادث في إسبانيا، كانت أولاها قد صدرت من وزير العدل الاسباني (ماريانو فرنانديز برميخو)، الذي أبدى في تعليق له على الواقعة دعمه لتصرف قاضي المحكمة الوطنية، حيث وصف قرار برموديز بطرد المحامية المحجبة بكونه فعلا مطابقا للقانون. ومن جهتها انتقدت بشدة جمعية المحامين الاسبان التي ساندت المحامية زبيدة في رفع شكايتها ضد القاضي برموديز ووصفت موقف وزير العدل الاسباني بغير المسؤول وأكدت في بيان لها تداولته وسائل الإعلام الاسبانية أن تصريحات وزير العدل هي دعوة الى تجريم المحاميات المسلمات اللواتي يمارسن مهنة المحاماة في إسبانيا وطالبت جمعية المحامين الاسبان في البيان الصحافي ذاته باستقالة وزير العدل بسبب عدم انسجامه وكفاءته ودعوته الى الإساءة الى المرأة المسلمة والى حقها في ممارسة المحاماة في إسبانيا. وفي شأن ذي صلة بالحجاب تناقلت وسائل الإعلام الاسبانية المختلفة حادث الشجار العادي الذي وقع بين مغربية ومواطنة إسبانية بإقليم سيوداد ريال، حيث أقدمت مواطنة اسبانية على اتهام مهاجرة مغربية ترتدي الحجاب بمهاجمتها، وقد تحول هذا الحادث الى أبرز عناوين الصحف ووسائل الإعلام الاسبانية التي قامت بالهجوم على أفراد الجالية المسلمة، وذكرت بالتهديد الذي تشكله مثل هذه الفئات بالنسبة لاستقرار المجتمع، لكن تبين في ما بعد أن الحجاب لم يكن له علاقة بالحادث على الإطلاق، كما أظهرت ذلك معلومات أوردتها بعض وسائل الإعلام الاسبانية خاصة صحيفة «إل ديا دي سيوداد» نقلا عن محاضر الشرطة الإسبانية. والملاحظ أن وسائل الإعلام الاسبانية المختلفة تشن هذه الأيام حملات مغرضة ضد الدين الاسلامي والمسلمين، حيث تقوم بصياغة مقالات وتقارير صحفية مجانبة للواقع وللحقيقة، وتحذر من انتشار التطرف الإسلامي في إسبانيا ومؤكدة على صعوبة إدماج الجالية المسلمة في المجتمع الاسباني. ومع بروز هذه المعطيات الجديدة التي تداولتها وسائل الإعلام الاسبانية المكتوبة والالكترونية والمسموعة والمرئية يظل الضحايا الحقيقيون لظلم الإعلام الاسباني هم أفراد الجالية المسلمة بإسبانيا الذين يصل عددهم حسب آخر الإحصائيات الرسمية الاسبانية إلى أزيد من مليون شخص يشكل منهم المغاربة نسبة 80 في المائة. وارتفع عدد المسلمين بإسبانيا من 525 ألف نسمة سنة 2003 إلى مليون و 310 ألف و 148 مسلما سنة 2008 لتنتقل بذلك النسبة العامة من 1.21 بالمائة سنة 2003 إلى 2.8 بالمائة سنة 2008. وحسب دراسة أنجزت من طرف وكالة الحقوق الأساسية التابعة للاتحاد الأوروبي فإن 40 في المائة من المسلمين الذين يعيشون داخل إسبانيا أكدوا تعرضهم للتمييز والعنصرية، وأنهم يعانون من الإقصاء. ولعل هذه النسبة المسجلة تعد جد مرتفعة مقارنة مع باقي دول الإتحاد الأوروبي، حيث لا تتجاوز النسبة المتوسطة 10 بالمائة.