للمغاربة باع طويل في علوم الحديث، وخاصة علم الرّجال، ولاشك أنّ تحقيق التراث العلمي المغربي في هذا المجال النّفيس يبرز مدى خدمتهم للسنّة الشريفة، وقد اختارت الأستاذة حنان الحدّاد دراسة وتحقيق مصنّف مهمّ من المصنّفات الأندلسية كان له ولايزال بالغ الأثر في الدراسات الحديثية لاتصاله بعلم من أعلام المغرب (الأندلس) هو الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ في كتابه »الاستيعاب« أما المصنّف الذي اتصل به والذي بذلت حنان حدّاد جهداً حميداً مشكوراً في دراسته وتحقيقه فهو »الاستدراك على الاستيعاب« للحافظ أبي إسحاق إبراهيم الطليطلي المعروف بابن الأمين (489 ه 544ه ) رواية أبي القاسم ابن بشكوال مع زياداته. وقد نقل عن هذا الذيل وأصله كثير من المشارقة. والكتاب في جزءين، اعتنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بإخراجه إلى القرّاء في حلّة جميلة. وحددت الأستاذة حنان حدّاد بعض البواعث التي دفعتها إلى اختيار هذا الموضوع في قولها »شغفي بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، والتي يعتبر الصحابة رجال عصر المبعث، وشهود أحداثه أهم مرجع فيها. * الرغبة في الإسهام بالدراسة والتحقيق والنشر للتراث الإسلامي عامة، والأندلس خاصة، وهذا أقل ما يفرضه علينا الواجب اتجاه هذا التراث الذي فيه بناؤنا الذاتي والفكري، والذي هو جزء من حضارتنا الإسلامية المجيدة، وفي تحقيقه وتوثيقه وإخراجه إلى الوجود ربط للحاضر بالماضي، واستحضار للأصالة والحضارة والتاريخ. * أهمية شخصية ابن عبد البر العلمية، ومكانته بين علماء المشرق والمغرب، وما خلفه من إنتاج فكري خصب، غزير الفائدة خاصة كتابه في الصحابة الذي طبقت شهرته الآفاق، ولا يكاد يخلو معجم من معاجم الشيوخ من القرن الخامس الهجري إلى القرن الثاني عشر من النقول عنه. * إضافة أثر من الآثار الأندلسية في علم السيرة النبوية، خاصة إذا علمنا أن كتاب ابن الأمين هو الأثر الوحيد الذي احتفظ لنا به التاريخ، والذي يبرز لنا مدى مساهمة المغاربة في علم الرجال عامة، وعلم الصحابة بها خاصة«. تناولت الباحثة في مقدمة هذا الكتاب موضوع البحث، وأهدافه ومنهجه، والصعوبات التي واجهتها، والشكر لكل من آزرها في هذا البحث. وأما الباب الأوّل فقد قسمته إلى أربعة فصول: تحدثت في الفصل الأوّل عن حياة ابن الأمين: اسمه ونسبه ومولده وأسرته ونشأته وشيوخه وتلامذته ومكانته العلمية والثناء عليه ومؤلفاته ثم وفاته. وخصصت الفصل الثاني للحديث عن كتاب الاستيعاب لابن عبد البر، فأبرزت أهميته في مجال التصنيف في الصحابة، ومنهج مؤلفه، ثم تطرقت للكلام على المستدركات عليه مقتصرة على الأندلسية منها دون المشرقية، مراعية في ذلك التسلسل الزمني من أجل إدراك مازاده اللاحق عن السابق. وأفردت الفصل الثالث لدراسة المخطوط فتناولت في مباحثه وصف الكتاب ودراسته، وفيه تحدثت عن توثيق نسبة الكتاب إلى صاحبه، ثم منهج المؤلف في الكتاب، وأهميته وإشعاعه في القرن السادس وما بعده، ومصادره فيه، وأوهام ابن الأمين التي نبه عليها العلماء، ووصف المخطوطة. وفي الفصل الرابع بينت المتبع المتتبع في تقديم كتاب الاستدراك، وتحقيقه، ودراسته، وتخريج أحاديثه. وأما الباب الثاني فقد ضم النص المحقق مرتبا على حروف الهجاء. وأداء للأمانة العلمية فقد أعقبت التحقيق بذكر الطرر الواردة في المخطوطة، وعملت ملحقا باستدراك ابن الأمين للصحابة الذين لم يأت ذكرهم في النسخة المحققة وذكرهم العلماء. ثم ذيلت ذلك بخاتمة أوجزت فيها ما خرج به هذا العمل من نتائج. إنّه مجهود علمي مشرّفٌ للمرأة المغربية المعتزّة بتراث أمّتها العلمي والحضاري، والسّاعية إلى استلهام عطاءاته في الحياة المعاصرة، والاستفادة منها في معركة البناء والتأصيل والتّنمية.