لهذه الأسباب.. أجهزة الجنرال توفيق تتصدر قائمة المشتبهين بترويج رسالة خطيرة المحتوى والتداعيات الدبلوماسية بتوقيع الرئيس التونسي قيس سعيد في غفلة من أعين أجهزة الأمن والاستعلام التونسية المرهقة بتدبير وامتصاص الغضب الاجتماعي وجرعات الاحتقان السياسي المتراكمة بتونس, و في غمرة حرب التموقعات والتموقعات المضادة ما بين حلف روسيا ونظيره الغربي الرافض لاجتياح الدب الروسي التراب الأوكراني , تسربت إلى مواقع التواصل الاجتماعي صورة لرسالة خطية ممهورة بتوقيع الرئيس التونسي قيس سعيد موجهة الى نظيره الجزائري عبد المجيد تبون يلتمس من خلالها قيس وساطة تبون لدى روسيا لإنجاح مسعى الرئيس التونسي لإبرام تحالف جديد مع موسكو بعد أن ضاق درعا بالولايات المتحدةالأمريكية التي انتقدها بشدة واتهمها بابتزاز تونس والضغط عليها الى حدود اكراهها على التصويت مؤخرا ضد روسيا بمجلس الامن .
الرئاسة التونسية سارعت الى التبرؤ من الرسالة والدعوة إلى فتح تحقيق في «تزوير وثائق رسمية» تتعلق بالأمن القومي للبلاد , فيما انبرى أنصار الرئيس التونسي للتنديد بتدليس الرسالة « المزعومة» ونسبها الى قيس واصفين الخطوة بأنها محاولة فاشلة من أطراف سياسية معارضة على غرار حركة النهضة لخلق فتنة بين تونس والجزائر وإحداث بلبلة في العلاقات الدولية لتونس .
بغض النظر عن صحة أو زور الرسالة الحدث , فإن توقيت تسريبها وارتداداتها الدبلوماسية والسياسية المحتملة وخاصة الإقليمية منها والدولية يخرجها من سياقها التونسي المحض ويفتح خلفياتها و أهداف الجهة أو الأطراف التي يفترض أنها تستفيد من إحراج الرئاسة التونسية و الإمعان في لخبطة أوراقها الداخلية و الخارجية في سياقات داخلية , إقليمية ودولية فائقة التعقيد .
من الواضح أن العبث بمسائل الأمن القومي لتونس والمغامرة بتعريضه لانتكاسة مؤكدة، لن يستهوي بالمرة المعارضة السياسية التونسية في شخص التيار « الإسلامي « الذي ذاق حلاوة السلطة ويعي جدا مخاطر تقويض مؤسسات الدولة وعلى رأسها رئاسة الجمهورية بغض النظر عن حجم الخلافات الثنائية وما خلفته من أجواء الاحتقان الداخلي .
حركة الغنوشي ورغم كل العداء السياسي الذي تعلنه لنظام قيس سعيد و تسمه بالاستبداد، فإنها ما زالت تعتبر نفسها عامل استقرار للبلاد وتنادي بالحوار الوطني الشامل كمخرج للأزمة التونسية مع استعداد قيادة النهضة لتقديم التنازلات السياسية مهما كانت موجعة من أجل إنقاذ البلاد .
لا يمكن تصور طرف داخل حدود تونس يدلس رسالة باسم رئيس البلاد بمحتوى شديد الحساسية والخطورة ويروجها لمجرد المتعة السياسية العابرة أوالمغانم الانتخابية غير المؤكدة...
الراجح والأقرب الى العقل و المنطق أن جهة خارجية هي من سربت الرسالة المخطوطة، و قد تكون قد تعمدت قبل ذلك صياغتها مع تبخيس مبالغ فيه لكاريزما رئيس دولة متخصص في الفقه الدستوري، مما ينزهه نظريا عن الوقوع في فخ توقيع رسالة بهذا الحجم من المخاطر و المغامرات .
بهذه الاعتبارات ستضيق قائمة المشتبهين بالجرم المشهود و ستتأكد أهدافهم و مساعيهم من وراء تسريب المخطوط، و هي لي ذراع الرئيس التونسي وتقليص هوامش تحركه السياسي والدبلوماسي بشكل مدروس مسبقا وإحراجه داخليا و خارجيا وإضعاف إرادته ستخور قوة صموده ولن يجد مفرا من الارتماء في أحضان نظام يحميه و يضمن استمرارمساره السياسي .
بمنطق الأشياء ولأن سلوكيات الاستبداد المنسوبة للرئيس قيس الذي عطل الحياة السياسية و الديمقراطية بتونس و ألغى سلطات التشريع و القضاء و الحكومة في بلاده تحيله الى فريسة سهلة في أنياب أجندات إقليمية معروفة المقاصد , لا يمكن تصور و الاعتقاد الجازم بأن الطرف المستفيد من الانهيار المعنوي للرئيس التونسي لن يكون إلا أجهزة مخابرات الجارة الغربية لتونس، التي تكون على الأرجح قد توجست من نوايا الرئاسة التونسية و اقتناعها بضرورة الكف عن الاصطفاف المجاني وراء أجندات قصر المرادية والارتماء الأعمى في أحضان نظام معزول لا يقدم لتونس إلا كمبيالات بآجال تسديد محسومة و هدايا ملغومة بأهداف تسيء لمصالح تونس وتضر بمستقبلها المنظور و تزيد من تعقيد أوضاعها الاقتصادية والسياسية الداخلية.
تسريب الرسالة المنسوبة للرئيس قيس هو في واقع الأمر رسالة موجهة إليه شخصيا مفادها أنه مقيد بالتزامات وعهود لا يمكنه تجاوزها أو الاجتهاد في التملص منها، و أنه نتاج قدرة و إرادة جهة صنعته و تحميه و قادرة أن تلغيه و تتخلص منه متى فكر في مجرد التنكر لليد التي انعشت خزينة بلاده في وقت الشدة المالية بشيك ثخين بمبلغ 300 مليون دولار .
في نظركم من يستطيع أن يغامر بمناورة استخباراتية بهذه الجرأة و القذارة , غير الأجهزة المعلومة للجنرال توفيق...؟؟