إن الذاكرة الشعبية الجماعية للقبائل الخباشية ما زالت محتفظة بالكثير من الأشعار الأمازيغية التي تم نظمها بعد حدوث هذه المعركة التاريخية: تلا تين ميمون توكرما يداك الان ما ونا ورد إدين الجنة أكني السلان وهو ما يعني بالعربية: تيميمون هي أم المعارك السالفة يا نساء اندبن العائدين أما الباقون(الشهداء) فهم في الجنة خالدون. هذا التحرك القبلي ضد المستعمر، طاول أيضا ضواحي ف?ي?؛ إذ بدأت القبائل هناك تغار على الفرنسيين وتستهدف مصالحهم؛ كتخريب خطوط السكة الحديدية، والسطو على المواشي، ومهاجمة المتواطئين مع العدو؛ حيث استولت في خريف عام 1900م على ما يزيد عن 1000 رأس من الإبل، وقتلت عددا من العساكر الفرنسيين، مما أثار تخوف المخزن من هذه الأحداث فازداد قلقه واضطرابه(i). الغريب في الأمر هو أن قناصل الدول الأجنبية تلقوا هذه الأحداث بدم بارد؛ كما يظهر ذلك من خلال الرسالة التي بعث بها الإنجليزي ماك ليود من فاس إلى مفوض بلاده في طنجة السيد نيكولسن يخبره فيها بتوصله بمعلومات مؤكدة عن وقوع اشتباكات خطيرة بين القوات الفرنسية والقبائل المجاورة لتافيلالت؛ لكن الممثل البريطاني اعتبر ذلك من قبيل تحصيل الحاصل، ولا جدوى من ورائه(ii)؛ بحجة أن المخزن المغربي يهدف من وراء تلك العمليات إلى التخفيف من روعة القبائل، وتسكين هيعتها وفورتها، كما يظهر من الرسالة التي بعثها عميد السلك الدبلوماسي الأجنبي في طنجة، السيد نيكولسن، إلى وزير خارجية بلاده في لندن بتاريخ 28 يوليوز 1900م، بين فيها» أن القبائل المجاورة لتافيلالت لم تقم بأي أعمال عدوانية تذكر ضد الفرنسيين»(iii). وفي المقابل كان الحاج محمد الطريس، النائب السلطاني في مدينة البوغاز، يتلقى الرسائل من فاس ومراكش، سواء من قبل السلطان أو من بعض الوزراء، لحثه على إرسال سفراء إلى عواصم الدول الأوربية؛ كبريطانيا، وألمانيا، وروسيا القيصرية، بهدف فضح الأعمال الفرنسية جنوب شرق المغرب، ومطالبة هذه الدول بالتدخل لوضع محاددة جديدة ما بين المغرب والجزائر(iv)، كما أن النائب السلطاني سارع إلى تقديم الحجج والأدلة اللازمة للقناصل الأجانب ليثبت مغربية تلك الأصقاع، بإحالتهم على اتفاقية للا مغنية 1845م/1262ه بين المغرب وفرنسا، والتي نصت على بقاء الحدود بين المغرب والجزائر كما كانت قبل تدخل الفرنسيين في القطر الجزائري 1830م/1246ه، ، إضافة إلى ما أقرته فرنسا بعد تسوية الحدود بين الجانبين عام 1848م/1265ه؛ حيث «نشرت خريطة رسمية فوضعت فيها توات داخل التراب المغربي»(v)، كما أن السلطان نفسه كان يعتقد أن بريطانيا بلد صديق ويمكن الاعتماد عليه لتجنب السقوط في القبضة الفرنسية، فكلف القائد الإنجليزي ماكلين بمراكش أن يوصل رسالة سلطانية إلى المفوض الإنجليزي بطنجة السيد نيكولسن ليوجهها هو أيضا إلى الملكة فكتوريا في شأن مساعدة المغرب للخروج من محنته، وبعد ما توصلت الملكة بهذه الرسالة وهي تقضي عطلتها الصيفية (سنة 1900م) في جنوب بلاد الغال بقصرها المفضل بالمورال( Palmoral) أمرت برسالة جوابية مقتضبة إلى السلطان أشارت فيها إلى عزم حكومتها على الاهتمام بوحدة الأراضي المغربية؛ لكن دون أن تعده بحلول عمليةvi. كل هذه الإجراءات لم تُجْدِ نفعا، وما حررت أرضا، ولا أوقفت زحفا؛ حيث التعويل على الأسلوب السلمي والتفاوضي والدبلوماسي لم ينفع في حل مشاكل المغرب مع الفرنسيين، واقتصر الأمر على محاولة فرملة الهيجان القبلي ضد النصارى، خوفا من الانتقادات الخارجية، واتخاذ فرنسا ذلك ذرائع لمزيد من التوغلات والاحتلالات، فكانت الرسائل السلطانية ترد تباعا على تافيلالت، حاثة الخليفة السلطاني مولاي رشيد على الحيلولة دون حدوث اصطدامات جديدة بين الفرنسيين والمغاربة(vii). i - ، م.س. ص.455 ii - خالد بن الصغير. ص.455. iii - نفسه، ص.468. iv - تلقى الحاج محمد الطريس رسالة من السلطان حول موضوع توات مؤرخة بعام 1318ه (1900م ) يطلب منه فيها بالتعجيل في الاتصال بالقناصل الأجانب لفضح السياسة التوسعية الفرنسية على حساب المغرب. انظر نص الرسالة كاملا عند الأستاذ محمد المنوني ، مظاهر يقظة المغرب الحديث، ج.2، م.س. ص.18-19. ماحق رقم 2. كما تلقى أيضا رسالة مطولة من السلطان عبد العزيز مؤرخة بفاتح ربيع الثاني1318ه، تبين استراتيجية المخزن المركزي وحيرته في قضية توات، أمام اندهاشه للموقف الأوربي مما تفعله فرنسا شرق المغرب. هذه الرسالة أوردها محمد المنوني في المرجع السالف، ص.18-19. انظر نصها كاملا في الملحق رقم 3. v - نفسه، ص.466. vi - انظر خالد بن الصغير، بريطانيا وإشكالية الإصلاح في المغرب 1886-1904، الرباط، ط.1، 2003. ص.470-475. vii - من هذه الرسالة المعبرة عن الموقف الرسمي إزاء تحركات أهل المنطقة للدفاع عن إقليم توات واسترجاع ما أخذه النصارى، نورد الرسالة التالية التي بعثها المدني عبد الله المزواري إلى مولاي عبد العزيز. « الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله بعد تقبيل حاشية بساط سيدنا ومولانا الشريف، وأداء ما يناسب المقام العالي من التعظيم والتشريف، ينهى لشريف علم سيدنا ?أيده الله ورفع قدره-أن كتاب مولانا ?أسماه الله- وصلنا مضمنه، فبعد ما اطلعنا علم مولانا الشريف بالطائفة من الفرسان التي وجهناها لرد إخوانهم، آيت عطة وبني محمد الذين توجهوا لناحية توات، وأصدر لنا مولانا جوابه الشريف عن ذلك في غيره بما فيه كفاية: تجددت أخبار متواترة بالواقعة الشنعاء التي وقعت بتميمون من طرف بلاد توات بين آيت عطة وبني محمد: مع النصارى. وحيث لم يرد إعلام منا بشيء مما ذكر للأعتاب الشريفة: طير لنا سيدنا ومولانا الكتب بما بلغ لحضرته العالية بالله، لنعجل بشرح الواقع وبما آل إليه الأمر في ذلك، ونقوم على ساق الجد في رد من عسى أن يتشوف لشيء من هذا التهور الذي لا يجر إلا العطب، ونجعل ذلك ?سيدي ? من أهم المهمات، حتى يظهر من سيدنا ما يكون عليه العمل. فلينه لشريف علم سيدنا ?متعنا الله بطول حياته- أننا بنفس مجرد سمعنا هذه الواقعة طيرنا الإعلام لسيدنا المنصور بالله بما تحقق لدينا في ذلك، ووجهنا المكاتب صحبة المخزنيين اللذين كانا توجها لرد المذكورين، بقصد الإعلام بما شاهداه مشافهة. وهذا ما وجب به إعلام سيدنا، وعلى الخدمة والسمع والطاعة، والسلام. في 10حجة من عام 1318ه الخديم المدني بن عبد الله المزوار أمنه الله» أورد هذه الرسالة محمد المنوني، مظاهر يقظة المغرب الحديث، ج2، م.س. ص.16.