في الذكرى المئوية الرابعة لطرد الموريسكيين من اسبانيا (2009/1609)، نظم معهد الدراسات الاسبانية البرتغالية بالرباط يومي 28 و 29 أكتوبر 2009، ندوة دولية، تحت عنوان »الموريسكيون وتراثهم: بين الأمس واليوم« بتنسيق مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالدارالبيضاء، وبمشاركة خبراء دوليين من فرنساواسبانيا والبرتغال وبريطانيا والمغرب. حيث سلطوا الضوء على محطة تاريخية مهمة، وهي الفترة التي تمت فيها مراسيم الطرد والتهجير للموريسكيين، تحت رجال الدين وإذعانا لأرباب السياسة، وفي وقت كانت العائلة الحاكمة في اسبانيا تتخبط في دياجير سياسية قاتمة، ودوامات اقتصادية ودينية، فرأى فيليب الثالث ملك إسبانيا في قرار الطرد طوق نجاة وحلا لتلك الأزمات، وخصوصا أن الموريسكيين أصبحوا يشكلون في نظر الأغلبية تهديدا، بل طابورا خامسا مقاوما »ومتآمرا مع الأتراك«، آملا في تأسيس »جمهورية أندلسية« مستقلة بالمغرب، ورافضا لأي إندماج ديني واجتماعي، ومتصديا للاستيلاب الثقافي القائم آنذاك، فتحولت محنة الموريسكيين إلى قضية ظلت متاهاتها مرتبطة بها آلت إليه الأوضاع العامة المضعضعة والمركبة. وفي تصريح للعلم قالت »فاتحة بنلباه« رئيسة معهد الدراسات الاسبانية البرتغالية »أن الهدف من هذه الندوة الدولية هو إحياء الذكرى المئوية الرابعة لطرد الموريسكيين من اسبانيا مع فتح نافذة على تاريخ وحياة وتراث الاندلسيين الموريسكيين، متطلعين في ذلك إلى ضفاف أخرى مرحبين برؤى وآراء مختلفة، محتضنين أفكارا وطروحات حول القضية الموريسكية وأبعادها. وأيضا، فهذه الندوة ستكون صلة وصل بين المؤرخين والباحثين، والمختصين في مجالات الدراسات الموريسكية وفضاء للنقاش والحوار من أجل إعطاء نظرة أخرى وجديدة على التاريخ الموريسكي، مع سبر أغوار حياتهم الدينية وأوضاعهم الاقتصادية وخصوصياتهم الثقافية«. وعلى هذا الأساس حاول الباحث المغربي عبدالمجيد قدوري إحياء الذاكرة المجروحة، وذلك في شكلها الايجابي ، وطالب بتغيير العقليات وقسم مداخلته الى مرحلتين، الأولى عندما كان الأندلس مسلما، والثانية عبر عنها بالمواجهة بين الدين الاسلامي والكاتوليكية، ثم عرج على كيفية احتضان مدينة فاس للمطرودين، وكيف تشكل صراعهم مع السلطة المركزية والمحلية خلال ثلاثة سلاطين (المولى اسماعيل، سيدي محمد بن عبدالله مولاي عبد الحفيظ) . وانتقل الخبير الفرنسي »برنار فانسان« الى الحديث عن الفرد والجماعة بالنسبة للموريسكيين، وحاول النبش عن سر التضامن العائلي بينهم، كما عمق النقاش الاسباني ميكييل أنخيل دي بونس آبارا في نفس السياق دور الفرد والجماعة وكيف تدخلت السلطة الاسبانية في التعامل معهم فردا فردا، بينما الاتهامات كانت جماعية، أما الانجليزي »تريفور دادسون« فصوب نقاشه حول المقاومة الموريسكية، فرغم ضعفها يقول إلا أنها حاولت إبطاء عملية الطرد، وتليين الأحكام، إلا أن »رفاييل بينادو سانتاييا« تطرق الى أسباب الطرد الذي رجح أحدهما هو التهديد المحتمل للمغرب لإسبانيا، والذي كان مبررا كافيا لطرد الموريسكيين. وذلك ببحث مستفيض عن هذا التهديد المغربي لدعم الموريسك في عهد المولى زيدان ببناء جسر من القوارب للعبور الى اسبانيا، وخاصة في الهدنة التي كانت بين المغرب وهولندا. أما البرتغالية ماريا فلومينا لوبيث دي باروس » فقد حاولت الإحاطة بموضوع الموريسكيين بالبرتغال. من هنا يمكن القول أن الوثائق الرسمية والتقارير الدينية ومحاضر التفتيش والنصوص المؤرخة لتلك الحقية، بكل مواقفها وتوجهاتها، هي شهادة فذة على تجربة إنسانية عصيبة، وتعبيرا من الداخل أو في المهجر على مواقف وسلوكيات جمعت بين الصراع والتوافق، بين العتاب والحنين وبين الفراق والحلم بالعودة.