أكد وزير العدل عبد الواحد الراضي بأن جهاز النيابة العامة ظل دائما في صلب إرادة التطوير والتحديث، كما يعد أحد الأسس الكبرى للدولة الحديثة، ومرتكزا أساسيا من مرتكزات البناء الديمقراطي، ومدخلا لا محيد عنه لتحقيق دولة القانون والمؤسسات وبخاصة في هذه الحقبة التي يشهد فيها العالم تحولات عميقة ومتسارعة على أصعدة مختلفة تفرض على النيابة العامة أكثر من ذي قبل إزاحة كل العراقيل التي قد تحول دون استكمال تحديث دورها ووظائفها سواء في مكافحة الجريمة أو في حماية الحقوق والحريات. وأوضح في كلمة ألقاها خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر النيابات العامة في العالم العربي المنعقد في مراكش من 20 إلى 22 أكتوبر الجاري بأن أعضاء النيابة العامة يقومون بدور مركزي في الحفاظ على النظام وتأمين السلم الاجتماع من خلال تطبيقهم للقانون وسهرهم على مدى تطبيقه فضلا عن إسهامهم في إرساء ملامح المفهوم الجديد للعدالة الجنائية القائمة على التهور الاصلاحي المبني على فكرة الإدماج، وإعطاء الأولوية للبعد الإنساني في إيجاد الحلول للمشاكل المعروضة على القضاء وتدبير الخلافات عن طريق الصلح والوساطة وحماية ذوي الاحتياجات الخاصة. وأكد الوزير في معرض كلمته بأن أعضاء النيابة العامة مطالبون أكثر من أي وقت مضى ببلورة مفهوم متطور لدور جهاز أرادت له مختلف التشريعات العربية أن يشكل نصف الجهاز القضائي، وذلك من خلال دعم التجانس والتكامل بين وظيفته كضامن لحقوق الإنسان وبين دوره في مكافحة الجريمة ، عبر ترسيخ الرؤية التوقعية الحقوقية المطمئنة والموضحة للضمانات التي يكفلها القانون. وقال بأن دور النيابة العامة الرامي إلى الإسهام الفعال والايجابي في السهر على حسن تطبيق القانون والمحافظة على وحدة الاجتهاد من منطلق النيابة عن المجتمع، وضمان الصالح العام في احترام تام لحقوق الفرد يعد دليلا على ما بذل ويبذل من جهد واجتهاد وسعي من أجل جعل القضاء رافعة أساسية من روافع التنمية في مختلف أبعادها. وأكد على أن اضطلاع النيابة العامة بدورها في حماية الأفراد والمجتمع في إطار من العدل والمساواة يعتبر مؤشرا أساسيا على إيجاد المناخ السليم للنمو الاقتصادي، وحافزا مهما من حوافز التشجيع على الاستثمار بما يشكله من ضمانة لحماية الممتلكات وحسن التدبير والوقاية من الانحرافات وضمان الأمن الاقتصادي، وتعزيز مناخ الثقة التي تعد قطب الرحى في المعاملات الاقتصادية والمساهمة في النهوض بالاستثمار والنماء الاقتصادي وترسيخ سيادة القانون في ميدان الأعمال. وأكد على أن التجرد والحياد والموضوعية والاستقلال تعد مقدمات لتحقيق العدل، ومبادئ منيرة على مستوى الضمانات التشريعية بتلك النابعة من ذاتية القاضي القادر على أداء رسالة العدل الخالدة بكل قوة وجرأة وشجاعة. ومن جهة أشار الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى مصطفى مداح إلى الظرفية الدولية والاقليمية الدقيقة التي ينعقد فيها اللقاء والتي أخذت فيها ظاهرة الجريمة تتنامى بوتيرة سريعة وبخطورة متزايدة أضحت تشكل آفة تهدد النسيج الاجتماعي والاقتصادي وأيضا أمن واستقرار المجتمعات حيث لم يعد نشاطها يقتصر على مجال دون آخر، كما أن رقعتها اتسعت لتتجاوز حدود الحيز الجغرافي لتتخذ بعدا عالميا كالإرهاب وجرائم الحاسوب والقرصنة والاتجار غير المشروع في البشر والأعضاء البشرية وتهريب المخدرات وقال بأن الجرائم التي استحدثت أضحت تفرض وبإلحاح مواكبة هذا التطور لتحقيق الاستقرار والأمن الاجتماعيين لدى الشعوب، وخلق مناخ تسوده الطمأنينة والأمان بين الأفراد والجماعات مبرزا أن ذلك لا يتأتى إلا من خلال تكاثف جهود الأجهزة الفاعلة والأساسية في مكافحة ظاهرة الاجرام ومن بينها النيابة العامة. أما رئيس المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية عبد الرحمن الصلح فأكد على أهمية التعاون القضائي العربي وتطوير آليات التنسيقات بين أجهزة النيابات العامة العربية في مواجهة التحديات المعاصرة التي يطرحها التطور المتسارع للجريمة المنظمة العابرة للحدود بمختلف أشكالها. ويناقش المؤتمر الذي يكتسي أهمية كبيرة في مجال الدفع بالعمل العربي المشترك والتعاون القضائي عدة محاور مرتبطة بالإرهاب وكيفية مواجهته وتعقبه ودور النيابة العامة بالمهن المتعلقة بمراقبة المخالفات البيئية وبخاصة التلوث الاشعاعي والنووي وكذا مراقبة البضائع والسلع من حيث الجودة والسلامة والأمن الغدائي في إطار العولمة الاقتصادية وحرية نقل البضائع ومحاربة الجرائم الاقتصادية والمخدرات واستغلال الأطفال والنساء وجرائم الحاسب الآلي ، والجرائم المنظمة العابرة للحدود وما يستتبعها من مواكبة للتشريعات الجنائية لهذه الجرائم وكذا دور النيابات العامة في تفعيل النصوص الجنائية المستجدة الخاصة بجرائم الارهاب وتبييض الأموال واختلاس الأموال العامة... كما يشكل هذا الملتقى الذي يحضره ممثلو 21 دولة عربية من رؤساء النيابات العامة والنواب العموم والمدعين العامين ورؤساء هيئات التحقيق والادعاء العام والوكلاء العامين مناسبة لدراسة مستجدات الساحة الاقليمية والدولية في مجال الجريمة المنظمة العابرة للحدود وسبل مكافحتها من خلال وضع استراتيجية مشتركة للتصدي لها ومواجهتها.