حكايات الحب المعرشة على جدران الذاكرة، وقد أشعلها الحنين إلى اللقاءات الدافئة والحلم المتوهج، تُرى ما الذي أسكت لهيبها؟! ... تلك الشبابيك المفتوحة على العالم المسكون بالفرح وعلى الأيام القادمة.. من أغلقها؟! فبقيت الطرق الطويلة طويلة، لكن الأفق صار محدوداً وأصغر من مساحة الحلم المشتهى؟! .. كيف تحوّل هذا العالم الممتليء بالأمل إلى عالم موجود فقط في دفاتر التقويم أو على صفحات ذكريات قديمة، فغدت مفردات الحياة أكثر قسوة وقتامة؟!.. هل فشل الرهان في أن يكونا طرفين في علاقة استثنائية؟! أم أنه صحيح ما يقال عن مؤسسة الزواج من أنها تقتل الحب، وأن فيها من التفاصيل الصغيرة والكبيرة والهموم، ما يحول العلاقة إلى علاقة روتينية معتادة ومفروضة أحياناً، حيث تصبح المسافة الفاصلة بين الزوجين أكثر امتداداً وطولاً من قبل لينتهي الزواج إلى حالة من الانفصال الروحي والوجداني، ولكن تحت سقف واحد.. هذه الحالة ليست إلا خطوة على طريق الألف ميل، قد تسبقها الكثير من الخطوات، وقد تستغرق الطريق كله أحياناً. كيفاش تلاقينا..! هو لحظة تبدأ بهمسة أو كلمة أو حتى صمت عن شيء لا نحبه، تمتد عمقا واتساعا لتشمل حياتنا كلها،،، والحب هو المسؤول عن هذه الحالة، سواء في خلقها أو إسكاتها في مهدها، فإذا افترضنا وجوده في الأصل، يمكن للحب أن يزيل أية عقبات وأعشاب ضارة تنمو في الزوايا المعتمة، ويجعل الدرب كراحة الكف كما يقولون، اما في حالة عدم وجوده فلا معنى لحديثنا عن أسباب للطلاق الروحي بين أي زوجين. وإذا كان الطلاق بمعناه العادي والمألوف يحمل الكثير من الإشكاليات الاجتماعية والنفسية لجميع الأطراف في الأسرة، وللمرأة على وجه الخصوص، لما يختص به وضعها الاجتماعي من حساسية شديدة، فإن للطلاق بمعناه الوجداني والنفسي وآثاره التي لاتقل صعوبة وخطورة عن سابقه، لأن المعادلة في كلتا الحالتين خاسرة من حيث الفشل في تحقيق الهدف الأسمى، وهو التواصل الحقيقي والفعال، الذي يغني ويدفع العلاقة الزوجية خطوات باتجاه الأمام، ويطيل عمرها، فالأمر لايتوقف عن الاشتراك بالمكان فقط، بل إن ذلك قد يضيف ظلما آخر يمارس على المرأة والرجل على حد سواء، وليس بالأمر السهل أن نعرف مدى حجم الظاهرة، لأنها غالبا ما تبقى سرا بين الزوجين لايعرفه حتى المقربون في بعض الأحيان. أسباب كثيرة ومتنوعة ومحصورة بين الخاص والاجتماعي قد يبدأ الانفصال الروحي بكلمة أو موقف، بتشبث أحد الطرفين دون مراعاة للطرف الآخر، أو حساب لمشاعره وأحاسيسه، فتتسع الهوة وتتسع لتتحول الى واد عميق فسيح تتبدد فيه كل محاولات الاتصال وبناء الجسور من جديد، وقد يولد هذا الغول وينمو في أضيق مساحة بين الطرفين، وفي أكثر اللحظات حميمية بينهما في رحم أرق وأصدق وأسمى العلاقات الزوجية، في علاقة الجسد بالجسد والجسد بالروح، فكثيرا ما يخلق عدم التوافق بين الزوجين مساحة من العتمة تعزز التنافر والبعد بدلا من أن تزيد العلاقة قوة وصلابة، وتعطيها بعداً مطلق الشفافية، وكثيرون، وخصوصا المرأة، هم الذين يمتنعون عن الكلام في هذا الموضوع بدواع كثيرة، أقلها لحشمة وعدم الوقوع في المحظور، على الرغم من ضرورة الوضوح والشفافية في هذه الحالة. يقول البعض: إن علينا البحث في أدق لحظاتنا خصوصية عن أسباب المشاكل والأزمات التي تولد في أرجاء البيت وتتخطى أسواره وجدرانه لتمتد الى عالمنا كله... ففي مخادع الزوجية التي لايصلها ضوء الشمس تنمو الكثير من الأعشاب الضارة والأمراض المؤذية، كما أن الأسباب تعود اليها فعلينا البحث عن الحلول فيها وتعريضها لضوء النهار والحقيقة المطلقة والابتعاد عن المواربة وإلباس الأمور مسميات لاتعكس بواطنها. قد يكون خوف الزوجين من الانفصال التام والكامل حرصا على راحة الأولاد وهنائهم ، وعدم قدر الزوج على دفع مستحقات الزوجة المادية، فيبقيها في المنزل كي لايدفع لها بانتظار أن تمل وتتنازل عن هذه المستحقات ، الخوف من القطيعة الأسرية أو التفكك إذا كانت هناك صلة بين عائلتي الزوجين، حيث يكون وجودهما معا شكلا من أشكال «البرستيج» الاجتماعي ليس أكثر، خشية الزوجة من أهلها لأن الطلاق الحقيقي قد يعرضها للأذى دون وجود المعيل الاقتصادي لها بعد الطلاق، خصوصا بعد تعودها على نمط معيشي معين في بعض الأحيان، الخوف من المجتمع، لأنه وعلى الرغم من تزايد حالات الطلاق، إلا أن وجود المطلقة بحد ذاته هو أصعب مشكل لدى أسرتها، محبتها لأولادها، وخشيتها عليهم من الضياع، الخوف من تكرار زواج فاشل آخر، أو عدم إيجاد فرصة زواج أخرى، الزواج الخاطئ أو القائم على أسس اختيارات خاطئة، تشكل أسبابا متعددة للتحفظ على حالة الطلاق التامة، والإبقاء على حالة الارتباط حتى لو كان شكليا. وباعتبار أن الزواج مؤسسة كاملة كأية مؤسسة أخرى تحتاج الى تخطيط وتنفيذ سليمين الى شراكة حقيقية قائمة على فهم منظومة الحقوق والواجبات المترتبة على المرأة والرجل قبل الزواج وبعده، وتحتاج الى ثقافة حياتية يتفقان عليها، فإن الخطأ في التنشئة الاجتماعية للزوجين سبب آخر يضاف الى الأسباب التي تنتهي بهما الى التباعد، الفتور أو الكراهية في مراحل لاحقة. الكلمات المكتوبة هي لغة التفاهم قد يفوق الطلاق الروحي والوجداني الطلاق الكامل من حيث خطورته، تأثيراته ونتائجه السلبية على جميع افراد الأسرة، وهذا ما تؤكده، الابحاث الاجتماعية التي تحذر في هذا المجال: أنه على الرغم من أن الشرع قد حلل الطلاق، وهو حل الرابطة الزوجية بين الزوجين، إلا أنه أبقاه أبغض الحلال عند الله على اعتبار أن الأسرة، هي الخلية الأساسية في المجتمع، بتكاملها وبتوافقها يتوافق المجتمع ككل، فإذا حدث انفصام بين الزوجين فإن حل هذه العلاقة لايتعلق بهما فقط، وإنما يتعلق بجميع الأطراف في الأسرةو وإن حدث هذا الانفصال فإنه يجب أن يكون وديا حتى لايحصل الشقاق الاجتماعي بين الأسر في المجتمع ، خاصة إذا كان هناك أولاد حيث يجب رعايتهم في جو يسوده المحبة والوفاق لينشؤوا تنشئة سليمة لاتجانبها مشاعر الكره أو الحقد لأي من الأطراف، لكن قد يرفض الزوجان الطلاق، وهو ما يحدث كثيراً وذلك لأسباب مادية أو أسرية من أجل الأولاد بالدرجة الأولى، ولكن الأخطر من الطلاق هو التواجد في منزل واحد دون وجود مشاعر تربط بين الزوجين وتنشر المودة والسلام بينهما وبين الأبناء، ولاشك أن هذا الوضع أخطر من الانفصال التام لأن كلا الزوجين يقف على بركان سوف يثور لأتفه الأسباب... وإثارة هذا البركان وما يرافقه من مشاعر باردة سوف ينعكس عليهما وعلى الأبناء بشكل أخطر من الانفصال... إضافة إلى الانفصال الروحي: غياب التناغم وحضور الألم