عبد الدائم السلامي لأنّ البُسَطاءَ هم الفئةُ التي تدخُلُ الدُّنيا دون وسائطَ ولا توصياتٍ من جِهاتٍ عُلْيا، فإنّ واقعَهم يزجُّ بهم في أَتونِ مستنقعاتِه المعيشةِ مَا يُجْبِرُهم على استخلاصِ بِنْياتٍ فكريّةٍ يصوغونَها في لغةٍ ويُخزِّنونَها في ذاكرتِهم الجماعيّةِ حِكَمًا صافيةً لا يُخالِطُها الرّيبُ ولا تحتاجُ إلى برهنةٍ. وعليه، قيل إنّ الحكمةَ تنبعُ من أفواه البُسَطاءِ. ولكنّ هؤلاءِ البسطاءَ يظلّون يصنعون الحكمةَ ولا ينتفعون بِفَيْئِها، لأنّ الذين يستفيدُون أكثرَ من تلكَ الحِكَمِ هم غيرُ البُسَطاءِ من النّاسِ الذين يأكلون الحجرَ والشجرَ ويمشونَ في الجنازاتِ وأيديهم تقطُرُ بالدَّمِ. وإنّ نظرةً في تراثاتِنا الشفويّة أو المكتوبةِ تمكِّنُنا من الوقوفِ على كَمٍّ من تلك الحِكَمِ التي تعتَصِرُ أزمنةً غابرةً وشتيتًا من التجارب ومعينًا من الانجراحاتِ لا ينضبُ. > قيلَ: اجتنبْ مُصَاحبةَ الكذَّابِ وإن اُضْطُرِرْتَ إليه فلا تُصَدِّقْهُ. خادمُ سَيِّدَيْنِ يَكْذِبُ على أَحَدِهما بالضّرورةِ. إذا سمعتَ الرجلَ يقول فيكَ من الخَيْرِ ما ليس فيكَ فلا تَأْمَنْ أنْ يقولَ فيكَ من الشَرِّ ما ليس فيكَ. أغلبُ الناسِ يرون عيبَ غيرهم ويُغمضون عيونَهم عن العيب الذي هو فيهم. إذا ساء فعلُ المرء ساءت ظنونُه وَصَدَّقَ ما يعتادُه من تَوَهُّمٍ. إذا تفرقتِ الغَنَمُ قادتْها العَنْزُ الجَرْبَاءُ. أقلُّ الناسِ سُروراً الحَسُودُ الذي يرى في زوالِ نِعْمتِكَ نِعْمةً عليه. الحَسَدُ ثِقْلٌ لا يَضعه حامِلُه أبدًا فهو كالدّاءِ ينخرُ عِظامَه ولا يبرأُ منه. فقد قيل: الحَسَدُ والنِّفَاقُ والكَذِبُ أَثَافِي الذُلِّ. وعليه، فإنّ الحَسودَ لا يَسُودُ أبدًا. وقيلَ: الشكوى سلاحُ الضعفاءِ والشَّمَاتةُ بالمنكوب لؤمٌ. المَطامِعُ تقطعُ أعناقَ الرجالِ. وقيلَ أيضًا: البخيلُ عَظيمُ الرِّواقِ صغيرُ الأخلاقِ، وهو بالتوصيفِ ذاكَ الذي غِنَاهُ فَقْرٌ ومَطْبَخُه قَفْرٌ فلا تَبُلُّ إحدَى يَدَيْهِ الأُخْرَى. > قال أحدُهم وهو نائمٌ: الكلابُ النَبَّاحَةُ نادراً ما تَعَضُّ. المُزَاحُ لُقَاحُ الضَّغَائنِ فالذي يُضْحِكُكَ أحدُ إثنيْن: إمّا طامعٌ فيكَ وإمّا مُشْفِقٌ عليكَ، وكلاهما يضحَكُ منكَ دائمًا. وقد قالوا: أولُ المزاحِ فَرَحٌ وآخره تَرَحٌ. وأضافوا: المَكْرُ حيلةُ مَنْ لا حيلةَ لَهُ. وفي الحديث عن تمنّي الأشياء من غيرِ أهلِها قال أحدُهم: انتظرْ حَتَّى يَشِيبَ الغُرَابُ. وأضافوا في ضرورةِ اعتزازِ المرْءِ بما هو عليه القولَ: أَنْفُكَ مِنْكَ ولَو كان أَجْدَعَ. وزادوا قولَهم في توصيفِ الكاذِبِ: بينَ وَعْدِ الكاذِبِ وإنجازِهِ فَتْرَةُ نَبِيٍّ. وفي كثرةِ الأصحابِ وقلّةِ نفعهم قالوا: تَكاثرت الظِّباءُ على خرَاٍش فما يدري خَرَاشٌ ما يَصِيدُ. وإنّي أسألُ الله لي ولكم أن يُمكِّنَنا من صيدِ أحلامِنا على الأقلِّ وهو حُلْمٌ من أضعفِ أحلامِ الإنسانِ.