قضت المحكمة الابتدائية بالرباط برآسة الأستاذ محمد لمزوغي بمقتضى الأمر عدد 1914 في الملف عدد 1516 09 / 2 في قضايا الحالة المدنية بنقل ولادة السيد... المزداد ببيريكو في فرنسا من والدته المغربية ووالده الفرنسي، حيث تم أمر ضابط الحالة المدنية ببلدية مدينة الرباط (مجلس مقاطعة حسان) بتنفيذ مقتضيات هذا الحكم. وكان المدعي (الابن) المقيم في فرنسا قد قدم مقالا عرض فيه أنه ازداد في فرنسا بتاريخ 5 غشت 1983 من والده الفرنسي وأمه المغربية، وأنه يود نقل ولادته من فرنسا إلى الرباط، وفيما يلي حيثيات الحكم: بعد التأمل طبقا للقانون في الشكل: حيث قدم الطلب مستوفيا لسائر شروطه الشكلية فهو لذلك مقبول. في الموضوع: حيث يهدف الطلب إلى الأمر بنقل ولادة المدعي المزداد بفرنسا من أم مغربية وأب غير مغربي على اعتبار أنه حاصل على الجنسية المغربية. وحيث التمست النيابة العامة في مستنتجاتها الكتابية الحكم برفض الطلب في شقه الرامي إلى نسبة المدعي إلى المسمى.... وحيث إنه بعد دراسة المحكمة لكافة معطيات القضية تبين لها أنه من الثابت من أوراق الملف وخاصة رسم الولادة عدد 1331 ببلدية بيريكو (فرنسا) أن المدعي... ازداد بتاريخ 08 / 08 / 1983 ببيريكو (فرنسا) من والدته المغربية السيدة ...المزدادة بالدار البيضاء بتاريخ 24 / 10 / 1957، وأن السيد ... المزداد بتاريخ 13 / 07 / 1962 بفاي لافينوز قد حضر بتاريخ 11 / 08 / 1983 (أي بعد ثلاثة أيام من ولادة المدعي) إلى بلدية بيريكو واعترف بأبوته للمدعي... والدته المغربية المسماة...، وبعد ذلك أبرما عقد زواج مدني بتاريخ 063 / 01 / 1995، وتم تسجيله برسم الولادة المشار إليه أعلاه. وحيث يتضح من المعطيات المذكورة في الحيثية أعلاه أن المدعي في وضعية قانونية بخصوص البيانات اللازمة لتسجيله ببلدية بيريكو (بفرنسا) وأنه حصل على الجنسية المغربية بمقتضي الفصل السادس من ظهير 23 / 03 / 2007 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 063 / 62 بتغيير وتتميم ظهير 6 / 9 / 1958 بسن قانون الجنسية. وحيث إنه ولئن كان والدي المدعي لم يكونا متوفرين على عقد الزواج أثناء ولادته إلا أن أباه قد اعترف به مباشرة بعد ولادته بثلاثة أيام ثم أبرم لاحقا عقد الزواج مع والدته. وحيث إنه مادام التسجيل في الحالة المدنية لا يكفي لوحده لإثبات النسب كما أن القوانين المعمول بها في المغرب تمنع على ضابط الحالة المدنية تسجيل أي طفل بدون الإشارة إلى اسم والده، وإن كان هذا الأخير غير معروف سجل باسم من أسماء العبودية. وحيث إنه مادام الأمر كذلك ومادام الأمر في نازلة الحال يتعلق بنقل الولادة، فإنه من باب حسن سير العدالة وحماية لمصالح المدعي داخل المغرب وخارجه فإنه يتعين نقل ولادته بجميع البيانات الواردة في رسم ولادته بفرنسا بما فيها البيان المتعلق باسم والده. وحيث إنه فضلا عن ذلك فإن مقتضيات الدورية الوزارية المشتركة بين السادة وزراء العدل والداخلية والشؤون الخارجية والتعاون بشأن مسطرة تسجيل الأشخاص المسندة إليهم الجنسية المغربية عن طريق رابطة البُنُوَّة من جهة الأم بسجلات الحالة المدينة لا تشترط الإدلاء بعقد الزواج فيما يتعلق بترسيم الوقائع المدنية الأساسية بالنسبة لفئة الأشخاص السالفي الذكر. وحيث إنه تبعا لذلك يبقى الطلب مبررا ويتعين الاستجابة إليه. وحيث إنه نظرا لطبيعة الدعوى يتعين إبقاء الصا ئر على المدعي. وتطبيقا لمقتضيات الفصول 1، 32 ، 50 ، 124 ، من ق.م.م والفصلين 1 و18 من قانون الحالة المدنية، ومقتضيات الدورية الوزارية المشتركة المشار إليها أعلاه. تتمثل الإشكالية الأساس التي تصدى لها الحكم أعلاه موضوع التعليق في مدى علاقة صحة عقد الزواج، مع طلب نقل الولادة من فرنسا إلى الرباط، تقدم به شخص يقيم بالديار الفرنسية، وهو من أب فرنسي وأم مغربية؟ فهل يتعين أن يتأكد القضاء من صحة العلاقة الزوجية الرابطة بين والد المدعي ووالدته قبل أن يصرح بنقل ولادة الطالب بجميع البيانات الواردة في رسم ولادته بفرنسا، بما فيها البيان المتعلق بإسم والده، وذلك إلى مدينة الرباط؟ مما يسترعي الانتباه من خلال وقائع وحيثيات الحكم موضوع التعليق، أن النيابة العامة قد التمست رفض الطلب في شقه الرامي إلى نسبة المدعي إلى والده الفرنسي، خاصة أن والدي المدعي لم يكونا متوفرين على عقد الزواج عند ولادته بالرغم من أن والده قد اعترف به فور مرور ثلاثة أيام على ولادته عندما حضر إلى بلدية بيريكو بالديار الفرنسية، وصرح بازدياد ابنه، وذلك بقطع النظر عن أنه قد أبرم عقد زواج مدني مع والدة المدعي بعد مرور حوالي 12 سنة على ولادة هذا الأخير. ومن الملفت للانتباه كذلك أن النيابة العامة طعنت في الحكم موضوع التعليق على إثر الاستجابة للطلب واستأنفته متمسكة بملتمس عدم إلحاق المدعي بنسب أبيه، دون أن تمانع في قبول الطلب في باقي أجزائه، وذلك على أساس انعدام علاقة زواج شرعي بين والد المدعي ووالدته. ومن الجدير تسجيل أن محكمة الاستيناف بالرباط قد قضت برد استيناف النيابة العامة، وبتأييد الحكم المستأنف، وذلك بمقتضى القرار رقم 108، بتاريخ 2009/04/22، في الملف 8/2009/148. فما هي أسس ومرتكزات الحكم موضوع التعليق؟ من الواضح أن هذا الحكم قد ارتكز على التعليلات الآتية: 1) إن الدعوى لاتستهدف المنازعة في النسب. 2) إن المدعي حاصل على الجنسية المغربية بموجب الفصل 6 من ظهير 2007/03/23 ، بتنفيذ القانون رقم 62.06، بتغيير وتتميم ظهير 1958/09/06 بسن قانون الجنسية، مع العلم أن المدعي قد أسندت إليه الجنسية المغربية عن طريق رابطة البنوة من جهة الأم. 3) إن والد المدعي قد اعترف بأبوته لهذا الأخير بمجرد مرور ثلاثة أيام على ولادته، عندما حضر لبلدية بيريكو بفرنسا للتصريح بازدياده، وذلك حتى ولو أنه لم يبرم سوى عقد زواج مدني مع والدة المدعي، إلاّ بعد مرور 12 سنة على ازدياد هذا الأخير. 4) إن التسجيل في الحالة المدنية لايكفي وحده لإثبات النسب، فلا ضير من الاستجابة للطلب. 5) إن نظام الحالة المدنية المغربي يمنع تسجيل أي طفل بدون تسجيل إسم والده، كلما كان هذا الوالد معروفاً. 6) إن الدورية الوزارية المشتركة بين السيد وزير العدل، والسيد وزير الداخلية، والسيد وزير الشؤون الخارجية والتعاون، بشأن تسجيل الأشخاص المسندة إليهم الجنسية المغربية، عن طريق رابطة البُنوّة من جهة الأم، وذلك بسجلات الحالة المدنية هي دورية لاتشترط نهائياً وجوب الإدلاء بعقد الزواج، فيما يتعلق بترسيم البيانات المدنية الأساسية بالنسبة لتلك الفئة من الأشخاص. تلكم هي التعليلات والمرتكزات التي تبنتها أيضاً محكمة الاستيناف بالرباط، التي قضت بتأييد الحكم الابتدائي موضوع التعليق، وذلك بموجب القرار ذي المراجع أعلاه. إن ما ينبغي التنويه به هو أن الحكم موضوع التعليق قد عالج كذلك إشكالية لاتتعلق فقط بفئة الأشخاص من حالة المدعي، وإنما تشمل من يرغب في تسجيل دعوى التصريح بالولادة، وهو غير مطالب سوى بالإدلاء بالوثائق المنصوص عليها بالمادة 17 من مرسوم 2002، إلاّ أنه يُلزم بالإدلاء برسم الزواج، رغم أن النسب قد يثبت حتى في حالة انعدام الزواج أصلاً، كما الحال في الوطء بشبهة، أو في حالة وجود عقد مختلف في فساده، ومثال ذلك حالة عدم إشهاد العدلين وقت الزواج، طبقاً لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 58، وكذا مقتضيات المادة 64 من مدونة الأسرة. وفضلاً عن ذلك، فحينما ذهب الحكم موضوع التعليق إلى أن تلك الدعوى لا علاقة لها بالمنازعة في النسب، وإنما ترمي إلى نقل ازدياد مولود بسجل الحالة المدنية لإثبات هويته وحماية مصالحه داخل المغرب وخارجه فإن هذا المنحى إنما هو مطابق لطبيعة الأوامر التي تصدر في مادة قضايا الحالة المدنية، وبالتالي فهي مجرد أوامر ذات صبغة ولائية، ولذلك فكلما انعدم أي نزاع قانوني حول النسب، فإن قاضي الحالة المدنية ينبغي أن يستجيب لطلب نقل الولادة أو التصريح بالإزدياد. هذا ولايمكن إلاّ الإشادة بالعمل القضائي على مستوى دائرة محكمة الاستيناف بالرباط، في قضايا متشابهة، منها القضية موضوع القرار الاستينافي القاضي بالتأييد، والصادر في الملف 99/4650، بتاريخ 1999/11/11، والذي ذهب إلى أنه حتى ولو تم اعتبار أن عقد الزواج مجمعاً على فساده فإن النسب يكون ثابتاً كلما كان الزوج حسن القصد وفق ما تأكد من خلال وقائع الملف، وتصريحات الزوج وزوجته، وكذا تصريحات الشهود الإثنى عشر، وكل ذلك تطبيقاً لمقتضيات الفصل 37 من مدونة الأحوال الشخصية آنذاك. وفضلا عن ذلك فالفصل 89 من مادة الأحوال الشخصية سابقاً ، يجيز إثبات النسب حتى ببينة السماع، وهذا لايتنافى مع مقتضيات الفصل 58 من ظهير 1950، مع العلم أن المادة 2 من ظهير 2002/10/03 قد حلت محل هذا الفصل. ومن المعلوم كذلك، وجوب مراعاة مقتضيات مدونة الأسرة، بما فيها المادة 156، التي تجيز نسب الحمل للخاطب، كلما أقر الخطيبان أن الحمل منهما، بعدما ثبت إشهار الخطبة بين أسرتيهما ووافق الولي، وذلك عندما يكون من المؤكد أن ظروفاً قاهرة قد حالت دون توثيق عقد الزواج. وهكذا، يكون الحكم موضوع التعليق جديراً بالتنويه، وحريّاً بأن ينحى العمل القضائي منحاه في القضايا المماثلة، حماية لمصالح الأفراد والأسر، وضماناً لسلامة تطبيق القانون وتكريساً للمفهوم الفعلي للأمن والاستقرار القضائي.