عقد المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان يوم السبت بالرباط، دورته العادية الثالثة والثلاثين، التي تخصص لمناقشة تقرير عن متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والدراسة المنجزة حول ملاءمة مشروع القانون الجنائي، ومشروع ميثاق المواطنة. وأكد رئيس المجلس السيد أحمد حرزني، في مستهل الجلسة الافتتاحية لهذه الدورة، أن هذه المشاريع الثلاثة المعروضة للدراسة، ستشكل «لبنات إضافية في صرح البناء الديمقراطي القائم على المصالحة المنصفة، وعلى احترام حقوق الإنسان وإشاعة قيم المواطنة، الذي انخرط فيها المغرب منذ ما يزيد عن عشر سنوات، ولكنه عرف تعبئة وحيوية خاصتين خلال العشرية التي نودعها». واعتبر السيد حرزني أن المجلس قام بما كان عليه أن يقوم به في ما يتعلق بتنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة, التي تتوزع على ثلاثة محاور تتعلق بجبر الأضرار، والكشف عن الحقيقة وإدخال إصلاحات على المنظومة القانونية الوطنية لضمان عدم التكرار، ومناهضة الإفلات من العقاب في كل حالات انتهاكات حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وبخصوص جبر الأضرار الفردية، أعلن السيد حرزني عن صدور مقررات في جل الحالات المعروضة، وصرف تعويضات مالية، بالإضافة إلى تسلم جميع المستحقين الذين لا تشوب ملفاتهم شائبة لمستحقاتهم قريبا، مشيرا إلى فتح باب التغطية الصحية أمام جميع ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الماضية وذويهم الأقربين. وأضاف أن المجلس يشتغل حاليا مع الحكومة من أجل تسوية كل المشاكل الإدارية أو معالجة قضايا الإدماج الاجتماعي بالنسبة للحالات المستوفية للشروط والمعايير المعتمدة، طبقا للاختيار المتفق عليه مؤخرا مع السلطات العمومية. وفي ما يتعلق بجبر الأضرار الجماعية، أشار السيد حرزني إلى وجود أزيد من ثلاثين مشروعا تنمويا أو له صلة بالحفظ الإيجابي للذاكرة قيد التنفيذ في أحد عشر موقعا كانت الهيئة قد حددتها، مضيفا أن عدد هذه المشاريع سيتضاعف عند الانتهاء من انتقاء المشاريع الفائزة في الشطر الثاني من المباراة التي أطلقها برنامج جبر الأضرار الجماعية بتعاون مع الاتحاد الأوروبي وشركاء وطنيين. وبخصوص الكشف عن الحقيقة، ذكر أن الحالات66 التي كانت هيئة الإنصاف والمصالحة قد تركتها عالقة، تقلصت اليوم إلى9 حالات فقط، خاصة بعد أن توصل المجلس بنتائج التحليل الجيني المتعلق برفات مجموعة هامة من الحالات, معلنا أن المجلس سيقوم قريبا بتبليغ الأسر والرأي العام بالنتائج النهائية فور التوصل بها. وفي معرض حديثه عن الإصلاحات المؤسساتية والقانونية التي أوصت بها هيئة الإنصاف والمصالحة، ذكر السيد حرزني أن المجلس عمل على المساهمة طبقا لاختصاصاته، في تقديم اقتراحاته ومذكراته في مجال ملاءمة التشريع الوطني مع التشريع الدولي في الميدان الجنائي ومجال القضاء ومجال الحكامة الأمنية. وبالنسبة لملاءمة التشريع الوطني مع التشريع الدولي، أوضح السيد حرزني أن المجلس أخذ على عاتقه، بمساعدة خبراء مرموقين، القيام بمراجعة شاملة ودقيقة لمشروع القانون الجنائي. وبخصوص القضاء، أشار إلى أن المجلس أعد مذكرة انصبت بالدرجة الأولى على إشكالية استقلاله، موضحا أن هذه المذكرة رفعت إلى جلالة الملك محمد السادس وتم تسليمها إلى وزير العدل إبان فتح الحوار الوطني في شأن إصلاح القضاء. أما في مجال الحكامة الأمنية، فقد أوضح السيد حرزني أن المجلس شرع في إعداد مذكرة في الموضوع، بعد سلسلة من المشاورات مع المعنيين بالأمر، سيتم عرضها على هيئات المجلس وعلى شركائه قبل رفعها إلى جلالة الملك. وبعد أن أكد السيد حرزني أن مرحلة من عمل المجلس قد شارفت على الانتهاء، لينتقل بذلك إلى مرحلة جديدة, أبرز أن المجلس سيواصل في إطار آليات «العدالة الانتقالية، الكشف عن الحقيقة بالنسبة للحالات القليلة، ولكن الدالة التي لم تنجل إلى حد الساعة في شأنها الحقيقة»، مع تشجيع البحث العلمي في مجال التاريخ الراهن والنهوض بالأرشيف، وحفظ الذاكرة الذي سيتم قريبا توقيع اتفاقية بشأنه مع الاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق ذكر السيد حرزني أن المجلس سينتقل ابتداء من الخريف المقبل، إلى مهامه الجوهرية الأصلية, التي تتمثل في مهام النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها في شموليتها، مع اهتمام خاص بالحقوق المدنية كالحق في الحماية من الاتجار في البشر وحقوق المهاجرين واللاجئين، من جهة، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية للمواطنين المغاربة من جهة أخرى, بالإضافة إلى الحقوق السياسية، كحقوق وحريات التعبير مثلا, أو حق ملاحظة الانتخابات، أو الحق في الوصول للمعلومات وغيرها. من جانب آخر، أوضح السيد حرزني أن الوثيقتين المتعلقتين بالقانون الجنائي ومشروع ميثاق المواطنة، ليستا معروضتين للمصادقة النهائية, بل فقط تطويرهما قبل عرضهما على شركاء المجلس، ليقوموا بإغنائهما قبل أن تعودا للمجلس للمصادقة عليهما. حضر افتتاح هذه الدورة مستشار صاحب الجلالة، السيد محمد معتصم، ووزير العدل السيد عبد الواحد الراضي والأمين العام للحكومة السيد إدريس الضحاك.