سؤال عريض طرحه كثير من المغاربة، الذين يعتزون بالعلاقات المغربية السعودية التاريخية والمتميزة، والتي كانت ولا تزال تعتبر قدوة و نموذجا في العلاقات الثنائية وفي العلاقات الدولية وهم يتابعون ما أقدمت عليه قناة «العربية» ببثها برنامجا تلفزيا أبدى اهتماما وعطفا وغيرة على جبهة البوليساريو الإنفصالية، وحرص معدوه على تضمينه عبارات وأوصاف تحيل إلى مواقف سياسية معينة، حدث كل هذا بصفة مفاجئة، لا تجد تفسيرا لها في سياق المواقف السعودية الرسمية، المشهود لها بمناصرة القضايا والمصالح المغربية. كثير من المغاربة وجدوا تفسير ما أولته قناة «العربية»، التي تعتبر ذراع من الدروع الإعلامية للسلطات في المملكة العربية السعودية، في فترة البرودة التي تجتازها العلاقات بين الرياضوالرباط ، وقد تكون الرياض ليست راضية على المواقف التي اتخذتها الرباط تجاه العديد من القضايا، التي كانت ولا تزال الرياض طرفا مباشرا فيها، كما الشأن مثلا بالنسبة إلى الحرب في اليمن وانسحاب المغرب من المشاركة في قوات التحالف، التي تقودها المملكة العربية السعودية، والحياد الذي أبداه المسؤولون المغاربة من أزمة الخليج، التي اندلعت بين قطر من جهة وأربع دول عربية، تقودها كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة ثانية، وعدم مساندة الرباط للمسؤولين في الرياض بشأن قضية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، في حين سارعت دول عربية اخرى لتقديم كافة أشكال الدعم، وهي كلها قضايا التزم فيها المغاربة الحياد، وجرى كل الحرص على عدم الإساءة إلى الأشقاء في المملكة العربية السعودية، رغم ما واجهه المغرب من تحديات في هذا الصدد بسبب تمسكه بمواقف الحياد. وإذا كان لا أحد يجادل في أن ما أقدمت عليه قناة “العربية” من إساءة إلى الشعب المغربي قاطبة في قضية تهم وحدته الترابية و سيادته الوطنية، لا يمكن أن يتم إلا بتعليمات صادرة عن جهة سياسية رسمية في الرياض، وأن الأمر قد يتعلق بالرد على توجه وزير الخارجية المغربي إلى قناة “الجزيرة” القطرية للإدلاء بتصريحات هامة، وهو ما لم تستسغه الرياض، أو قد يتعلق الأمر بممارسة لا الضغط على المسؤولين المغاربة لإجبار المغاربة، على الرضوخ أو ببداية ممارسة شكل من أشكال الابتزاز، من خلال لَيّ ذراعهم بتوظيف قضية تتميز بحساسية جد مفرطة لدى جميع المغاربة، ومن الحمق الإدعاء أن ما بثته هذه القناة يندرج في سياق المهنية ، فإن الموضوع ينتقل إلى مستوى الخطورة البالغة، التي قد تستوجب رد فعل مغربي رسمي، لكن السلطات المغربية وفي إطار حرصها على العلاقات المتميزة بين البلدين، لم تسارع للقيام بردة الفعل كما فعلت في مرات سابقة كثيرة مع العديد من الدول، بما فيها دول شقيقة وتجمعها علاقات ثنائية استراتيجية مع المغرب، وهو ما يكشف ضبط نفس قوي من طرف المغاربة الذين لا يتساهلون مع مثل هذه التصرفات الخرقاء.