ما زال مجلس الأمن الدولي الذي ترأسه خلال شهر فبراير غينيا الاستوائية لم يعلن عن برنامج عمله, في ظل حديث عن خلافات بين أعضاء المجلس حول أسبقية القضايا التي يجب أن تستأثر باهتمام وتتبع الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة. ويستبعد المتتبعون أن يدرج قضية الصحراء في جدول أعمال المجلس على الرغم من اقتراب شهر أبريل الذي يؤشر متمه على نهاية ولاية بعثة المينورسو وحتمية أن يقدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريرا عن تطورات الوضع وتوصياته في شأن مستقبل البعثة الاممية قبل نهاية فترة انتدابها نصف السنوية.
وكان الرئيس الحالي لمجلس الامن وسفير غينيا الاستوائية لدى الأممالمتحدة، السيد أناتوليو ندونغ مبا قد أشاد في أكتوبر الماضي بمنبر الاممالمتحدة بجنيف بما وصفها ب"الجهود التي تبذلها المملكة المغربية لإيجاد حل سياسي للنزاع حول الصحراء المغربية، وكذا جهودها لتعزيز حقوق الإنسان في الصحراء».
وكان لافتا أن مشاورات مجلس الامن خلال شهر يناير حول ملف النزاع المفتعل، والمخصصة أصلا للتداول في موضوع البعثة الأممية بالصحراء، ركزت على غير المعتاد على توجهات الوسيط الاممي كوهلر، لعقد جولة مباحثات جديدة لأطراف النزاع شهر مارس المقبل، ووفرت لكوهلر الدعم السياسي, دون أن تخوض في صلب مهمة المينورسو أو تستمع كما كان مبرمجا لتقرير حول أنشطتها على لسان رئيسها الكندي كولين ستيوارت.
المعلومات المتسربة من كواليس الاممالمتحدة تؤكد أن هذا التغيير المنهجي في توجهات و اهتمامات مجلس الأمن الدولي، تجاه ملف الصحراء المغربية, مرده الى تخفيف البعثة الدبلوماسية للولايات المتحدةالامريكية لوتيرة ضغوطها الأخيرة على مؤسسات الاممالمتحدة لدفعها الى التسريع بوتيرة الدفع بمسار التسوية السياسية، لملف النزاع وتراجع فريق مستشار الامن القومي بالبيت الابيض جون بولتون عن مطالبه الملحة، باستعجال حلول للنزاع وتهديداته بوضع حد نهائي لنشاط بعثة المينورسو.
التحول الفجائي في موقف وسلوك واشنطن لا يعكس بالضرورة، في نظر المتتبعين تغييرا جذريا في موقف البيت الابيض من مسار الملف , لكنه ينساق ضمن تقييم شامل للإدارة الأمريكية لعدد من الملفات ذات البعد الجيوسياسي الاقليمي والجهوي، والتي تضع الرباط في صلب المقاربة الأمريكية للتعامل مع عدد من الملفات، ذات الأهمية الاستراتيجية لواشنطن، بمنطقة شمال افريقيا والشرق الاوسط والتي تجعل من العسير وغير المجدي بالنسبة لمستشاري الرئيس ترامب التضحية بالحليف المغربي على الاقل في ظل التحديات الاقليمية الشديدة الحساسية بالنسبة لواشنطن وعلى رأسها محاولات تغلغل التأثير الايراني والصيني والروسي،الى منطقة المصالح الامريكية بالغرب الافريقي ورهان واشنطن الخاسر على بدائل غير مستقرة للرباط.
البيت الأبيض أفرج ايضا عن هوية سفير واشنطنبالرباط .. وهو المنصب الشاغر منذ وصول الرئيس ترامب الى السلطة قبل سنتين، ويتعلق الأمر برجل الأعمال ديفيد فيشر، المحسوب على الدائرة الضيقة لأصدقاء الرئيس الأمريكي.
كما أن كتابة الدولة في الخارجية بواشنطن، والتي ستطلق قريبا النسخة الخامسة من برنامج مناورات الأسد الافريقي العسكرية بالساحل الافريقي (فيلتنوك)، لن تفرط بأي ثمن في الخبرة العسكرية والاستخباراتية المتميزة للمملكة كطرف أساسي في التمرين العسكري، الذي يهدف البنتاغون الامريكي من ورائه مستقبلا الى ابرام اتفاقيات عسكرية ثنائية مع أطرافه المشاركة، بغية حماية المصالح الاقتصادية والأمنية بمنطقة الساحل الأفريقي الحساسة.
وبالقدر الذي يدرك فيه المغرب هذه الخلفيات، وتوظفها دبلوماسيته في تدبير مسار العلاقات الاستراتيجية مع البيت الابيض، تظل كل المؤشرات المتوفرة في شأن مستقبل ملف الوحدة الترابية للمملكة, تبعث على الثقة والارتياح بالنظر الى أن ما تحقق خلال الاسابيع العشرة الماضية من مكاسب دبلوماسية وانتصارات سياسية، يضع الرباط في موقع تفاوضي قوي وممتاز لفرض اختياراته ومواقفه، وعلى رأسها أن لا مجال مستقبلا للتفاوض خارج دائرة مقترح الحكم الذاتي، كآخر وصفة مقبولة وممكنة لخلخلة النزاع…