مهم أن نتوقف طويلا عند التأييد الهائل، الذي حظي به الاتفاق الفلاحي بين المغرب والاتحاد الأوروبي، بعدما صوت لصالحه 444 نائب أوروبي و لم يعارضه إلا 167، في حين ارتأى 68 من البرلمانيين الأوروبيين الإمتناع عن التصويت، بمعنى أن هذا الإتفاق نال ثقة ما يناهز 65 بالمائة من أصوات البرلمان الأوروبي، وهو أمر نادر الحدوث في هذه المؤسسة النيابية المتميزة بقوة التعدد والاختلاف. إن هذا الاكتساح في التصويت يعني بالنسبة إلينا أن البرلمان الأوروبي ينظر إلى العلاقات المغربية الأوروبية في بعدها الاستراتيجي، ويضعها في موقع جد متقدم من اهتماماته ضمن شراكة استراتيجية متقدمة ومتطورة، كما أنه يعني بالنسبة إليناأيضا أن المؤسسة البرلمانية الأوروبية تقدر عاليا الأدوار الطلائعية، التي يقوم بها المغرب تجاه شريكه الاستراتيجي الأوروبي. وأنه يعني بالنسبة إلينا كذلك أيضا أن البرلمان الأوروبي ينظر إلى العلاقات المغربية الأوروبية بعيون المستقبل، أي ما ينتظر هذه العلاقات من تحديات في المدى المنظور والبعيد. وإنه يعني بالنسبة إلينا كذلك أن البرلمان الأوروبي يتعامل ويتفاعل مع العلاقات المغربية الأوروبية بِما يمكن أن نسميه «الواقعية الموضوعية» التي لا تنظر إلى الشوائب، ولا تعير أي اهتمام لمختلف مظاهر التشويش والعرقلة التي تسخر بعض الأطراف إمكانيات مالية ولوجستيكية ضخمة لضمان استمرارها و تحقيق النتائج الخبيثة من ورائها. لقد اختار البرلمان الأوروبي أن يستهل سنة جديدة من عمر العلاقات المغربية الأوروبية بإشارة قوية تهم السيادة المغربية على أراضيه كافة، لأن هذا الوطن غير قابل للتجزيء، ومن مصلحة الجيران في الشمال كما في غيره أن يحافظ هذا الوطن على وحدته و على قوته و على استقراره وعلى سيادته الوطنية كاملة وغير منقوصة، وهذه الثوابت تهم الجزء كما تهم الكل، لذلك كان وسيظل المغاربة متشددين في هذه الثوابت، ومن يرغب في وجود علاقات ما مع المغرب يجب عليه أن ينطلق من هذه القناعة الثابثة، وهي أن المغرب واحد غير قابل للتجزيء ولا للتفريط. وحينما يكون الاتفاق الفلاحي مع الجيران الأوروبيين فرصة للتأكيد على هذه الثوابت، فإننا نعتبر أن تربة الشراكة مع الأوروبيين صالحة فعلا لاستنبات شروط شراكة جديدة أكثر قوة وفعالية. إن هذا التصويت بهذا الوزن يعني أيضا اعترافا صريحا بأن سكان أقاليمنا الجنوبية يستفيدون من خيرات الوطن برمته وليس جزء منه فقط، في الفلاحة كما في الصيد البحري، بما يعني اعترافا بحق مواطنينا هناك في التنمية المستدامة ، وهذه قضية تكتسي أهمية بالغة بالنسبة للمغاربة قاطبة. طبعا، نتفهم دواعي غضب البعض الذين لا يتوانون في إنكار أية علاقة لهم بالنزاع المفتعل في الصحراء المغربية، لكن ما أن صادق البرلمان الأوروبي على الاتفاق الفلاحي مع المغرب، حتى سارعوا إلى حمل الرشاش يوهمون أنفسهم بأنهم يطلقون رصاصات الموت على أوروبا و على المغرب وعلى العالم، والحقيقة أنهم بهذا التصرف يطلقون رصاصة الرحمة على روح الجوار و الأخوة. نتفهم حدة الغضب لأن ما سخر لإقناع البرلمان الأوروبي من أجل رفض الاتفاق يفوق الخيال، لكن جهودهم باءت بالفشل وسادت أجواء الخيبة والإحباط، لذلك من الطبيعي أن يحدثوا ما لا يمكن تصوره من ردود الفعل الغاضبة. لا بد من كلمة في هذا الصدد في حق المفاوض المغربي، وفي حق الديبلوماسية الوطنية اللذين أحسنا تدبير ملف هذه المفاوضات، التي كانت شاقة ومتعبة، ولكنهما أكدا من جديد كفاءة تفاوضية عالية تستوجب الإشادة والتنويه. العلم