بدأ الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف جولته الأولى في أفريقيا بزيارته لمصر، وهي نفس البوابة التي دخل منها الاتحاد السوفييتي في الخمسينيات من القرن الماضي للقارة السوداء، وتأتي زيارة ميدفيديف للقاهرة بعد أيام من زيارة الرئيس الأميركي أوباما لها وإلقائه خطابه الشهير عن الإسلام والعالم الإسلامي في جامعة القاهرة، أما ميدفيديف ، رئيس روسيا التي لا توجد بينها وبين العالمين العربي والإسلامي أية خصومات أو مشاكل ، فقد سلك طريقا آخر، وتعامل مع مصر على أنها قيادة العالم العربي، ولهذا اختار مقر الجامعة العربية لإلقاء خطابه. خطاب ميدفيديف لم يتضمن نقاطا جديدة مبدئيا، إلا أن واقعة إلقاء هذا الخطاب بحد ذاتها فريدة. وتتبادر إلى الذهن هنا، بالطبع، حاجة إلى المقارنة مع زيارة الرئيس الأميركي أوباما إلى مصر قبل ميدفيديف بثلاثة أسابيع، وخطابه في جامعة القاهرة. تؤكد موسكو على أنه تم الاتفاق على زيارة ميدفيديف إلى مصر وعلى برنامجها مسبقا، قبل زيارة أوباما إلى القاهرة، ولذلك لا يجوز اعتبار خطاب الرئيس الروسي بمثابة رد فعل من جانب روسيا. ولكن في كافة الأحوال، لا يمكن عدم المقارنة: رئيسان جديدان لدولتين عظميين، وزيارتهما الأوليان للشرق الأوسط وسلوكهما، ومضمون خطابيهما. لم يثر خطاب ميدفيديف، خلافا لأوباما ضجة. فقد حضر أوباما إلى القاهرة للمصالحة مع العالم الإسلامي، وبالمرتبة الأولى مع العرب. فبعد حرب العراق، وفشل السياسة الأميركية التام على الاتجاه الفلسطيني، كان من الضروري لأوباما كسب ثقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي عموما. وفيما يتعلق بروسيا ، فهي تعتبر جزءا من العالم الإسلامي. فأشار الرئيس الروسي في خطابه إلى تلك الحقيقة فقال إن «ملايين المسلمين يعيشون في روسيا على مر القرون في سلام ووئام مع جيرانهم. وإن الإسلام جزء لا يتجزأ من الثقافة والتاريخ الروسي. ويشكل احترام عقائد وعادات وتقاليد شعوبنا، أساس الوفاق الوطني في بلدنا. وبصراحة، لا تحتاج روسيا إلى السعي طلبا للصداقة مع العالم الإسلامي. فإن بلدنا بحد ذاته يشكل جزءا عضويا من هذا العالم، لأن عدد مواطنينا المسلمين يصل إلى 20 مليون نسمة. وتمر الولاياتالمتحدة لدرجة ما، بنفس الوضع الذي واجهته روسيا في العقد الأخير من القرن الماضي، عندما فرضت الحملة العسكرية الشيشانية على موسكو بذل أقصى الجهود من أجل عدم تحطيم الصداقة مع العالم العربي بصورة نهائية، والتي ترنحت أصلا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. فلم يكن من السهل الإقناع أن روسيا لا تشن الحرب في الشيشان ضد الإسلام. ومع ذلك، لا يزال هناك في العالم العربي من يعتقد هذا حتى الوقت الحاضر، ولكنهم بالمناسبة، قلة. وحظيت روسيا على مستوى نخبة وقيادات البلدان العربية بالفهم والدعم التام. وجرى استقبال ميدفيديف في القاهرة كصديق قديم، فيما كان الموقف من أوباما يتصف بالحذر والأمل في حدوث تحولات. ومع ذلك لا يخفى على أحد في الشرق الأوسط أن دور روسيا في المنطقة ثانوي مقارنة بالسياسة الأميركية. فبوسع موسكو لدرجة ما ردع واشنطن، والتنسيق وبلورة موقف مشترك لوسطاء التسوية في الشرق الأوسط في إطار الأممالمتحدة واالرباعيةب. ودورها في الغالب هام، ولكنه ليس حاسما. ولذلك بالذات، كل ما يصدر من واشنطن، وحتى وإن لم يتضمن أي جديد، يحظى بدراسة دقيقة. فلا ينتظرون من موسكو، خلافا لواشنطن، أي جديد مبدئيا. بينما ينتظرون من أوباما (ليس الولاياتالمتحدة، وإنما من أوباما بالذات)، إظهار قدرته على الضغط على إسرائيل، وأن تكون السياسة الأميركية في الشرق الأوسط متوازنة أكثر، بينما السياسة الروسية لا يمكن موازنتها أكثر. إنها متوازنة بأقصى درجة أصلا. والسؤال هنا، ماذا سيحصل لو توصلت موسكووواشنطن إلى قاسم مشترك واحد في سياستهما بالشرق الأوسط؟ وهل سيتمخض هذا عن نتيجة عملية معينة للمنطقة، أو سيقتصر على التصفيق لخطابي الرئيسين؟. كاتبة روسية