لكنة تثير الضحك! لم تكن فاطمة تتكلم العربية عند قدومها إلى الرباط، آتية إليها من مدينة تارودانت، قبل 18 عاما بمعية زوجها الذي يعمل بقالا بالمدينة القديمة، حيث اصطدمت بصعوبة التواصل مع من يحيط بها من الجيران، نظرا لعدم اتقانها العربية، لكنها حاولت جاهدة أن تتعلمها من جيرانها، وقد دامت محاولاتها ما يناهز السنتين، وأوضحت فاطمة أن لكنتها كانت تثير ضحكات جاراتها، وأنها حاليا تستطيع القراءة والكتابة بفضل محاربة الأمية حيث أصبحت تقرأ السور القصيرة من القرآن كما انخرطت في نادي الخياطة لتعلم الطرز. وأكدت فاطمة أن استقرارها بالمدينة مكنها من الاستفادة من مجموعة من الخدمات غير المتاحة في منطقتها «تارودانت» المشهورة بأنشطتها الفلاحية وخصوصا زيت أركان، وأضافت أن الكثيرات من بنات منطقتها يحلمن بالقدوم الى المدينة، لكن ظروف عمل أزواجهن الذين يشتغل أغلبهم في قطاع الفلاحة لا تسمح بذلك. هذا حال العديد من النساء المغربيات المنحدرات من مناطق لا تتكلم سوى الأمازيغية، واللواتي تمكن بفضل طول مدة اقامتهن بالمدينة، من تعلم اللغة العربية وبالتالي التواصل مع محيطهن الاجتماعي. المستشفى يفرض التكلم بالعربية لم تكن رقية ابن كعلي تعلم أن عدم اتقانها للعربية يمكن أن يودي بحياتها يوما ما. قصة مؤثرة لهذه السيدة البالغة من العمر 65 سنة، والتي ازدادت وتربت وعاشت الخمسين سنة من حياتها بمنطقة لا يتكلم أهلها إلا الأمازيغية، تحديدا ب «تنالت» التي تبعد عن أكادير ب 200 كلم، وهي منطقة قروية لا تتوفر سوى على مستوصف وحيد. وبحكم تعدد عمليات الولادة خارج المستشفى، فقد تعرضت ابن كعلي لمرض يتعلق بورم برحمها يستدعي عملية جراحية استعجالية، مما حدا بأحد أبنائها لنقلها من جنوب المغرب الى الرباط بتاريخ 26 فبراير 2006، وهناك عرضت على الدكتور المشرف على التخصص الذي تحدث إليها بالعامية المغربية التي لا تفهمها رقية، مما عرقل عملية التواصل بينهما ونظرا للوضع الصحي المتردي للسيدة رقية والذي لايسمح بالتأجيل وبحكم مشكل التواصل الذي واجهها لجأت رقية الى الاحتجاج، وبعد خمسة أيام وبالضبط بتاريخ 3 مارس 2006 أجريت لها العملية. الاستماع للأمازيغية ليس هذا أول أو آخر مثال لمرأة أمازيغية لا تعاني من شيء سوى أنها لاتتقن اللغة العربية، فهاهي السيدة فاظمة أحى التي قدمت رفقة ابنها سعيد في بداية شهر أبريل من السنة الحالية الى مكتب رقم 30 بالدائرة السابعة للأمن الوطني لعمالة درب السلطان الفداء، قصد الاستماع إليها بشأن الشكاية رقم 146 س / 08، المودعة لدى النيابة العامة بابتدائية البيضاء بتاريخ 2001 0104 بخصوص الاعتماد على ورقة عرفية في مواجهة أحد الأفراد بصفتها وكيلة عن ورثة زوجها، وبشكل غير متوقع فوجئت السيدة فاظمة برفض الاستماع إليها لأنها لا تتكلم سوى الأمازيغية، إضافة الى أن ضابط الشرطة القضائية اقترح على الورثة أن يوكلوا شخصا آخر غير أمهم التي لاتتقن العربية. ماذا يقولون؟ وكتب الحسين وزيك صحافي بالقناة الثانية في مقال اختير ضمن المقالات الفائزة في مسابقة كتابات الشباب 2007. «أمي العزيزة التي تقدم لي يوميا كعكا لذيذا، مازالت تفاجئني بنفس السؤال: ماذا يقولون؟ بالأمازيغية ماساتينين؟ تطرح أمي هذا السؤال بعفوية مطلقة وهي تشاهد البرامج التلفزيونية على القنوات التلفزية المغربية... ماذا يقولون؟ لأنه وببساطة التحديد التاريخي، لا تجيد إلا اللغة الأمازيغية لغتها الأم والتي بدورها أرضعتني تفاصيلها اللسانية، كما تفاجئني أمي بالسؤال ، فإنه يحرجني أكثر أن أشرح لأمي المغربية ماذا يقولون في تلفزيوناتنا المغربية. ... وبين هذا السؤال المر وحلاوة القلب أتذكر المثل الأمازيغي الذي تردده أمي «كانا إزاكن غيمي توفا أتيميم غوول. «الكلمة المرة في الفم قد تكون حلوة على القلب». في هذه الحالة أحيانا كثيرة ما أخاطب نفسي قائلا: توقف عن تصور نفسك في أحلامك أقرص نفسك أو اصفع وجهك إن كان الأمر يقتضي ذلك لكن افهم من فضلك أن هذه الحياة واقعية وفعلية، وأن السؤال يفرض نفسه، لكنني في الوقت نفسه أجد متعة كبيرة أن أجيب أمي عن ماذا يقولون؟ فاللغة هي الأكثر فعالية في تأكيد الأحاسيس وترجمتها إلى سلوك بضبط العلاقات بين أفراد المجتمع». في المقابل يؤكد الملم بسوسيولوجيا المجتمع المغربي خصوصا مجتمع ما بعد الاستعمار، أن المجتمع المغربي لم يعرف ذلك الوضوح التام خاصة على المستوى المجالي بمعنى غموض علاقة المدينة بالبادية، فنتج عن ذلك سخرية المدينة من البادية، أدى إلى خلق نمط من الفن الساخر يتجلى في النكت التي تروى عن علاقة العروبي بالمدني أو بالأمازيغي. الرجال يتكلمون العربية والنساء الأمازيغية لا يجب أن يجرفنا ما تعانيه بعض النساء الأمازيغيات في ما يتعلق بصعوبة التواصل اللغوي، عن استحضار دور المرأة الأمازيغية اللافت في مختلف المجالات بما فيها مجال الإبداعات الفنية والأدبية التي ساهمت من خلاله في بناء الثقافة الوطنية والحفاظ على الوحدة والهوية المغربية. وقد يتبادر إلى الذهن منذ أول وهلة، عند الحديث عن مساهمة المرأة الأمازيغية في مجال الإبداع الأدبي، وظيفة الحكي (قص الحكايات والأساطير المستوحاة من التراث الأمازيغي). فمهنة الحكي هنا لا تدل فقط على مدى المساهمة في الحفاظ على اللغة التي لها علاقة وطيدة بالفكر، حيث أن الحكايات والأساطير لا تقوم بمهمة تدوين اللغة وتثبيتها أو حتى بتمرير أنماط التفكير ومجالاته ومضامينه المعرفية فقط، بل ترمز أيضا إلى ما هو أهم بالنسبة للمرأة. إنها تضحيتها في المساهمة في تدوين لغة وفكر شعب، متنكرة لذاتيتها، مادامت لا توقع حكاياتها باسمها، وبهذا فهي تعتبر نفسها هبة للوطنية، بل للكونية بخصوص هذا المجال. وفي إطار هذا الدور الحفاظي على اللغة يقول عبد العزيز بن عبد الله في كتابه «معطيات الحضارة المغربية»: «في بعض القبائل الريفية مثل قبيلة بني بشير مازالت النساء يتكلمن تامازيغت في حين يستعمل الرجال العربية لقربهم من جبالة» ودائما مع التجربة النسوية في المجال الإبداعي، وتحديداً في مجال الشعر والغناء الأمازيغي، حيث يكفينا الإشارة هنا إلى أغاني تاساوت ل«مغيغدان آيت عتيق» وكذا ما أنتج باسم ميلودة بالحسيمة في الريف، وغيرهن كثير اخترن لأنفسهن أسماء مستعارة كما فعلت مغيغدان آيت عتيق التي اختفت عن الوجود، بعد أن أملت أشعارها على روني أولوج: «René Euloge». ونفس الشيء بالنسبة للشاعرة والمغنية الريفية ميلودة التي لازالت تبدع إلى يومنا هذا، ولا يعرف أحد من تكون في الواقع، حين استطاعت هذه النسوة الإسهام بشكل بارز في الحركة الإبداعية والفنية والفكرية والأدبية ولكن في نفس الآن هو نكران للذات الفردية، وهبة للذات الجماعية.