في أفق المؤتمر السابع عشر لحزب الاستقلال الرصيد الأساسي الذي يجب أن يقوم عليه الحزب السياسي هو المصداقية والوفاء بالالتزامات في حاجة الى ترقية السياسة ونقلها من مناقشة الأشخاص الى مقارعة الأفكار وتنافسية البرامج * العلم الإلكترونية ونحن على بعد ساعات من المؤتمر السابع عشر لحزب الاستقلال، وبالرجوع الى الحالة العامة التي توجد عليها السياسة في بلدنا في السنوات الاخيرة نلاحظ أن هناك تسارعا كبيرا في الأحداث وزخما في الأفعال وردود الأفعال كان حزب الاستقلال في خضمها كمكون رئيسي من المشهد السياسي في بلدنا. ومن القراءة المتأنية للاوضاع والقيام بالتقييم الموضوعي، نلاحظ بأن هناك اخفاقا واضحا في تدبير المرحلة سواء على مستوى التاطر و التمثيلية بدرجات متفاوتة حسب موقع المسؤولية. فنتائج عمل المناضلات والمناضلين والاستقلاليين كانت دون مستوى طموحنا ولا مجهوداتنا من أجل قيام حزبنا بادواره الدستورية، كما انها كانت في غالب الأحيان دون ما نتمناه او نطمح إليه لحزبنا على اعتبار أنه اقدم الأحزاب الوطنية، استطاع أن يحافظ على بقائه وتجذره في المجتمع، ولكن نظرا لتواتر الاخفاقات التاطيرية والانتخابية في السنوات الاخيرة، فإنه اصبح من الضروري تقييم عملنا وإعادة النظر في طرق تدبيرنا بصفة عامة. إن الاستقلاليات والاستقلاليين ياملون أن يكون المؤتمر السابع عشر للحزب خطا فاصلا لإعادة الحزب الى عنفوانه الذي مكنه من التغلب على الاستعمار، ومن جعل الفكر وسيلة لترسيخ القيم، ومن المساهمة في التنمية الاجتماعية وتحسين عيش المواطن على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وترسيخ حقوق الإنسان والدفاع عن الديمقراطية والقضايا العادلة فكان حزب الاستقلال ضمن المكونات السياسية الوطنية التي جعلت من نفسها منبتا لجيل من المفكرين والحقوقيين ساهموا بجانب هيئات أخرى في تطوير مجال الثقافة والفكر والديمقراطية وحقوق الإنسان المغرب. فحزب الاستقلال قام على اساس الفكر والقيم ويترجم هذا الكتابات الرائدة لمنظر الحزب الزعيم علال الفاسي ونخص بالذكر كتاب النقد الذاتي الذي جمع فيه أروع ما كتبه في باب النظريات الاجتماعية والاقتصادية والقيم الكونية التي يجب أن نرسخها من أجل مجتمع سليم، وكذا كتابات رواد الحزب الكبار ومن ضمنهم عبد الكريم غلاب والهاشمي الفيلالي وابو بكر القادري والعربي المساري وغيرهم كثيرون، الذين تركوا رصيدا مكتوبا جد هام على كل من أختار الانضمام لصفوف الاستقلال الاطلاع عليه والتشبع به. إن اهتمام الحزب من جديد بالفكر من شأنه ان يساهم في رقي السياسة وهذا يكون فيه ربح للوطن وللمواطن، «فحينما ترتقي السياسة كممارسة تكون –مسبقا –ارتقت كتفكير فجعلت الإنسان مبتداها ومنتهاها، وحينما تسقط السياسة كممارسة يختفي الإنسان من حيثياتها، والسياسة التي تقوم على الفكر ثابتة ثبوت الفكر في حين تزول السياسة القائمة على السلطة متى زالت السلطة، كما جاء على لسان استاذنا الفقيد عبد الكريم غلاب. ويدخل ضمن نهضة الفكر التركيز على مناقشة الأفكار والابتعاد عن استهداف الأشخاص وتبادل التهم والاتهامات والتنابز بالألقاب، وهي الأمور التي أوصلت السياسة في السنوات الاخيرة إلى اقصى درجات الانحطاط وألهت الناس عن مناقشة القضايا الكبرى وانتظارات المواطنين الذين هم في حاجة إلى إجابات عن همومهم من جهة وفي حاجة ايضا إلى قدوات سياسية تُحوِّلُنا جميعا من منطق التهجم على الأشخاص إلى منطق الخوض في الأفكار وتنمية الحوار الناضج والملتزم المسؤول بين السياسيين فيما بينهم من مختلف التوجهات وبين السياسيين وعموم المواطنين. وبالاضافة إلى ذلك على الحزب ان يساهم بشكل فعال في استرجاع الثقة وتعزبز المصداقية والوفاء بالالتزامات، فالرصيد الأساسي الذي يجب أن يقوم عليه الحزب السياسي هو المصداقية والوفاء بالالتزامات خاصة وأننا نعيش تدنيا كبيرا لمستوى الخطاب والفعل السياسيين أفقد المواطنات والمواطنين الثقة في السياسة ككل. والاستقلاليات والاستقلاليون يطمحون إلى تحقيق تقدم نوعي انطلاقا من المؤتمر السابع عشر والمساهمة في رد الاعتبار للأحزاب السياسية عن طريق استرجاع ثقة المغاربة في السياسة بعد ان فقدوها بسبب عدم احترام السياسيين لعهودهم وعدم الوفاء بالتزاماتهم بل واحيانا بتنفيذهم عكس ما يعلنون عنه سواء في وثائق المؤتمرات الوطنية أو في البرامج الانتخابية لاحزابهم او في البرنامج الحكومي عندما يتحملون المسؤولية الحكومية، اي الحرص على تحقيق الانسجام بين الاقوال والافعال لدى المسؤولين والمناضلين، ومن اجل ذلك، عليهم الالتزام بكل التعهدات سواء مع بعضهم البعض كمناضلات ومناضلين داخل أسرة سياسية واحدة أو مع المواطنات والمواطنين خارج الحزب او مع باقي الهيئات والمؤسسات. يجب الحرص على احترام مقررات الهيئات التقريرية واحترام الوعود المعبر عنها، كما يتحتم الا تصدر عن القيادات الحزبية التزامات أحادية لم تقررها الهيئات التقريرية وان يكون الامين العام هو الساهر على الالتزام بمبادئ الحزب واهدافه واحترام مقرراته كما ينص على ذلك الفصل 55 من النظام الأساسي للحزب. هناك ايضا حاجة كبرى للحكمة والتبصر والحنكة السياسية، فالانفعالات الآنية والتسرع في اتخاذ القرارات بصفة عامة تؤدي إلى عواقب وخيمة على متخذها وعلى محيطه ككل. وهذه القرارات المتخذة غالبا ما تكون غير صائبة ولا تحسب الآثار غير المحمودة المترتبة عنها. فالتحلي بالحكمة والتبصر خاصة لدى الامين العام والقيادة عاملان يمكنان صاحبهما من التعامل مع الامور باتزان مع تغليب العقل على العاطفة واستعمال التأني عوض التهور في اتخاذ القرارات. وهذا الامر يتطلب قدرا كبيرا من ضبط النفس والتفكير المتزن وبُعد النظر لتفادي المشاكل التي يقع فيها الحزب ويتحمل عواقبها ليس فقط المؤسسة الحزبية والمناضلون بل وعلى الخصوص عموم المواطنين. وبالإضافة لعنصري الحكمة والتبصر كعنصرين محوريين، يتحتم التوفر على عنصر مرتبط بهما وهو الحنكة السياسية التي تكتسب على الخصوص عن طريق التأطير كمهمة اوكلها الدستور للحزب السياسي، والتدرج في المسؤوليات الحزبية وكذلك عبر الممارسة العملية التي تمكن من المعرفة الدقيقة لظواهر الامور السياسية وخباياها. فالسياسة تعتبر صورة لا يمكن أن ننجح في تركيبها اذا لم نكن متمكنين من السياق الداخلي للكيان الحزبي وتاريخه وتجاربه السابقة في التعامل مع بعض القضايا، والسياق الخارجي المرتبط بالسياسة والمؤسسات الفاعلة فيها وخاصة الاحزاب السياسية سواء داخل الوطن اوخارجه وكذا مختلف التفاعلات المرتبطة بهذه العناصر وبين المؤسسات المذكورة. ان اي مناضل سياسي غيور على وطنه يهمه المساهمة في القيام بادواره الحزبية كما ينص عليها الدستور، ولكن الاجواء المشحونة التي غالبا ما يكون من ورائها مصالح فردية ومن مظاهرها تنمية العداءات ونزعات التفرقة، تحول دونه والقيام بواجباته، لذلك يؤكد الاستقلاليون على حاجتهم الأكيدة لرص الصفوف ومحاربة العداءات، فاي قائد في اي مجال كان يعتبر فاشلا ما لم يجعل جيوشه موحدة من أجل بلوغ الهدف. واذا كان المناضلون هم جنود داخل حزبهم، فلا يعقل أن يتقاتل الجنود مع بعضهم ويتركوا مواجهة العدو الحقيقي المتمثل في الفقر والأمية والإقصاء والتهميش والفساد. لذلك فالاستقلاليات والاستقلاليون ياملون التغيير المتمثل في وحدة الصف وتقوية روح الفريق الهشة عند البعض منا حتى يتوجه الجميع لمواجهة العدو المذكور بعيدا عن المصالح الخاصة والحسابات الضيقة، مع تشجيع التنافس المشروع والتدافع على العطاء والعمل ومحاربة العداءات المجانية والتدافع الانتهازي والمصلحي الذي يبعد الحزب عن أدواره الدستورية، مع الحرص على تجاوز المنطق السائد «من دعمني وصوت لي فأنا له ومن لم يصوت لي فانا عدوه»، مع الانضباط لاختيار الأغلبية حتى ولو كان دون اختيارنا الشخصي وإلا سوف يتم المساس بالديمقراطية التي نطمح إلى تحقيقها ونرفعها دائما كشعار، فمن الضروري الحرص على تعزيز احترام حرية الاختلاف وتشجيع روح التآخي والتسامح ومواجهة الفكر الاقصائي والانتقامي بسبب الاختلاف في الرأي، فلا يعقل أن يكون داخل جسم كحزب الاستقلال عداوات بسبب الرأي، كما يجب استيعاب انه عندما تتم مناقشة راي مخالف فإنها ليست حربا ضد صاحبه وإنما هي مقارعة بين وجهتي نظر بالحجة والبرهان الإقناع او الاقتناع. فالحزب في حاجة لكل مناضلة ومناضل بما تحمله هذه الكلمة من معنى بغض النظر عن عمره الواقعي أو الحزبي، نظرا لما يقدمه كل واحد منا من جهده ووقته وقدراته الفكرية والتاطيرية والعمل الميداني من أجل حسن تمثيل المواطنات والمواطنين وخدمتهم عن طريق مختلف المواقع والمنابر.