* بقلم// عمر نجيب يدور نقاش في عدة دوائر عسكرية وسياسية غربية وإسرائيلية بشكل أساسي حول إحتمال لجوء حكومة تل أبيب لشن حرب واسعة النطاق ضد سوريا وحزب الله على الأراضي السورية وحدها أو ضد حزب الله بمفرده على الساحة اللبنانية، وذلك من أجل إعادة ما تراه القيادات الإسرائيلية والأمريكية توازنا للقوى في الساحة الشرق أوسطية، وهو التوازن الذي إختل في غير صالحهما نتيجة إنكسار مشروع المحافظين الجدد في بلاد الشام. داخل إدارة البيت الأبيض والبنتاغون الأمريكي كما في أوساط عسكرية وسياسية إسرائيلية من يؤكد على ضرورة شن تلك المواجهة العسكرية الواسعة ليس فقط من أجل تعديل ميزان القوى بل من أجل طمأنة الأطراف الإقليمية والدولية التي إنخرطت في مشروع الحرب على أرض الشام منذ ما يزيد على ست سنوات والتأكيد لها بإلتزامات أمريكا تجاهها، ونفي كل تصور عن تراجع قدرة واشنطن في التأثير على مسار الأحداث في منطقة أساسية في صراع القوى العالمي. في نفس الوقت هناك معارضة لفكرة شن حرب واسعة في الوقت الحاضر. محاولة عكس التيار نشر موقع "ستراتفور" الاستخباراتي الأمريكي يوم 11 سبتمبر 2017، تقريرا يشير فيه إلى أن إسرائيل تحركت عسكريا سريعا وبكثافة في الآونة الأخيرة، وتستعد من أجل خوض حرب جديدة، في الوقت الذي شارفت فيه الحرب في سوريا على نهايتها. وأشار إلى أنه ما حرك تل أبيب، هو التقدم الذي يحققه الجيش السوري والجيش الرديف بمعاونة القوات الروسية، في كسر حصار "دير الزور، والاقتراب من طرد تنظيم "داعش" الإرهابي منه، في تطور وصف على أنه الأكبر في تاريخ المواجهات في سوريا. ولفت الموقع الأمريكي الانتباه إلى أنه في اليوم الذي حقق فيه الجيش السوري انتصارات واسعة في "دير الزور، بدأت إسرائيل أكبر تدريب عسكري لها منذ عام 1998، استمر لنحو 11 أيام، وشارك فيه نحو 10 آلاف جندي إسرائيلي. ما يلفت الانتباه أيضا، أن التدريبات العسكرية الإسرائيلية الأكبر منذ 20 عاما، لم تكن دفاعية بالصورة الكلية، بل كانت تدريبات هجومية أيضا. وانصب تركيز التدريب الإسرائيلي، على الاستعداد لحرب جديدة قد يخوضها مع "حزب الله" اللبناني، على طول الحدود الشمالية لإسرائيل. ورغم أن "ستراتفور" أشار إلى أن تلك التدريبات تم التخطيط لها منذ أكثر من عام مضى، لكنه أشار إلى أن توقيتها لا ينفصل بصورة كبيرة عن تطور الوضع الميداني في سوريا. وينبع مصدر القلق الأساسي لإسرائيل من تصاعد قوة الجيش السوري، وبالتالي تصاعد قوة القوات المتحالفة معه سواء من إيران أو حزب الله أو حتى روسيا. وذكر الموقع الأمريكي إن قادة إسرائيل يشعرون بقلق متزايد من نهاية الحرب في سوريا، خاصة مع بسط الجيش السوري سيطرته على الجزء الأكبر من البلاد، لأن هذا يعني أن القوات الموالية لحزب الله في سوريا لن تكون منخرطة في أي معارك، ولن يكون أمامها إلا النظر إلى "عدوها الأصلي"، وهو إسرائيل. كما أن تل أبيب تخشى أيضا، بحسب الموقع، من أن مشاركة "حزب الله" في الحرب السورية جعله أكثر خبرة، وأكثر قدرة على إعادة نشر قواته في لبنان، بصورة قد تشكل تهديدا حقيقيا من وجهة نظر إسرائيل، علاوة على حصوله على أسلحة حديثة في الحرب السورية سواء من دمشق أو موسكو. أما مصدر القلق الآخر، فهو أن فك حصار "دير الزور"، سيسهم في عودة خط الإمداد اللوجيستي القادم من إيران عبر العراق تجاه حزب الله، والذي كان انقطع لسنوات طويلة، بسبب حصار "داعش" لتلك المنطقة الاستراتيجية. ولا تبعد "دير الزور" عن الحدود العراقية إلا 100 كيلومتر فقط من ناحية الشرق، ولكن لا يزال الجيش السوري في حاجة لتثبيت سيطرته على المدينة والعبور إلى نهر الفرات، ولكن ما يعزز من فرص الوصول إليها هو أن تلك المناطق ذات كثافة سكانية منخفضة وسيطرة "داعش" عليها أقل قوة. إسرائيل تراهن، بحسب "ستراتفور"، على وقوف مقاتلي العشائر العربية مع قوات "سوريا الديمقراطية" المدعومة من الولاياتالمتحدة، في وجه التقدم السوري، تجاه الحدود العراقية. أما بالنسبة لسر تفكير تل أبيب أصلا في خوض تلك الحرب الجديد، فهو يكمن في أن تلك المنطقة تحتوي على عدد من حقول الغاز الطبيعي والنفط الهامة جدا، بحسب الموقع الاستخباراتي. وقال الموقع: "من يسيطر على تلك المنطقة، يميل ميزان القوة بشكل كبير تجاهه، ويبدو أن الجيش السوري صاحب الحظوظ الأكبر في ذلك الأمر". وتابع قائلا "رغم أن ما يعلن أن قوات سوريا الديمقراطية مدعومة من الولاياتالمتحدة، لكنها لا تحظى بالدعم الكافي، كما يحظى الجيش السوري بالدعم الروسي". وأشار إلى أنه "من الواضح أن أي محاولات لقوات سوريا الديمقراطية من التقدم جنوبا في دير الزور، سيواجه بقوة من القوات السورية المدعومة من حزب الله وروسيا، وفي النهاية سيؤول الأمر لسيطرة دمشق على حقول الطاقة والوصول إلى الحدود العراقية، وهو ما يشكل سبب الرعب الرئيسي لإسرائيل". السؤال الذي يطرح نفسه حاليا، ما سبب تعجل تل أبيب في خوض حرب جديدة ضد حزب الله في الوقت الحالي، والحرب في سوريا لم تضع أوزارها بعد؟ ويجيب "ستراتفور" عن ذلك الأمر، قائلا: "بنهاية الحرب في ظل وجود طريق بري مباشر يصل بين إيرانولبنان، فقوة حزب الله ستتعاظم، لذلك يرى قادة إسرائيل أن خوض تلك الحرب حاليا بشكل مباغت قبل نهاية الحرب في سوريا سيكون الخيار الأفضل، خاصة وأن حزب الله لا يزال منشغلا بالتزاماته في الحرب السورية". أما بالنسبة لطبيعة الهجوم، فهناك اختلاف داخل القيادة الإسرائيلية، بحسب "ستراتفور"، حيث أن هناك قادة يرون أن يكون من الأفضل شن غارات مكثفة على مواقع "حزب الله" العسكرية، فيما ترى وجهة نظر أخرى، أنه من الضرورة شن عملية عسكرية خاطفة للقضاء على مستودعات الصواريخ الخاصة بحزب الله في لبنان. ولكن مصدر القلق الإسرائيلي بالنسبة لتلك الحرب، يرجع إلى ردة فعل حزب الله المتوقعة، خاصة وأنه اكتسب "ثقة كبيرة" من معاركه في سوريا، ومن حروبه السابقة مع تل أبيب. ما الذي تغير منذ عام 2006؟ قبل أشهر من تقرير "ستراتفور" كتب جيفري وايت هو زميل للشؤون الدفاعية في معهد واشنطن وضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية تحت عنوان : ما الذي تغير منذ عام 2006؟. على مدى السنوات القليلة الماضية، عملت إسرائيل و "حزب الله" على تحسين قدراتهما لتتناسب مع نوع الحرب التي يتوقعان خوضها. إلا أن الحرب السورية أتت وغيرت المشهد الاستراتيجي بشكل كبير. من جانبه، وسع "حزب الله" بشكل كبير من حجم ومدى الصواريخ والقذائف التي في مخزونه. ففي عام 2006، خاض الحرب بحوالي 13 ألف صاروخ قصير ومتوسط المدى، مما سمح له بضرب أهداف في جميع أنحاء شمال إسرائيل. أما اليوم، فمن الممكن أن يمتلك ما يفوق عن 150 ألف صاروخ وقذيفة من بينها عدد من الأنظمة بعيدة المدى فضلاً عن أنظمة ذات دقة محسنة، الأمر الذي يسمح للحزب بضرب كافة أنحاء إسرائيل بدقة متزايدة. ويعتقد إن "حزب الله" قد أدخل أيضاً تحسينات أخرى على قدراته، بما فيها شبكة الدفاع الجوي والدفاع الساحلي، وذلك من خلال أنظمة حصل عليها من سوريا أو عن طريقها. ومن المرجح جداً أن يكون قد عمل على تعميق وتحسين قدراته المضادة للدروع من خلال استخدام صواريخ إضافية من غير كورنيت الروسية مضادة للدبابات. كما وحسن الحزب من تخطيطه الدفاعي في جنوبلبنان، وذلك عبر تثبيت قواته الهجومية والدفاعية بعمق في مختلف القرى والبلدات. إلى جانب ذلك، يؤكد الحزب أنه طور قدرة على تنفيذ عمليات هجومية برية داخل إسرائيل. ووفقاً لمدير إنتاج المعلومات في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، من المرجح أن تخترق قوات "حزب الله" الحدود وتحارب داخل شمال إسرائيل في حال اندلاع حرب أخرى. ومن الملاحظ أن الوضع الاستراتيجي ل "حزب الله" تغير أيضاً في أعقاب التزامه بإرسال قوات كبيرة إلى سوريا، إذ يخدم حوالي 5 آلاف من عناصره في سوريا في أي وقت من الأوقات. ومن جهة، قد يضعف هذا الوضع اهتمام "حزب الله" بخوض صراع كبير مع إسرائيل لأنه يحد من عدد القوات التي يمكن للحزب أن يحارب بها. ولكن من جهة أخرى، لا يبدو أن الحزب أرسل إلى سوريا عدة أنواع من الأسلحة قذائف صواريخ وأسلحة مضادة للدبابات التي من شأنها أن تكون أكثر إفادة له في مواجهة إسرائيل، كما وأنه اكتسب خبرة في العمليات العسكرية في سوريا يمكن أن تزيد من فعاليته في حرب برية مستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحزب أن يحاول استغلال وضعه الجديد من خلال العمل عبر الأراضي السورية على جبهة إسرائيل في الجولان. أما من الجانب الإسرائيلي فقد قام "جيش الدفاع الإسرائيلي" أيضاً بتحسين قدراته بشكل بارز منذ عام 2006، بما في ذلك تعزيز الاستخبارات والقوة النارية الجوية والمدفعية لتوجيه الضربات، مما يزيد من قدرته على تحديد الأهداف وضربها. كما وعزز الجيش الإسرائيلي من قدراته على المناورة على الأرض من خلال نشر دبابات أكثر تقدماً وقدرة وناقلات جندود مدرعة ميركافا 4 ونامر، على التوالي، وعبر تجهيز الوحدات المدرعة الرئيسية بنظام "تروفي" للحماية الذاتية الذي يستطيع أن يتصدى للذخيرة المضادة للدبابات. يشار إلى أنه منذ عام 2006 شددت تدريبات "جيش الدفاع الإسرائيلي" على الأرض، على العمليات ضد "حزب الله"، بيد أنه من غير الواضح مدى خضوع وحدات الاحتياط لهذه التدريبات. أضف إلى ذلك أنه تم تعزيز قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها ضد تهديد صواريخ "حزب الله" القصيرة والمتوسطة المدى من خلال اعتماد نظام "القبة الحديدية" المضاد للصواريخ، الذي لم يكن موجودا في عام 2006. كما تم تطوير نظام الدفاع المدني الإسرائيلي واختباره في النزاعات الأخيرة التي دارت مع حركة "حماس". حسابات إستراتيجية جاء في بحث نشر في لبنان خلال شهر مايو 2017 طرح سؤال حول إحتمال أن تشهد الساحة اللبنانية حرباً إسرائيلية خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة القادمة، نظراً للتصعيد الكبير الذي تشهده المنطقة، والإشارات والتهديدات المتبادلة بين "حزب الله" وإسرائيل: تبدو إحتمالات الحرب مساوية لإحتمال عدم حصولها، إذ إن مصدراً متابعاً للوضع الميداني بين "حزب الله" وإسرائيل، يقول أن الطرفين غير مستعدان للحرب، ولا يريدونها، خاصة أن "حزب الله" يخوض حرباً في سوريا التي لم تنته فيها المعارك بعد، كما أن إسرائيل لا تريد الدخول في مغامرة غير محسوبة، خاصة في ظل أزمة النازحين الإسرائيليين التي ستعاني منها. ويضيف: "لم تجد إسرائيل حتى اللحظة أي حل لمسألة المستوطنين الذين تستطيع إجلائهم من مدن الساحل الإسرائيلي،حيفا وعكا.. وهي تعجز عن إيجاد مناطق آمنة تستطيع إستيعاب كل أعدادهم". ويشير المصدر إلى أن "إسرائيل قلقة من مفاجآت الحزب خاصة في ظل الخبرات الهجومية التي إكتسبها حزب الله في الحرب السورية، وبسبب المعطيات الإستخبارية عن تعاظم قدرة الحزب التدميرية". من هنا يرى المصدر أن إسرائيل لن تقبل بسهولة أن تخوض حرباً مع "حزب الله" في هذه المرحلة إلا في حال كان هذا خياراً أمريكياً. لكن المصدر ذاته يشير إلى أن هناك إتجاه ثاني في إسرائيل ذاتها، يقول بأن الحرب يجب أن تحصل في بداية عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المتحمس لكبح النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، ولأن المعركة مع "حزب الله" هذه السنة، ستكون أفضل وأقل خسائر من الحرب معه بعد سنة او سنتين، نظراً لتطوره العددي والعسكري والتسليحي. ويلفت المصدر أن حسابات الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل هي حسابات إستراتيجية، وفي الحسابات الإستراتيجية لا مكان لإحتساب الخسائر. ويختم المصدر، إذا إعتبرنا أن حسابات الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل هي حسابات إستراتيجية صرفة تبحث عن المكتسبات الطويلة الأمد فتكون عندها الخسائر المباشرة خارج إطار تلك الحسابات. ترسانة "حزب الله" بتاريخ 8 أغسطس 2017 أقر الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، الجنرال غيورا آيلاند، الذي يعتبر من كبار الباحثين والخبراء في الشأن العسكري والأمني في إسرائيل، بعدم تحمل تل أبيب حربا جديدة ضد "حزب الله". ففي مقابلة له مع التلفزيون الإسرائيلي أعلن الجنرال آيلاند أن إسرائيل غير قادرة على تحمل حرب جديدة في مواجهة "حزب الله"، داعيا إلى العمل على تجنب المواجهة أو ما يمكن أن يتسبب باندلاعها. وقال آيلاند في معرض رده على سؤال إن الخشية من الحرب ليست بسبب احتمال وجود سلاح دمار شامل في حوزة "حزب الله"، بل بسبب ترسانته الصاروخية التقليدية التي تزيد على 150 ألف صاروخ من مختلف الأنواع والمديات، بحسب آخر التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية. ورأى الجنرال المتقاعد أن الهجمات الإسرائيلية في سوريا هي بمثابة جرعة منخفضة، ويجري تفعيلها بطريقة محسوبة جدا، كي لا تتسبب برد مباشر ضد إسرائيل، مشيرا إلى أن تلميحات وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بأن إسرائيل لن تسمح بمرور أسلحة متطورة، بما في ذلك أسلحة غير تقليدية، إلى "حزب الله"، هو نوع من الإقرار غير المباشر بأن قوة "حزب الله" العسكرية تتعاظم، وأنها تهاجم ما يمكن اكتشافه من عمليات تهريب أسلحة نوعية إلى لبنان. كما حذر من أن إسرائيل غير جاهزة لتحمل حرب في مواجهة مقبلة مع "حزب الله"، حتى وإن كانت أكثر جاهزية عما كانت عليه عشية حرب عام 2006، مشددا على أنه لا طاقة لها على تحمل تبعاتها بكل أبعادها. واستدرك قائلا: "أنا هنا لا أتحدث عن سلاح غير تقليدي، بل عن ترسانة "حزب الله" التقليدية، الأمر الذي يوجب علينا أن نسعى لمنع نشوب الحرب، وإن قدر لها أن تنشب فيجب أن تنتهي خلال ثلاثة أيام، وليس 33 يوما كما جرى في حرب لبنان الثانية في عام 2006″. ووفقا للجيش الإسرائيلي، فقد تحول "حزب الله" من منظمة حرب عصابات محلية إلى جيش، وقال مصدر أمني رفيع في تل أبيب لموقع "المونيتور" إن "حزب الله" لديه بالفعل عشرات الدبابات، وطائرات بدون طيار، وبعضها مسلح. تهديد هائل تساهم مراكز الدراسات الكبرى في الولاياتالمتحدة وخاصة تلك التي تحصل على دعم مادي من مؤسسات الدولة الفدرالية خاصة العسكرية والإستخباراتية، في تحديد سياسة البيت الأبيض وأسلوب تكتيكاته في مواجهة تطور الأحداث. إليوت أبرامز، زميل رفيع للدراسات الشرق أوسطية في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية نشر تقريرا في فاتح أغسطس 2017 حول فرضية حرب إسرائيلية واسعة النطاق في الشرق الأوسط تبنى فيه دراسة إسرائيلية، جاء في التقرير: خلال أعوام الرئيس باراك أوباما، تركزت المخاوف الخاصة بوضع إسرائيل الأمني على برنامج الأسلحة النووية الإيراني.واليوم، أصبح هذا التركيز يتحول: إلى التواجد العسكري الإيراني المتنامي في سوريا، والقوة العسكرية المتنامية لحزب الله، واحتمال اندلاع صراع كارثي بين إسرائيل وحزب الله. يتناول هذه المسألة مقال بعنوان "الخطوط السياسية والعسكرية للصراع التالي مع حزب الله"، والذي وضعه جدعون ساعر ورون تيرا. وتيرا استراتيجي عمل لفترة طويلة من الوقت ضابطاً وطياراً في سلاح الجو الإسرائيلي، وساعر سياسي إسرائيلي بارز، كان على مدار 11 عاماً عضواً في الكنيست "البرلمان" الإسرائيلي نائباً عن حزب الليكود. من الخطير محاولة تلخيص نص معقد ومثير للقلق بالعديد من الطرق، لكنني سوف أبدأ المحاولة مع ذلك. أولاً، الحرب ممكنة: "من الممكن أن يندلع صراع بسبب سوء الحسابات أو فشل في الاتصالات الاستراتيجية، أو تصعيد خارج على السيطرة". تشكل مراكمة حزب الله لأسلحة دقيقة تهديداً هائلاً لإسرائيل، مثلما يفعل التواجد الإيراني المتنامي في سوريا. ومعاً، قد يؤسس ذلك "محاولة تبذلها إيران وحزب الله للوصول إلى توازن استراتيجي مع إسرائيل، أو حتى امتلاك القدرة على توجيه ضربة سوف تحدث ضرراً كبيراً بأنظمة حساسة عسكرية ومدنية في إسرائيل". كيف ذلك؟ وفق بعض المعايير، تظل إسرائيل غير عادية في هشاشتها أمام الأسلحة الدقيقة، لأنها تشكل من ناحية بلدا غربيا يتوافر على بنية تحتية حاسمة ومتقدمة، وأنها من ناحية أخرى بلد صغير يتوافر على بنى تحتية حساسة ومركزة والقليل مما هو زائد على الحاجة. في ما يتعلق بتوليد الكهرباء في إسرائيل، على سبيل المثال، فمن أصل سعة توليد لحوالي 17.600 ميغا واط، فإن 28 في المائة منها تتنج في موقعين فقط، مع 10 وحدات انتاج تراكمي طوربينات، مثلاً. وتوفر مواقع توليد الكهرباء الستة الأضخم في إسرائيل بما فيها مواقع خاصة، نحو 51 في المائة من السعة القومية لتوليد الكهرباء عبر استخدام 26 في المائة فقط من وحدات الإنتاج. وهكذا، فإن التهديد الذي يشكله حتى عدد صغير من الصواريخ الدقيقة التي تخترق الإجراءات المضادة في إسرائيل لتضرب أنظمة حساسة، مثل توليد الكهرباء، قد يكون غير مسبوق. والصورة مشابهة فيما يتعلق بأنظمة حساسة أخرى، مثل إدارة الكهرباء الوطنية، والبنية التحتية للغاز الطبيعي، وتحلية مياه البحر، وهي خمسة مرافق فقط توفر حوالي نصف مياه الشرب في إسرائيل، والعديد من الأمثلة الأخرى في الحقول المدنية والعسكرية. خطوط حمراء كيف يجب أن تتصرف إسرائيل عندئذٍ؟ يجب على إسرائيل أن تحدد خطوطاً حمراء، بما في ذلك امتلاك حزب الله لأسلحة دقيقة، خاصة تصنيع صواريخ دقيقة على الأرض اللبنانية، بالإضافة إلى الانتشار المستقبلي في سوريا لأنظمة أسلحة إيرانية عالية الجودة مثل صواريخ أرض جو متطورة، وصواريخ ساحل بحر، وصواريخ أرض أرض دقيقة والاستعداد للتحرك قدماً في عملية تصعيد -كلما اقتضت الضرورة لإحباط عمليات صناعة الصواريخ. بالإضافة إلى زيادة ترسانة حزب الله، يشكل تواجد القوات الإيرانية في سوريا تطوراً جديداً لم يكن موجوداً عندما خاض حزب الله وإسرائيل الحرب في العام 2006. لذلك، يجب على إسرائيل دراسة ما إذا كانت تريد تحديد خط أحمر لزيادة التواجد العسكري الإيراني في سوريا، وإذا كان الأمر كذلك، الاستعداد للتقدم في التصعيد كلما كان ذلك ضرورياً بهدف منع ذلك الازدياد. من الممكن أن يجبر التواجد العسكري الإيراني المتنامي في سوريا إسرائيل على النظر إلى المسرحين السوري واللبناني كمسرح واحد. وسوف تدرس إسرائيل ما إذا كانت ستستمر في قبول النشاط الإيراني عبر وكلاء إيران والقوات السورية والعمل ضد هؤلاء الوكلاء أو العمل مباشرة ضد إيران. لماذا يحدث كل هذا الآن؟ يقول ساعر وتيرا إن اتفاقية العمل الشاملة المشتركة، الصفقة النووية التي أبرمتها إدارة أوباما مع إيران، قد تكون هي السبب. في الحقيقة، من الممكن أن يكون التعليق المؤقت أو الجزئي لبرنامج إيران النووي هو الحافز لما يبدو أنه محاولة الوصول إلى توازن استراتيجي مع إسرائيل في مجالات أخرى، إلى مدى معين كتعويض عن تعليق البرنامج النووي، مما يسفر عن تصعيد ديناميكي. ومن شأن هذه العمليات أن تضع النظام الإقليمي عند تقاطع طرق وأن ترفع من احتمالية نشوب حرب. دور روسيا هناك تطور جديد آخر: دور روسيا في سوريا، والتي لم تكن موجودة في صراع العام 2006. وكما يلاحظ المؤلفان، فإن "أي أعمال عدائية على الحدود الشمالية يمكن أن تشمل سوريا أو تتدفق إلى داخل سوريا لطائفة من المسوغات". ويجعل التواجد الروسي السياق برمته مختلفاً: تتمتع إسرائيل بالقدرة على تشكيل تهديد فعلي للنظام وإضعاف القوات التي تدافع عنه بشكل كبير. وفي حالة تمدد القتال إلى سوريا، وفي حالات معينة القتال في لبنان الذي يمتد إلى داخل سوريا يمكن أن تتدخل في المحاولات الروسية لإضفاء الاستقرار على نظامها الخاص في سوريا. لذلك، قد تحاول روسيا الحد من حرية العمل السياسي والاستراتيجي وحتى العملياتي الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه، تشكل روسيا عنصراً جديداً يؤثر على سلوك وانضباط وانتشار الأطراف كافة، وطبيعة أي تسوية محتملة في سوريا وآليات الإنهاء المحتمل للصراع. يستطيع دور روسيا الجديد في الحلبة أن يؤدي إلى أي من احتواء إسرائيل أو تمكينها من إنجاز أهدافها السياسية والاستراتيجية مستخدمة تطبيقات تصعيد قصيرة وتدريجية للقوة، سوية مع حوار سياسي مع روسياوالولاياتالمتحدة ومن الممكن في ظل ظروف معينة أن يكون إطار العمل هذا بمثابة الفكرة التي تعرف مفهوم إسرائيل للقتال في هذه الحلبة. كل هذا يعني أنه يجب على إسرائيل الآن أن تقرر، في أي صراع، من هو العدو يقول الكاتبان: "العدو الواضح هو حزب الله، لكن إسرائيل تستطيع أن تسمي الجمهورية اللبنانية كعدو، وهو مفهوم يزداد صلاحية بشكل متزايد نظراً لأن حزب الله سيصبح صاحب الحصة الرئيسية في لبنان. ومن الممكن تسمية العدو على أنه محور إيران وحزب الله والنظام السوري، وهذا المفهوم يتكثف نظراً لأن المحور المعادي يوسع طموحاته لتأسيس نفسه في سوريا". الحرب التالية لن تكسبها إسرائيل ولن يكسبها حزب الله. فأهداف الحرب الواقعية لإسرائيل لن توازي الضرر الذي سوف يلحق بها، والضرر الذي ستتسبب به بالضرورة. ويكتب ساعر وتيرا: "ثمة مدى محدود وحسب من الأهداف "الإيجابية" وممكنة التحقيق، والتي تستطيع إسرائيل أن تأمل بتحقيقها من حزب الله ومن لبنان. وبينما يكون هدف أي صراع مسلح سياسياً دائماً، فإن من الصعب في كثير من السياقات العثور على هدف ذي معنى وممكن الإنجاز بثمن معقول، وهو السبب وراء الافتقار الأساسي للقيمة التي يمكن العثور عليها في صراع عسكري بين إسرائيل وحزب الله". ولأنه لا يمكن استبعاد روسيا، فسيبقى لبنان نصف شيعي تقريبا، وسوف يبقى حزب الله على قيد الحياة، وكذلك علاقته مع إيران بعد الحرب، سيكون أفضل افتراض هو أن حزب الله سيبني نفسه وترسانته كما سبق وأن فعل بعد العام 2006. لكن حزب الله لن ينجز أي شيء إيجابي من وراء هذا الصراع بسبب إلحاق ضرر كبير به وبسبب جلبه دماراً هائلاً للبنان. ويكمن مكسبه الوحيد المحتمل في الضرر الذي سيلحقه بإسرائيل. وبطريقة ما، ستكون هذه هي "الأخبار الجيدة" فقط. لذلك، وعلى المستوى الأساسي، لدى كلا الجانبين رغبات "إيجابية" وحيوية التي يمكن أن يحققها كل من الآخر، مثلاً، لا يوجد أصل يريده كلا الجانبين، كما شعرت كل من إسرائيل ومصر إزاء سيناء وقناة السويس في العام 1973. وهكذا، يجب أن يكون لدى كلا الجانبين علامات استفهام كبيرة حول نسبة الكلفة، الفائدة من صراع كبير. وهذا عامل استقرار وضبط مهم. إذا اندلعت الحرب، يجب على إسرائيل محاولة إلحاق أقصى الضرر الكارثي بحزب الله بالسرعة الممكنة، بينما تحاول بالطبع الحد من الضرر الذي يلحق بها وببنيتها التحتية. وهذا يتصل بمحاولة الحد من طول أمد الحرب لأنه "ثمة صلة قوية بين عمق الضرر الذي سيلحق بحزب الله وبين الثمن المدني والعسكري الذي سوف تدفعه إسرائيل نظير إلحاق ذلك الضرر". بعبارات أخرى "من الممكن افتراض أن هناك صلة مباشرة بين أمد الصراع والثمن المدني والعسكري الذي سوف تدفعه إسرائيل". ولا ينطوي هذا بالضرورة على وجوب أن ترسل إسرائيل، في اليوم الأول من الصراع، جيش الدفاع الإسرائيلي بأكمله إلى داخل لبنان، وهو شيء لم تفعله في العام 2006 مما قاد إلى توجيه انتقاد بأنه كان هناك تعويل كبير جداً على سلاح الجو في الأيام الأولى من الحرب، لأنه "منذ 2006 تغيرت طبيعتة، وقد لا تحقق أرضية الهجوم المضاد التي كانت مواتية في العام 2006 الفائدة نفسها اليوم". ثمة نصيحة يسديها تيرا وساعر، وهي أن كل هذه القضايا يجب أن تبحث الآن وليس عندما تندلع شرارة الصراع. ويخلص الكاتبان في مقالهما إلى أن الجولة المقبلة من القتال سوف لن تنتهي "بشكل لائق". سوف لن تكون إسرائيل بالضرورة الطرف الذي سيطلق الطلقة الأخيرة، ولن "يستسلم" حزب الله على الأرجح وسوف يستمر في بناء قدراته، ومن المفترض أن يستمر حزب الله في ترويج سرده عن "انتصاره" الخاص. وهذا سرد "متقدم" وناضج وغير تمجيدي والذي يجب إعداده مقدماً. ومن أجل خلق التساوق في الجانب الإسرائيلي، يجب أن يتم تقديم هذا السرد مسبقاً للمجالات السياسية والعسكرية والشعبية في إسرائيل. وبعبارات أخرى، سوف لن يكون هناك نصر ساحق ماحق في هذا الحرب على غرار حرب العام 1967. ولن تتم مشاهدة بعض المكاسب المحتملة حتى يمر الوقت. إخلاء 72 ألف مستوطن يوم 6 سبتمبر 2017 نشر موقع "ديبكا" الاستخباراتي الإسرائيلي تقريرا عن المناورة الأضخم منذ 19 عاما التي بدأها الجيش الإسرائيلي يوم الثلاثاء 5 سبتمبر بمشاركة عشرات الآلاف من جنود القوات البرية والجوية والبحرية والوحدات الاستخباراتية بمن فيهم الاحتياط، كاشفًا أنّها مستقاة من الدروس التي تعلمتها تل أبيب جراء تعثرها في حرب يوليو 2006، أيْ حرب لبنان الثانية. ولفت الموقع إلى أن المناورة تحاكي احتلال بلدتين إسرائيليتين في طبريا والجولان على يد "حزب الله"، مشيرا في الوقت عينه إلى أن الجيش الإسرائيلي سيشن عمليات دفاعية وهجومية في عمق "خطوط العدو". وأوضح الموقع أن خطة المناورة تقضي بعدم السعي إلى التوصل وقف سريع لإطلاق النار وعدم إفساح المجال أمام "حزب الله" للاستعداد لجولة أخرى، أي مثلما انتهت الحرب في العام 2006. وتابع الموقع كاشفاً أن استراتيجيي إسرائيل يسعون إلى هزيمة "حزب الله" وبالتالي تحطيم معنوياته والقضاء على بنيته التحتية ووضع حد لإيمانه بأنه قادر على تدمير إسرائيل في الجولة المقبلة. في هذا السياق، عدد الموقع أهداف المناورة الثلاثة: أولاً، يتدرب الجنود الإسرائيليون على إخراج "حزب الله" من البلدات والقرى التي "سيحتلها" بالاعتماد على عنصر المفاجأة في أغلبية الأحيان. وفي التفاصيل أن إسرائيل تتوقّع أن يتجه "حزب الله" إلى المطلة ميسغاف عند الحدود اللبنانية وإلى طريق بوابة فاطمة التي تصل تلال طبريا الواقعة شمال مستوطنة كريات شمونة بالحدود اللبنانية الإسرائيلية. كما تتوقع إسرائيل أن يصل "حزب الله" برا وعبر الأنفاق إلى مستوطنتي زارعيت وشتولا بمحاذاة الحدود اللبنانية الإسرائيلية. ثانيا، ستقتحم قوة كبرى من الجيش الإسرائيلي الحدود وتدخل إلى لبنان في محاولة منها إلى هزيمة "حزب الله" بشكل سريع وحاسم في أرضه، علما أن إسرائيل مصممة على تكبيد الحزب خسائر فادحة على مستوى الأرواح والبنى التحتية، وفقاً للموقع. ثالثًا، يتدرب سلاح الجو الإسرائيلي على لعب دورٍ مختلفٍ في المواجهة، وذلك بعدما فشلت إسرائيل خلال العام 2006 نتيجة مبالغتها في الاعتماد عليه. وعليه، سيعمل سلاح الجو الإسرائيلي على التنسيق مع منظومات إسرائيل الدفاعية الجوية الأخرى، التي ستواجه صواريخ "حزب الله" التي يقدر عددها بمائة ألف بالإضافة أسطول الطائرات من دون طيار التي يعتمد عليها الحزب لجمع المعلومات الاستخباراتية وتوصيل الصواريخ والطائرات من دون طيار الموجهة المحزمة بالمواد المتفجرة. هذا وسيستعد الجيش الإسرائيلي للمرة الأولى لإخلاء نحو 75 آلاف مدني من البلدات والقرى القريبة من نيران "حزب الله". عمر نجيب للتواصل مع الكاتب: