قبل أيام خلف ظهور مغربية على قناة المستقبل الفضائية في برنامج «سيرة وانفتحت»، استياء كثير من النساء اللواتي تتبعن البرنامج وصرحن لجريدة العلم أن مثال هذه المرأة المتمرغة في وحل الرذيلة، أساءت لكرامتهن ولسمعتهن، واعتبرن أن البرنامج شوه صورة المرأة المغربية، مع أن السواد الأعظم أبيات لا يستسلمن للعوز والفقر بالرغم من تطويق الظروف الصعبة لهن من كل جانب، وتشبعن بمبدأ المثابرة والاجتهاد للتغلب على الصعاب من خلال العمل في كل شئ وفي أي شئ يدر عليهن مدخولا حلالا. وراء كل منهن حكاية صراع مرير بين الإحباط والأمل والمثابرة للعيش بكرامة دون الحاجة لمد أيديهن لأحد أو السقوط في وحل الرذيلة، يشعرن بالمسؤولية تجاه أنفسهن وأسرهن، فيخرجن من المنزل على أمل العودة بمبلغ حلال يساعدهن على تلبية حاجات يومهن من مأكل ومشرب، منهن مطلقات وأرامل ومنهن من تولت دور الرجل بعدما تقاعد زوجها أو ألم به المرض ولم يعد قادرا على الإنفاق. أمثلة النساء المكافحات لا تعد و تحصى نشاهدهن في كل مكان يتجسدن في أكثر من صورة وحالة، ومن كل ما نشاهده أمامنا نستعرض بعضا من نماذجهن اللواتي دخلن معترك الحياة الصعب، وها هي ذي بعض من صورهن كما روتها كل واحدة منهن لجريدة «العلم». ************ ياما أويت إلى فراشي جائعة ما أن تدخل الأسواق الشعبية حتى تستقبلك وجوه كثيرة لنساء مكافحات من مختلف الأعمار غالبا ما يفترشن الأرض ببضاعتهن من الخضر أو الألبان وسلع ومستلزمات حياتية أخرى حاملات على أكتافهن الهموم أو المسؤولية العائلية، عاليات شامخات برغم تهميشهن وتجاهلهن من قبل المجتمع، أسوق شعبية لها زوارها ومرتادوها، يجدون في جنباتها كل ما يحتاجونه، وكنت كلما مررت وسطها في خط سيري من مقر عملي إلى المنزل أنظر إليهن بشيء من الفخر والاعتزاز و قد تعودت أن ابتاع بعض من الحاجات الضرورية والكمالية منهن. نساء فقيرات منهن المطلقة والأرملة وزوجة المريض وزوجة العاطل، كلهن آثرن أن يكن مكافحات من أجل رغيف خبز حلال، ولم تدفعهن الحاجة قط إلى براثن الرذيلة والفاحشة لأنهن مؤمنات بأن الفقر وإن كاد أن يكون كفرا فلن يكون دافعا إلى ممارسة الرذيلة والنخاسة، وان «الحرة تجوع ولا تأكل من ثدييها»، إنهن نساء حق علينا أن نشد على أيديهن إجلالا وتقديرا ونبارك كفاحهن فمنهن من استطاعت أن تعيل أطفالها من عرق جبينها حتى أصبحوا رجالا ونساء تملأ ثغورهم الابتسامة والفخر بوالدتهم المثابرة، وهذه السيدة طامو تقول أنها وجدت نفسها بعد وفاة زوجها مسؤولة عن تربية ثلاثة أبناء، وان زوجها كان موظفا بسيطا لم يترك لها سوي معاشا لا يسمن ولا يغني من جوع، وأنها بعد وفاته أصبحت ملزمة بتوفير لقمة العيش لأولادها الثلاثة وتوفير ثمن الكراء لبيت قديم ضيق المساحة بحي شعبي.، وأضافت السيدة طامو: إن مصاريف الأولاد من مأكل وملبس ودراسة لا ترحم، «زوجي رحمه الله رغم انه كان موظفا بسيطا لم يتركني يوم من الأيام أفكر في مصاريف البيت، غير أن موته كان صدمة كبيرة لي ووجدت نفسي بعدها أمام قساوة الظروف، خرجت رغما عني لأمارس هذه التجارة لأنني لا أتقن فعل أي شئ ولم أجد عنها عوضا، أما أولادي فإنني بالنهار أوفر لهم لقمة العيش وبالليل أراقب مشوارهم الدراسي وسلوكهم لأنني أسهر على تعليمهم و تربيتهم تربية حسنة، ولا أخفيك سرا أني ياما أويت إلى فراشي جائعة بعد أن انتهي من إطعام أولادي. ... ومع ذلك أحمد الله تعالى السيدة فتيحة دخار اعتادت أن تبتاع سلعا مختلفة من شمال المغرب وتقوم ببيعها إلى زبنائها الموظفين في مختلف الإدارات التابعة لمختلف المصالح الإقليمية بمدينة الجديدة و داخل أسوار المدارس للمعلمات ولربات البيوت في منازلهن ، السيدة فتيحة قالت إن مدخولها من عملها كبائعة متنقلة بين زبنائها ومعارفها لايسد كل حاجات أسرتها وفي بعض الأيام لا تجد مشتريا واحدا ومع ذلك فهي تحمد الله تعالى على رزقها الحلال ، أما خديجة مفتاح فلديها خمسة أطفال صغار وتتقاضى من معاش زوجها المتوفى400 درهم شهريا وتسكن في بيت مؤجر اشتكت من ارتفاع الأسعار الذي شمل كل شيء حيث إن أطفالها ومنزلها بحاجة إلى مصروفات ومستلزمات لم تقدر على توفيرها في أغلب الأيام إضافة إلى وجودها خارج منزلها ابتداء من فترة الظهيرة وحتى المساء، واشتكت سيدة أخرى في عقدها الرابع من العمر من سوء وضعها المادي الذي تعاني منه، بعد أن تخلى زوجها عنها واضطرت لأن تبيع سندويتشات السردين المقلي بالأسواق الأسبوعية متجشمة عناء التنقل من سوق لآخر، محاولة جمع ثمن الإيجار، وتضيف قائلة: رغم أن التنقل من سوق لآخر يؤذيني إلا أنني أجد نفسي مجبرة على ذلك فانا لا أتقن عملا آخر غير هذا. حكاية كفاح حقيقية أما حكاية السيدة عائشة الرغاي فهي إحدى حكايات الكفاح الحقيقية تقول: توفي زوجي منذ 23 عاما، وكان موظفا متوسطا عند وفاته، ولم يترك لنا أي شيء سوى معاش بسيط لا يكفيني وأولادي الثلاثة، وإيجار شهري لغرفتين صغيرتين اتجهت لفصول التعاون الوطني وتعلمت الخياطة وبفضل الله ساعدت أبنائي، فبنتي الكبرى ستتخرج هذه السنة مهندسة وابني الأوسط محامي متدرب أما الأصغر فلازال في صفوف الإعدادي، وبابتسامة تضيف: أفتخر اليوم بقصة كفاحي هذه، ولاشك أن أحفادي وأولادي سيفتخرون بي وهذا ما يجعلني أشعر بسعادة لاتضاهيها سعادة. أما زينب الخضير فتحكي لنا عن مأساتها فتقول: عمري 44 عاما، توفي زوجي منذ 16سنة، لم يترك لي ولأولادي الخمسة أي شيء نواجه به الحياة، لم أجلس في منزلي في انتظار أن تمطر السماء ذهبا، كما رفضت الزواج مرة أخرى لأن كل همي كان منصبا على تنشئة أولادي وتربيتهم، عملت خادمة في البيوت إلى جانب المتاجرة في بعض السلع التي أجلها من الشمال وأصررت على تحمل مشاق الحياة وصعابها دون كلل أو ملل و تضيف: لقد ربيت أبنائي على الأخلاق وعلى العفاف والكفاف والغنى عن الناس، لذا أنصح كل من تعاني من مثل ظروفي عدم انتظار المساعدة والعون من الآخرين، وأن يكون هدفها تربية أبنائها تربية حسنة لأنها سوف تجني ثمار ذلك لاحقا وتتذكر أمينة اسمن قصتها فتقول: كانت الحالة المادية البسيطة لأهلي هي الدافع وراء زواجي في سن صغيرة من زوجي الذي كان يكبرني بسنوات كثيرة، ولكنه مرض مرضا مستعصيا بعد زواجنا وتوفي متأثرا بمرضه، وخلال هذه السنوات صرفنا كل ما نملك من أموال، ولم يكن لنا سوى معاش بسيط لي ولابنتي وابني، كان هدفي هو تعليم أبنائي لذا فقد سعيت للعمل ووفقني الله في العمل بمعمل الزرابي، ورغم معاناتي ومرضي فإن إيماني لم يتزحزح وكنت على يقين ان بعد العسر لابد من اليسر فأكرمني الله بأن كان أولادي دائما من المتفوقين في دراستهم، واليوم وصلوا إلى المرحلة الجامعية. تخفي آلامها خلف ابتسامة السيدة خديجة تعول أسرتها الصغيرة من نقش الحناء ، وتكابد الأمرين في التوفيق بين واجبها كربة منزل وبين واجبها كأمراة كادحة تقتات من عرق جبينها خاصة وأنها تقع على مسئوليتها تربية أطفال صغار لاتستطيع أن تطيل غيابها عنهم ، فقد كانت تخفي آلامها خلف ابتسامة وتكبت فقرها بعفاف ، وتحت مظلة صغيرة بالقرب منها تصارع زهيرة 49 عاما قساوة الحياة من اجل أن تعيش بكرامة، فمنذ أن مرض زوجها وأصبح طريح الفراش، وأسرتها تعيش في فقر مدقع، ومعاناتها تزداد يوما بعد يوم، خاصة كلما كبر أبناؤها وكثرت نفقاتهم، تقول زهيرة في حديثها «للعلم»: لم استطع أن أرى أطفالي بهذه الحالة دون عمل أي شيء، وأخذت أفكر بعمل يسد رمق أسرتي وأطفالي إلى أن اهتديت لعمل النقش بالحناء وتتابع زهيرة: مجموع دخل هذا العمل لا يكفينا للإنفاق على أبسط أمور الحياة، حيث كنت بحاجة لعمل آخر حتى أستطيع توفير متطلبات العائلة ، فإضافة إلى عمل النهار اشتهرت بصناعة ورق البسطيلة وهكذا ابذل كل جهدي لتوفير قوت أسرتي اليومي، معاناة زهيرة لا تقتصر على لقمة العيش وحدها وإنما تشمل أيضا بيتها الذي لا يصلح للسكن مطلقا فالمياه تتسرب إليه في الشتاء وتفيض عبر قنوات المياه العادمة، أما الرطوبة فتطال جدرانه طول السنة، وبحسرة الكلمات التي ترتجف على شفتيها تقول زهيرة: عندي أربع بنات ، وتتابع: «بصراحة أحاول أن أزوج بناتي في سن مبكرة لأني لا أقدر على الإنفاق عليهن، ولا أريد أن أطلب الإحسان من أحد، فانا اطلب العون والستر من الله وحده عز وجل»، وهكذا تعيش السيدة زهيرة ياباء وكرامة، وان كانت ظروف معيشتها لا ترحم، تصارع من أجل بقائها وأسرتها على حياة كريمة، تثابر وتكافح من اجل قوت يومها واقل مستلزماتها. ختاما إن المرأة المغربية كانت ولازالت عنوانا للكفاح، قادرة على التعايش مع الفقر وقادرة على التجاذب الحاصل بين شغلها خارج البيت ودورها كأم، فكم هي رائعة المرأة المغربية عندما تكون عفيفة وعندما تكون أبية وفية لأسرتها، وعندما تكون واثقة من نفسها ومخلصة لأولادها ولمجتمعها وعندما تعمل بجهد وإخلاص من أجل حياة حرة كريمة.