تفاعلا مع مخرجات الدراسة التي أنجزها الأستاذ نزار بركة من أجل مشروع استقلالي يستشرف المستقبل بقلم – بدر بن علاش بقيت أيام معدودة على عقد المؤتمر العام لحزب الاستقلال، والذي يحظى باهتمام بالغ من قبل جل المتتبعين للشأن الحزبي الوطني، باعتباره محطة تنظيمية مفصلية في تاريخ هذا الحزب الوطني العريق الذي تأسس قبل أزيد من تسعين سنة على يد ثلة من رواد الحركة الوطنية، محطة تأتي في خضم نقاش لم يعد محصورا بين الاستقلاليين فقط بل تعداه ليشمل شرائح عديدة من المجتمع المغربي حول أفق عمله المستقبلي، خصوصا بعدما عرف في السنوات الأخيرة الكثير من التشنجات و الشد والجذب جعلت منها مختلف وسائل الاعلام المحلية و حتى الدولية عناوين عريضة لموادها الإخبارية. كما أن هذا المؤتمر ينعقد والرأي العام الوطني مازال يستحضر مضامين خطاب جلالة الملك لعيد العرش الأخير، والذي حمل شحنات قوية ورسائل غير مشفرة لكل الفاعلين السياسيين بعدما اعتبر أن زمن الحسابات السياسوية قد ولى إلى غير رجعة، وانه لا مجال للمصالح الضيقة، معتبرا أن تراجع الأحزاب السياسية وممثليها عن القيام بالأدوار المنوطة بهم، عن قصد وسبق إصرار أحيانا، أدى الى نتيجة حتمية وهي تأزيم الأوضاع وفقدان المواطنين للثقة في أحزابهم. وفي خضم الاستعداد لهذا العرس الاستقلالي،خرج الأستاذ نزار بركة، ،وهو الذي طالما عرف عنه تمرسه السياسي، بخطوات هادئة ومحسوبة بعيدا عن البهرجة والشعبوية السياسية، باستمارة وضعها بين الاستقلاليين من أجل الإجابة عن مجموعة من الأسئلة التي يمكن من خلالها استنباط مجموعة من الاستنتاجات والخلاصات الكفيلة بتشريح الوضعية التنظيمية للحزب، والوقوف على مكامن الخلل من أجل استشراف المستقبل، وإعادة الروح لجسد هذا الحزب، حتى يلعب الأدوار المطلوبة منه بالشكل الذي يحقق تطلعات المناضلين، اذ لا مجال في القادم من السنين لأحزاب هشة و ضعيفة البنيان وغير قادرة على تأطير المواطنين وتجتر ذيول الخيبة في الاستحقاقات الانتخابية. ومن بين مخرجات هذه الاستشارة الموسعة على كل الحساسيات والفعاليات المكونة للبيت الاستقلالي بهدف إشراكهم في تشخيص واقع حال الحزب بإيجابياته وسلبياته؛ يرى 84.6 % منهم البعد الديمقراطي في مقدمة الانشغالات التي يجب الارتكاز إليها لترسيخ واستكمال البناء المؤسساتي لبلادنا ما بعد دستور 2011، حيث أضحى الخيار الديمقراطي ضمن الثوابت الجامعة للأمة المغربية، وبالتالي هناك اقتناع راسخ لدى المستجوبين أن هذا البعد يبقى ركيزة أساسية نحو الانتقال الديمقراطي السليم عبر سلوكات تقوي التمثيلية الديمقراطية سواء في دواليب الدولة أو داخل الأحزاب ومختلف المؤسسات والفاعلين. كما ان 64.1 % يعتبرون أن الأولوية يجب ان تكون لقيم الحوار والتوافق، وهي نسبة تؤكد بما لا مجال للشك الرغبة الأكيدة للمشاركين في هذا الاستمارة إلى تموقع الحزب ضمن التوجهات والخيارات السياسية والمجتمعية المرجحة لكفة الحوار في تدبير الخلاف، والبحث عن التوافقات المسؤولة، وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء، والتأكيد على ضرورة استعادة الحزب هويته كحزب "وسطي" يسعى إلى الإصلاح والتغيير في سياق التوازنات والتدرج والاستقرار، وأن يستثمر منظومة قيمه الداعمة للتساكن والتماسك والمساواة والإنصاف والارتقاء الاجتماعي، دون إقصاء ولا تهميش، ومن هنا يمكن ان أستشف أن الاستقلاليين لم يعودوا يقبلون مستقبلا مشوبا بالمواجهات المجانية والاندفاع غير المحسوب النتائج خدمة لأجندات ومصالح ضيقة فوتت إلى وقت قريب على حزبنا فرصا كان بالإمكان استغلالها، بل و أدخلته متاهات كان في غنى عنها. ومن بين النسب التي ينبغي الوقوف عليها مليا تعبير 96 % من المشاركين عن قلقهم وعدم رضاهم عن الاطار التنظيمي الحالي، وضمن هذه النسبة الأخيرة أكدت 70 % من الإفادات ضرورة إجراء مراجعة هيكلية للتنظيم بما يجعله قادرا على ترجمة هوية وتوجهات الحزب، والاستجابة لحاجيات المناضلين وخدمة المواطنين، ان هاتين النسبتين لا تدعان للشك في أن الاستقلاليين يعيشون حالة من الضيق مما تعانيه تنظيمات الحزب من تراخي وعدم قدرتها على الاستجابة للتطلعات،و بالتالي سيادة منطق معاكس لمقولة الفيلسوف والباحث ادم سميث"دعه يعمل دعه يمر". وأمام النتائج المخيبة للتطلعات خلال مختلف الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة ،فإنه لا خيار أمام الاستقلاليين سوى إعادة ترتيب البيت الداخلي ودعم أسسه، بما يضمن إعادة الروح للتنظيم،وضخ دماء جديدة،ورص الصفوف، وفسح المجال للكفاءات والأطر بدل تهميشهم واقصائهم وسيادة منطق الولاءات. وحول المبادئ الأساسية التي يتعين إعطاؤها الأولوية لتجويد حكامة التنظيم في ضوء التطلعات المعبر عنها، يضع المستجوبون الديمقراطية الداخلية على رأس الأولويات بنسبة 62.4%، متبوعة بالشفافية في التدبير بنسبة 61.6 %، ثم القرب من المواطن بنسبة 61.3%، وعليه فإن التطلع نحو الديمقراطية الداخلية يؤكد الرغبة الملحة لفئة من الاستقلاليين الى فتح الأبواب أمامهم مشرعة في تقلد المناصب و المسؤوليات في اطار من التنافس الديمقراطية النزيه بين كل الاستقلاليين بشكل متساو دون تغليب فئة على الأخرى. فمخرجات هذا الاستمارة تستنتج أن الديمقراطية بالنسبة للمناضلات والمناضلين ليست رهانا خارجيا ضمن مقومات المشروع المجتمعي للحزب، وإنما هو كذلك رهان داخلي في التسيير واتخاذ القرار، بحيث يخضع الحزب للممارسات الجيدة التي تحتكم إليها باقي المؤسسات، من شفافية وتيسير الحصول على المعلومة، مع إدراج "خدمة المواطن" في صلب الهندسة التنظيمية للحزب. لقد استطاعت المخرجات العديدة ذات القيمة العلمية العالية للاستمارة التي وضعها الأستاذ نزار بركة، أن تقوم بتشريح موضوعي عميق للذات، ووضع الاصبع على مكامن القوة والخلل، وبالتالي يمكن اعتبارها مبادرة تشاركية تستفز العقول وتدفع بها نحو التفكير و النقاش المجدي لوضع قاطرة الحزب على المسار الصحيح.