مع اقتراب إسدال الستار على منافسات بطولة كرة القدم بمختلف أقسامها ودرجاتها، وفي ظل الأجواء المشحونة التي تجرى فيها مقابلاتها بسبب الوضعية المقلقة التي تعيشها الفرق المهددة بالنزول إلى الأقسام السفلى بشكل خاص، عادة ما تسجل حالات توتر وانفعال لدى اللاعبين قبل خوض غمار المباراة أو أثناءها، فما هي الآثار المترتبة عن مثل هاته التصرفات والتي قد تحيد بالمنافسات عن مبادئها وأهدافها التربوية والأخلاقية والإنسانية؟ ذلك ما تجيب عنه هذه الدراسة السيكولوجية من خلال جلسة خاصة مع أستاذ علم النفس التربوي مصطفى يوسف. من المعروف أن الانفعال حالة نفسية ذات شعور قوي يتميز بالإثارة الجسدية وبالاستجابة السلوكية الفورية، تصاحب هذه الحالة النفسية تغيرات فيزيولوجية وحركية تلاحظ على الإنسان المنفعل، وقد يولد الانفعال الحاد أحيانا أفعالا قهرية عنيفة إزاء الأشخاص أو المواقف المثيرة للانفعال، ومن بين أهم المظاهر الانفعالية حالات الخوف والغضب والضيق والفرح والابتهاج والحماس، والمعروف أن حالات الانفعال قد تكون خفيفة عادية لها انعكاسات إيجابية على نشاط الإنسان وقد تكون عنيفة غير طبيعية لها عواقب غير محمودة. عادة ما يكون الانفعال الخفيف حالة نفسية طبيعية بل ومفيدة للرياضيين لها أثر إيجابي على نشاطهم، يلاحظ هذا الأثر مثلا على الرياضيين الذين يشعرون بانفعالات طبيعية قبل وأثناء ممارسة أنشطتهم الرياضية، يكتسبون بفضلها قدرة على التحمل ويظهرون طاقة أكبر ولمدة أطول عما لو كانوا بدون تلك الانفعالات، فالملاكم المتحمس لا يشعر أثناء المبارزة بما يحدث في وجهه من إصابات وجروح، ولاعب كرة القدم الذي يخاف من الهزيمة ويتحمس للانتصار يستطيع أن يظل يلعب بحيوية طوال المباراة، أما الملاكم الهادئ غير المتحمس غير المنفعل يستطيع خصمه أن يهزمه بسهولة. إن الانفعال الخفيف والطبيعي يشكل حافزا نفسيا للرياضيين وله أثر إيجابي كبير في إحراز انتصاراتهم، إن فريق كرة القدم المشتعل حماسة وتحمسا هو الذي ينتصر على الفريق الهادئ الواثق غير المتحمس، وتاريخ كرة القدم حافل بانتصارات فرق مغمورة على منافساتها من الفرق الكبيرة حيث تدخل الفرق الأولى خائفة من الهزيمة متحمسة للانتصار بينما تواجهها الفرق الثانية بالهدوء وبالثقة الزائدة في النفس أو تواجهها باللامبالاة. إن أثر الانفعال الطبيعي على اللاعبين يعرف إيجابيته مسيرو الفرق الرياضية لذلك يسعون دوما إلى خلق مختلف الانفعالات المناسبة والمحفزة في اللاعبين قبل المباراة وخلالها ويحرصون على أن يثق الفريق بنفسه أكثر من اللازم. و الانفعال حينما يتجاوز العتبة النفسية الطبيعية يتحول إلى حالة نفسية قوية وعنيفة تؤدي أحيانا إلى إعاقة نشاط اللاعب حيث يفقد وهو تحت وطأة الإثارة القدرة على التركيز والانتباه، وقد يعطل الانفعال الحاد عملية التفكير السليم بل وقد يصل الأمر إلى فقدان القدرة على السيطرة على السلوك والاستجابة، فاللاعب الغاضب الثائر الممتلئ بالتهيج يبدي استجابات سلوكية عنيفة وكلما زادت قوة الانفعال كلما كانت الاستجابة أكثر حدة، أما الجانب النفسي والسلوكي للانفعال الحاد فعبارة عن حالة تهيج وإثارة تسهل تصريف الاستجابات السلوكية العنيفة، فعندما يعرقل مثلا لاعب كرة القدم أمام المرمى دون مجازاته قد يولد لديه ذلك الإحباط انفجارا انفعاليا وعنفا وعدوانية في غياب قدرة اللاعب على ضبط الانفعال والتحكم في الاستجابة السلوكية، وقد ينتهي الأمر بسوء تكيف اللاعب مع سياق اللعب ومع المجال الذي يجرى ضمنه ذلك اللعب، وإلى جانب التهيج النفسي الذي يصاحب الانفعال الحاد هناك عدة عمليات عصبية وفيزيولوجية معقدة مرافقة لذلك التهيج النفسي، ففي تلك الحالة تزداد إفرازات غدة (الأدرينالين) الشيء الذي يؤدي إلى اضطراب في عمل الغدد الصماء فترتفع بذلك سرعة دقات القلب وسرعة التنفس وتزداد كمية السكر في الدم ويرتفع الضغط وتتسع حدقة العين، كل هذا يسهل عملية التهيج ويؤثر على السلوك، لذلك يسعى مثلا بعض الملاكمين قبل وأثناء المبارزة إلى إثارة خصومهم محاولين بذلك إثارة انفعال الغضب والغيض لديهم وجرهم إلى التهيج النفسي وإلى التوتر الجسدي قصد تفكيك قدراتهم على التركيز وإضعاف إمكاناتهم على التحمل. للانفعال الحاد جوانب نفسية وجسمية وسلوكية تنعكس سلبا على نشاط اللاعب، وقد تشكل العدوانية صفة من صفات هذا النوع من الانفعال، ونشير هنا إلى أن النضج الجسمي لدى أي لاعب وفي أي مجال رياضي هو في حاجة أساسية وضرورية إلى النضج الانفعالي المتمثل في قدرة اللاعب ضبط انفعالاته والتحكم فيها وتوجيه استجاباته وفق المستوى المقبول ووفق ما يتناسب مع المواقف المثيرة ومع الأهداف الإيجابية والبناءة. إن الرياضة - أية رياضة- هي نشاط تربوي وأخلاقي وإنساني قبل أن تكون مجرد نشاط جسدي.