…لن أغالي القول من خلال إحساس بما أرى وألمس كغيري من العباد، بفعل الواقع المعاش صباح مساء عبر مختلف الفضاءات (البيت، العمل، المقاهي، المدارس، الطريق العام، وسائل النقل) وغيرها، أن مخترع الهواتف النقالة الذكية لم يكن إختراعه بريئا، بل مبعث الوصول إلى إحداث شرخ بين الإنسان ونظيره الإنسان، بعد أن ملكه جن إسمه الهاتف الذكي الذي يجوب العالم وأخباره ومظاهره الإيجابية والسلبية والأخلاقية بمجرد نقر مفاتيح هذه العناوين عبر الشبكة العنكبوتية، التي أصبح الإنغماس الكلي في عالمها نوع من الإستيلاب الفكري والسلوكي للفئات التي استعبدتها عملية التواصل الاجتماعي، للخوض في خصوصيات وأسرار وفضح وتقريع الناس بدون موجب حق، تحت طائلة الانفتاح العالمي والتواصل وتقريب المعلومة والخبر والتشهير بخبايا الأمور، إلا أن الإلتصاق اليومي بها صباح مساء تحول من البحث عبر هذه الهواتف إلى ظاهرة التفاعل المطلق معها، وإحلال شبه قطيعة بين حامليها داخل البيت الواحد الذي تحول في رأي الكثير إلى شبه محل للتسيير، كل منشغل مع هاتفه أو لوحته الإلكترونية بعيداً عن الجلسات العائلية التي كانت إلى زمن قريب مناسبة للنقاش وطرح الأفكار والتبصر لما يجرى داخل ذات البيت أو المجتمع ككل، ونفس الحالة تنتاب كل المجالس، والفضاءات، أي انسياق الفرد مع هاتفه دون اكتراث للوقت أو الاهتمام بالآخرين. من هنا أرى أن ما اعتبره الكثير نمطا جديدا من الاستيلاب هو فعلا كذلك مادام أن تجاوزه قضاء الأغراض عبر الاتصالات الكلامية إلى إدمان رهيب حول عقل الانسان من أداة للتفكير والابداع وحسن السلوك إلى اعتماد كلي على معطيات هواتفه الذكية والتي يتجلى ذكاؤها في جعل هذا الانسان عبداً (مشرط لحناك)كما يقول المثل المغربي، أتساءل في الأخير وبحسن نية ترى كيف سيكون حال الإنسان إن توقف عمل هذه الشبكة وأصبحت الهواتف واللوحات عبارة عن (قشوشة) في اليد!؟