حكاية (أكلة البطاطس) التي درسناها في زمن كان فيه التعليم مرتكزا على الإبداع الخلاق للتلاميذ وأسرة التعليم، وكانت فيه المؤسسة التربوية مجالا حقيقيا لتطهير السلوكات المشينة، هذه الحكاية جمعت بين أمرين هامين أولهما تنشيط ذاكرة التلاميذ من خلال القدرة على التركيز والتذكر والترتيب كنظام لحياة متوازنة، وثانيهما أن كثرة الدلال توصل إلى نقطة الاستهتار، فيتشكل منها صراع يشمل كل فئات هذه الحكاية، والتي قد تكون هي فئات المجتمع، ويبقى الدرس هو الصراع بين منطق الطبيعة العادي، وبين منطق محاولة فرض أمر واقع قد لايكون مقبولا. تقول الحكاية التي تروى عن طفل مدلل رفض أن يأكل البطاطس: قالت الأم للولد: كل البطاطس فقال الولد: أنا لا آكل البطاطس فقالت الأم للعصا: اضربي الولد، فقالت العصا: أنا لا أضرب الولد، فقالت الأم للنار: احرقي العصا، فقالت النار: أنا لا أحرق العصا، فقالت الأم للماء: اطفئي النار، فقال الماء: أنا لا أطفئ النار، فقالت الأم للبقرة: اشربي الماء، فقالت البقرة: أنا لاأشرب الماء، فقالت الأم للسكين: اذبح البقرة، فقال السيكن: أنا لا أذبح البقرة، فقالت الأم للحداد: اكسر السكين فقال الحداد: أنا لا أكسر السكين، فقالت الأم للحبل اشنق الحداد، فقال الحبل: أنا لا أشنق الحداد، فقالت الأم للفأر، اقضم الحبل، فقال الفأر: أنا لا أقضم الحبل، فقالت الأم للقط: كل الفأر، فقال القط: أنا آكل الفأر، فقال الفأر: أنا أقضم الحبل، وقال الحبل: أنا اشنق الحداد، وقال الحداد: أنا أكسر السكين، وقال السكين: أنا أذبح البقرة، وقالت البقرة:أنا اشرب الماء، وقال الماء: أنا أطفئ النار، وقالت النار: أنا أحرق العصا، وقالت العصا: أنا أضرب الولد، وقال الولد: أنا آكل البطاطس، وأكلها. إن حكاية تختزل الكثير من المساجلات التي تعرفها ساحتنا السياسية هذه الأيام، والمطبوعة بدلال مبالغ فيه لجهات معينة يصيبها قبل غيرها بالمنطق المعكوس للحكاية، الذي يعيد الدورة الطبيعية للحياة للاقتناع بضرورة أكلة البطاطس. هذا المنطق المبني على ا متحان التساوي بين كافة فئات الشعب، وهيئاته السياسية والنقابية والجمعوية في الحقوق كما في الواجبات لافرق بين هذا وذاك إلا بروح الابتكار المبني على تجانس الأقوال والأفعال، وعدم الردة على الذات، بعيدا عن كل الاستفزازات التي قد تكون نتائجها عكسية، خاصة في ظروف الحديث عن العزوف عن المشاركة في الحياة السياسية من خلال الاستحقاقات، والذي أضيف إليه اليوم عنصر جديد وخطير وهو مايلاحظ في الكثير من الأماكن من عزوف عن الترشيح للكفاءات، والكثير ممن يتمتعون بنظافة الذمة والضمير، وهو معطى جديد يسائلنا جميعا، ويفرض علينا الوقوف بقوة وبدون تردد أمام كل ما يمكن أن يعيد بلادنا إلى مراحل انتهت تحت أي تبرير كان، ولا يمكن السكوت عن ملامح إعادة انتاج هذه المراحل بكلمات قد تكون براقة ولكنها لاتلائم الكثير ممن يحاولون استعمالها بحكم ماضيهم ومسؤولياتهم عن تلك المراحل. لقد ألفنا في مشهدنا الإعلامي خلال أي استحقاق أن نسمع لفظة (دوائر الموت)، وبقطع النظر عن المقصود بها سياسيا، فإنها تبقى صفة صالحة اجتماعيا لتكون شاهدة على الموت الذي أصاب العديد من الدوائر والجماعات التي تحكم فيها العابثون بقيم المواطنة، الناهبون للمال العام، لظواهر الارتشاء، وتشويه العمران، وانتهاك شفافية الصفقات العمومية إلخ.. إن الشعب المغربي ينتظر خلال استحقاقات 12 يونيو 2009 الكثير من المصداقية، ينتظر «دوائر الحياة» لتبث في عزيمته دروح أمل باسم مشرق، دوائر الحياة لتعطي معنى لقيم الديمقراطية النبيلة، والحكامة الجيدة التي يكون فيها التعاقد التزاما ممارسا على أرض الواقع، دوائر الحياة التي تكون فيها المحاسبة مبنية على مرجعية تعاقدية واضحة وهو التصور الذي حمله برنامج حزب الاستقلال بكل اعتزاز، برنامج التعاقد الواضح (جماعتي).