إن المطلوب من وزارة التشغيل والتكوين المهني و من خلالها مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل من إحداث مؤسسات التأهيل المهني اعتمادا على إمكانيتها أو بشراكة مع الجماعات المحلية أو القطاع الخاص أو مع الحركة الجهوية التربوية. تنفيذا للفقرة الثالثة من المادة 481. ويستدعى الأمر وبمقتضى الفقرة الخامسة من نفس المادة قيام وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر بإحداث أقسام داخلية صالحة لإيواء الأطفال أصحاب السلوكات الجانحة الذين لا يزالون في سن التمدرس. وللنهوض بالمؤسستين الموجودتين رهن إشارة القضاء على المستوى العملي وهما نظام الحرية المحروسة الواردة بالفقرة الثانية ومؤسسة التربية المحروسة أو التربية الإصلاحية الواردة بالفقرة السابعة من المادة 481 من قانون المسطرة الجنائية، يحتاج إلى العديدة من الإجراءات و أهمها: - النهوض بالموارد البشرية كما و نوعا - إعادة قراءة رسالة هاتين المؤسستين في ضوء التحديات الراهنة وتطلعات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وذلك بالتركيز على البعد التربوي والتأهيلي للمستهدفين من مخططات وبرامج ومناهج هذه المؤسسات اعتمادا على مبادئ التقبل والفردية والسرية في علاقات الطاقم التربوي بالمستهدف من عمل المؤسسة الذي يجب تشخيص حالته ودراساتها وصياغة المقاربة العلاجية التأهيلية والادماجية المناسبة لها. إلا أن الواقع العملي داخل مراكز حماية الطفولة التي تعرف تحسنا في شروط الاستقبال والإقامة بفعل جهود مؤسسة محمد السادس لإعادة الإدماج وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومساندة الحركة الجمعوية، يحتاج في عمقه إلى إنعاش وتطوير الدور العلاجي التأهيلي للمراكز التي من المفروض أن تقوم بأدوار تربوية ونفسية باعتبارها مؤسسات للصحة النفسية، فالطاقم التربوي المكلف بإعمال القانون طبقا لتعاليم القضاء يجب أن يكون له حضورا كميا ونوعيا داخل هذه المؤسسات، ليستطيع تشخيص صعوبات الأطفال الناشئين المحالين عليها و خاصة الصعوبات ذات الطبيعة النفسية والاجتماعية. فالعمل مع الأشخاص أصحاب السلوكيات الجانحة عامة والأطفال الناشئين بالخصوص، يصعب النجاح فيه في غياب خدمة سيكولوجية وتربوية متخصصة أو بالاقتصار على تقليد بسيط يغيب تلك الخدمة التي لا يمكن محاصرة السلوك الإجرامي ومعاملة أصحابه بشكل علاجي في غيابها. وعليه فتحقيق تطلعات الملك والشعب في مجال النهوض بمراكز حماية الطفولة ومحاصرة السلوك الإجرامي عامة وجنوح الأطفال والناشئين بالخصوص،يحتاج إلى المربي المتخصص والمؤهل علميا وميدانيا للعمل في المجال النفسي والتربوي و الاجتماعي بقدرات عالية ومتجددة في التعامل مع الاضطرابات النفسية والعقلية والعضوية تشخيصا وعلاجا وتأهيلا وإدماجا و وقاية. فالمربي المتخصص هو الأقدر على مساعدة العاملين في المجال الجنائي عامة وعلى المستوى القضائي بالخصوص، وذلك من خلال الفحص وصياغة سبل التوجيه من أجل العلاج والتأهيل والإدماج، باستعمال قدراته العلمية والمهنية في الفحص والكشف عن كل الصعوبات والعوامل ذات العلاقة بالسلوك الإجرامي حسية كانت أم حركية أو ذهنية وذلك من خلال رصد مستوى الذكاء ودرجة الانتباه ومحتوى وشكل التفكير والإدراك، والذاكرة بمختلف جوانبها وكذا تصور صاحب السلوك الناجح لنفسه ونوعية اتجاهاته ومعتقداته... وذلك بأدوات وأساليب قمعية وتربوية تعتمد مناهج التنشيط السيكوعلاجي التي تتفاوت في درجة أهميتها بحسب الأحوال النفسية والاجتماعية لكل حالة. وتبدو أهمية الطاقم التربوي على المستوى العلاجي في صياغة المقاربات العلاجية التأهيلية والإدماجية الأصلح للتحرر من الاضطرابات النفسية التي يعانيها صاحب السلوك الجانح والتي لها علاقة بذلك السلوك، وذلك استنادا على منهج علاجي يعتمده هذا الطاقم بناء على معطيات التشخيص الذي طال الحالة المستهدفة من العمل التربوي المنهج التعليلي أو السلوكي أو منهج التركيز على المستهدف. وكل ذلك بغية مناقشة الأفكار والانفعالات التي يتسم بها المستهدف، بدءا باكتشاف مصادر الصراع وصولا إلى تحقيق توافقه مع نفسه ومع المجتمع بالاستثمار الجيد للقدرات الشخصية اعتمادا على علاقات التجاوب الفعال بين الطاقم التربوي والمستهدف وتوظيفة في شفائه. وقد يكون العمل العلاجي داخل مؤسسات حماية الطفولة فرديا أو جماعيا كما قد يتسم بالتعمق أو يكتفي بالمظهر، وقد يكون طويلا أو يقتصر على مدة زمنية محددة، كما يمكن للبرنامج العلاجي التأهيلي الادماجي أن يعتمد على المنهج الواحد التحليلي-مثلا- وقد يكون مرتكزا على التوفيقية التي تستمد عملها من عدة مناهج. فعلى مستوى العمل مع الأشخاص أصحاب السلوكات الجانحة يتعامل الطاقم التربوي المتخصص مع مجموعة من الاضطرابات تتطلب برامج علاجية وتأهيلية وإدماجية بالإضافة إلى البرامج الوقائية سواء تعلق الأمر بالعنف، أو الإدمان على المخدرات أو الاضطرابات الجنسية، وفق عمل تكاملي يتوخى الإعمال الجيد للقانون روحا ونصا وبتدعيم إرادة القضاء والمتوخاة من الإجراء التربوي أي التهذيبي الذي قرره لفائدة المستهدف من هذا العمل. إلا أنه بالعودة إلى الواقع العملي داخل هذه المؤسسات يتبين مايلي: - ضعف كمي ونوعي في الموارد البشرية المتخصصة - معانات العاملين بهذه المؤسسات من غياب الحماية القانونية والعناية المادية والمعنوية. - استباحة الاستحواذ على هذا العمل تحت يافطة الانفتاح مما يجر مجموعة من الصعوبات - غياب نظام قانوني يحدد وظيفة الطاقم التربوي ومسؤولياته القانونية والتربوية - عدم الاستفادة من البحث العلمي المتخصص من أجل تطوير البنيات التنظيمية والمادية وتطويعها في تطوير الأداء العلاجي والتأهيلي والإدماجي. - انسداد الآفاق أمام العاملين بهذه المراكز وعدم الاكتراث باستثمار خبراتهم في مستويات سوسيوتنموية أفضل. - الاهتمام بتحسين شروط الإقامة على حساب تحسين الأداء المهني ولكي يقوم هذا المرفق العمومي بكل وظائفه الإنتاجية.كمقاولة عامة مسؤولة عن الحماية والتهذيب لابد وبكل إلحاح أن يتوفر هذا المرفق على الموارد البشرية المتخصصة والمطلوبة لتشكيل الطاقم التربوي المتكامل. فتوظيف هذا الصنف من الأطر هو ضرورة تهم الأمن الوقائي ضد السلوك الإجرامي، حيث يساعدون الشرطة والقضاء، كما يهتمون بالأسر والمحيط المحلي الذي ينحدر منه الطفل المحال عليهم ، فتوظيفهم يجب أن يعتبر من ضمن التوظيفات المقررة للضرورة الأمنية. وللمساهمة في تحصين الأطفال والناشئين ضد السلوكات الجانحة وفق تطلعات جلالة الملك. فمن الواجب إحداث جهاز مركزي متخصص في شؤون الطفولة يتبع لأحد السلط الحكومية ذات العلاقة بالتنمية البشرية والعمل التربوي. أو إسناده جملة وتفصيلا إلى مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج الخارجين من السجون والإصلاحيات من خلال تمكينها من الامتداد الجهوي والإقليمي ومدها بكل الامكانات التي من شأنها تحصين الثروة البشرية للوطن ضد الهدر والتبديد، وبهذا يمكن صياغة إطار جديد لتدبير هذا المرفق بحكامة رشيدة جيدة تمكن من إتباع دائرة التفكير والتخطيط والتنفيذ وتقييم الأداء بقدرات علمية متجددة، فمن الصعب القول بتدبير مرفق من أهم المرافق المتخصصة في التحصين النفسي والسلوكي الأطفال والناشئين علاجا وتأهيلا وإدماجا بواسطة مصلحة صغيرة في كل إمكانياتها داخل قطاع يعاني من ضعف الإمكانيات المادية والبشرية. وإذا كان الواجب يدعوا إلى المساهمة في معالجة هذا الملف في ظل ما يطاله من عناية ملكية، فإن أهم شروط العلاج هي تأمين التأطير المتخصص نوعا وكما وإعادة النظر في الهيكل التدبيري لهذا المرفق وضبط علاقاته مع السلطات الأمنية ، والقضائية والصحية والتربوية والتكوينية وهما شرطان سيفتحان آفاقا جديدة في معالجة وتأهيل ليس الأطفال أصحاب السلوكات الجانحة فحسب بل سيطال ذلك أسرهم وبيئتهم المحلية بالإضافة إلى تحقيق ارتفاع في مستوى الوعي المجتمعي ضد الهدر والحرمان والهشاشة بكل أبعادها من خلال نشر ثقافة التضامن وإعمالها اعتمادا محلي الذات.