* العلم: شعيب لفريخ قرار تعويم سعر الدرهم أو للدقة قرار تحرير صرف الدرهم في مقابل العملات الأجنبية الأخرى، الذي أعلن عنه عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب، هو مما لاشك فيه قرار سيادي استراتيجي ذا أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، يعني التوازنات المالية والاجتماعية، أكبر من بنك المغرب، يهم بدرجة أولى وأساسية البعد السياسي والحكومة، ماعدا إذا تحول والي بنك المغرب، إلى رئيس الحكومة. ولا داعي للدخول في التفاصيل القانونية، التي تقول بعدم صلاحية بنك المغرب الإعلان عن قرار تحرير صرف الدرهم، طبقا للقانون الأساسي لبنك المغرب حسب المادة 8 من القانون رقم 03-76 القاضي بتنفيذ القانون الأساسي لبنك المغرب والتي تنص على " أن البنك يتولى تحديد قيمة الدرهم مقابل العملات الأجنبية في إطار نظام الصرف وسعر تعادل الدرهم المحددين بمقتضى نص تنظيمي مع احتفاظ البنك باحتياطي الصرف وتدبيره". وإذا علمنا أن تحرير صرف الدرهم، هو توصية ليست بجديدة، صادرة عن صندوق النقد الدولي قبل حوالي 15 سنة، والذي ظل هذا الأخير يتحين الفرصة لفرضها على المغرب، لمصالح مالية وسياسية خاصة مادام أن الجهة أو الجهات المتحكمة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لها أجنداتها الدولية المعلومة، وأن السيد عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب دعم بشكل كلي جميع إملاءات وأوامر المؤسستين النقديتين المذكورتين في المغرب، منذ الشروع في تطبيق برنامج التقويم الهيكلي سنة 1981إلى غاية 1986 سواء كوزير منتدب لدى الوزير المكلف بإصلاح المؤسسات العمومية، أو كوزير للمالية، حينما كان لا يضع توقيعه كوزير إلا بعد موافقة ممثل البنك الدولي الذي كان له مكتب خاص بمقر وزارة المالية، وذلك حسب بعض الشهادات الموثوقة. وقد بينت عدة تجارب، أن نصائح صندوق النقد الدولي، لا تخدم إلا مصالحه أولا، باستدامة المديونية واستخلاص القروض وفوائدها وبعض المصالح الضيقة الخاصة به والمرتبطين به، وتخدم مصالح أخرى غامضة، ولعل تجربة تحرير صرف العملة في مصر خير دليل على المساوئ الكارثية لنصائح صندوق النقد الدولي، وهو ما تؤكده قبلها، بما لا يدع مجالا لأي شك تجربة التايلاند. ولأن أجندات وتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تختلف بسبب اعتبارات خاصة، فقد حافظت كل من دول الخليج والأردن، على عملة صرف تابثة مرتبطة بالدولار، وهو ما جعل عملاتها قوية و جنبها السقوط في الاختلالات المالية المرتبطة بالعملة، في حين يتم تقديم توصيات إلى دول أخرى غارقة في وحل المديونية ،بتحرير العملة وهو ما يسقطها حتما في الاختلالات الحتمية،التي تفضي إلى تكبيل تلك الدول بالمزيد من الإغراق في المديونية . إن قرار تخفيض قيمة العملة شئ، وقرار تحرير صرف الدرهم في مقابل العملات الأجنبية شئ آخر،فبسبب المديونية التي تراكمت على المغرب في الستينات والسبعينات للأسباب المعلومة، جعلت البنك الدولي وتوأمه صندوق النقد الدولي، يفرضان على المغرب إصلاحات هيكلية مالية واقتصادية واجتماعية مؤلمة ، وكذا توصيات بالتخفيض من قيمة الدرهم ، حيث خفض المغرب قيمة العملة ثلاث مرات في الثمانينات بنسبة 37 بالمائة، وفي سنة 2001 خفض الدرهم بنسبة 5 بالمائة…، إلا أن توصية الصندوق بتحرير صرف الدرهم، بدأت في سنة 2002 ، ولم يجرأ على اتخاد القرار بذلك أي أحد لخطورته الشديدة . وكان المغرب بعد الاستقلال قد صك الدرهم عوض الفرنك الفرنسي في سنة 1959، لكنه ظل مرتبطا بسعر تابث من حيث القيمة بالفرنك الفرنسي إلى غاية سنة 1973، والجميع يذكر أنداك، أن الدرهم كان يساوي مائة فرنك ( 100 سنتيم )وكان التعامل التجاري الصغير يجري بتلك الفرنكات التي كانت لها قوة شرائية . إن تحرير صرف الدرهم، أمام عملات اليورو والدولار والين ،في ظل المعطيات الاقتصادية القائمة بالمغرب، سيؤدي لا محالة إلى اختلال ميزان التجارة الخارجية وعجز في الميزانية وانهيار الاقتصاد الوطني، فالمغرب يستورد حوالي 50 بالمائة من حاجياته، وصادراته ضئيلة مقارنة بالواردات، وسيقع استنزاف في احتياطي العملة الصعبة، وستفقد المقاولات الصغرى والمتوسط والنسيج الاقتصادي بشكل عام العديد من الفرص وسيعم الغلاء وانحدار في الدخل الفردي وتقلص في الطلب الداخلي الذي سوف لن يبقى محركا للنمو بالمغرب، وسيرتفع حجم التضخم والمديونية والفوارق، وسيعم عدم الاستقرار وهروب الاستثمارات الأجنبية. إن المرحلة التي يجتازها المغرب لا تحتاج إلى طرح قرار آفة تحرير صرف الدرهم وويلاته، بل إلى قرار خفض المديونية العمومية والرفع من نسبة النمو الاقتصادي وتقوية الطلب العمومي وتخفيض نسبة عجز الميزانية والتحكم في التضخم، ولما لا تقوية عملة الدرهم وجعلها مرتبطة باليورو أو الدولار. ماعدا إذا كان الأمر يفيد ويهم أقلية محظوظة مرتبطة ببعض الرساميل الأجنبية، تستفيد من صادرات وواردات بعض القطاعات، وتستفيد أيضا من تدفق رساميل المضاربة الحاملة للازمات. وإذا كان من الجلي أن السيد عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب يدافع بشكل قوي عن سياسة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالمغرب، فإن المغرب يتوفر على خبراء وكفاءات لها ولاءات للوطن ينبغي الاستفادة من آرائها قبل فوات الأوان ،كما أن الحكومة ينبغي أن تتحمل مسؤولياتها لأن تحرير صرف الدرهم، ليس بآلية تقنية نقدية بريئة، بل هو قرار سيادي استراتيجي ذا خطورة على الاقتصاد والمجتمع ومستقبل استقرار المغرب. تحرير صرف الدرهم قرار استراتيجي خطير على مستقبل استقرار المغرب