إن مجمل المشاكل التي تطرأ نتيجة لمجموعة من المعطيات المشكوك في حقيقتها، تعرض مسألة التوثيق وقضية العقود لارتياب في موثوقيتها والتقليل من مصداقيتها. هذه القضايا يمكن أن تخلق حزازات خطيرة داخل المجموعة الاثنية المعينة، التي تكون الشرارة الأولى المفجرة للفخدة والعشيرة، أو القبيلة، وللاتحادية عامة. وقياسا إلى هذه المضاعفات الخطيرة التي من المتوقع أن تنجم عن مثل هذه الخلافات،فان العقود العقارية قد أحيطت بهالة من القوانين العرفية التي من خلالها يتضح مدى خضوع المكتوب للمروي ومدى هيمنة الشفاهي على الكتابة والتدوين. وهنا تطرح إشكالية التوثيق لدى آيت عطا في علاقتها مع المروي والمحكي؛ إذ مهما وصلت درجة العقود من الصحة لدى العطاويين، فهي تبقى منقوصة ومطأطئة الرأس أمام صلابة القانون العرفي، الذي يتمحور أساسا حول القضية الجوهر، ونعني بها أداء القسم. مثلا، إذا كان العقد غامضا ولا يغطي كل المساحة المتنازع عليها، فصاحب الملكية عليه أن يحلف عشر مرات، أما إذا كان العقد مشكوكا في صحته ومصداقيته، فهو يفحص من قبل كاتبه الذي يكون عادة عدلا، أو فقيها، أو إمام مسجد. وعلى الرغم من النتائج الايجابية للفحص، مثلا، فان صاحب العقد يبقى مطالبا بأداء القسم خمس مرات بحضور عدد من الهيئات التي تمثل مختلف المؤسسات القبلية، وإمام المجموعة، أو فقيهها، ناهيك عن شيخ العام المكلف بالبيوع. وقد يرتفع عدد مرات القسم إلى حدود الأربعين مرة، عندما يتعلق الأمر بدرجة عالية من الخطورة التي نمثل لها هنا بقضية القتل وإشكالية الدية. وكل هذه المشاكل تعتبر محكمة «إغرم أمزدار»مسرحا لها والمكان الأساس لمعالجتهاi. وفي حالة فقدان العقد فإن مالك الأرض يكون مطالبا بإحضاره ليثبت انتماء الأرض إليه، وإلا فعليه أن يتذرع بذريعة الضياع غير الإرادي. وهذه المسألة نفسها طاولها القانون العرفي العطاوي ووضع لها إطارا تشريعيا تستقي منه صحتها وموثوقيتها. هذا الإطار لا يخرج عن علتين رئيستين هما: إما أن يكون الضياع مرتبطا بحريق مشهور داخل القصر، أو الفخدة، أو العشيرة والقبيلة عامة، فيكون السكان وخاصة المسنين منهم مطالبين بالإدلاء بشهاداتهم في هذه النازلة دعما للتحقيق وتنفيذا للأعراف. وإما أن يكون الضياع ذا صلة بالدفاع عن القبيلة، سواء ضد القبائل المجاورة، أو ضد الغزاة النصارى، وخاصة تلك الأسر التي شاركت في حرب صاغرو؛ إذ وفر العطاويون لأبطالهم وشجعانهم هذا الفضاء المعنوي الذي من خلاله يحسسون باقي الفئات القبلية بالمكانة التي توليها الكونفدرالية- من خلال مؤسستها- لأبنائها الغيورين عليها. فتُعزَّز قضية الضياع- بسبب المقاومة- بواسطة شهود مسنين شاركوا في المعركة، ويعرفون بدقة متناهية الفخدات والعائلات التي شاركت فعليا في الدفاع عن السيادة العطاوية. والملفت للانتباه أن الضياع ولو عزز بهاتين الواقعتين (الإحراق والمقاومة)،فان نزع الشك عنه يبقى رهين أداء القسم عشر مرات من طرف صاحب العقدii. والملاحظ أن مجمل مفاهيم النظام العقاري العطاوي التي من خلالها يتم الحصول على الأملاك العقارية (مثل البيع، الرهن، التبادل العقاري، التقسيم. . . . ) يعتريها الكثير من الاختلافات من فخدة لأخرى ومن قصر لآخر؛ لكن القوانين العرفية المطبقة في إطار كل هذه العمليات، هي المعمول بها أساسا من قبل المحكمة العليا لآيت عطا بصاغرو، وهي «إغرم أمزدار»، وبالتالي هي القوانين التي تتمتع بأقدمية عريقة في السيرورة التاريخية لهذه الكتلة الأمازيغية، وهي لا تقبل داخل هذه المحكمة إلا إذا توافرت فيها جملة من الشروط الأساسية؛ كأن تكون قديمة ومكتوبة ومقبولة دون أي اعتراض من طرف المجموعة الاثنية كلية، ولا تفسح المجال لأي نزاع مستقبلي. بدون هذه الشروط فإن هذه القوانين تعتبر لاغية وفاقدة لأية قيمةiii. يتبع i - De Savasse,(D. M), op. cit. ,pp. 33-34. ii - Ibid, pp. 31-32. iii -Ibid,p. 29.