الاستحقاقات الجماعية المقبلة يجب أن تكون استحقاقات مغرب المستقبل بامتياز، لكونها ترسم معالم مؤسسات منتخبة بمنظور جديد تؤكده معطيات القوانين التي تؤطرها لحد الآن. ولكي يتحقق هذا الهدف، لاشك أنه من الضروري تفعيل الآليات القانونية بشكل متساو بين الفرقاء السياسيين، حتى يستشعر المواطنات والمواطنون، وفي طليعتهم الشباب، أن المصداقية متوفرة وبكل الضمانات. الأكيد أن بعض أشكال الحملات غير المسؤولة التي تصدر من هاته أو تلك تروم تحقيق مطامح انتخابية صرفة، من خلال بناء تاريخ مزيف في اضطهاد السلطة لها، أو تمرير رسائل مشفرة تهم مراحل من تاريخ وطننا مطبوعة بالبهتان، أو اعتماد هجوم غير مبرر على الحكومة الحالية، حتى اختلط الحابل بالنابل وأصبح تمييز المعارضة من الأغلبية يكاد يكون مستحيلا. ولأن الذين كانت لهم مسؤولية كبرى في صنع العديد من أزمات هذا الوطن يدركون قبل غيرهم أن التطور الفكري للشعب المغربي أصبح قادرا على التمييز بين الغث والسمين، فإنهم يحاولون وبكل الوسائل حتى الدنيئة منها أن يقدموا صورة مغلوطة للرأي العام عن الكثير من الحقائق التي تشهد بالتطور النوعي في مسارات التنمية والحريات، والأوراش الكبرى، وترسيخ المفهوم الحقيقي لدولة الحق والعدالة الاجتماعية، كما أن بعض الذين يمولون جرائد معينة تدعي «استقلالية الخط التحريري»، تفضحهم الكثير من القضايا التي يخرجون فيها عن «السطر»، في ظل شيوع وللأسف ثقافة الارتزاق لدى بعض الأقلام التي أصبحت لا تخفى على أحد. هذا هو الإطار العام الذي نهيء فيه استحقاقات 2009 الجماعية وماسيليها، وهو إطار يمتزج فيه الاصدار على بناء مؤسسات جماعية فاعلة ومنتجة، بإصدار مضاد للوبيات الفساد المدعومين وللأسف من هيئات خطابها في واد، وممارستها في واد آخر. وواجبنا الوطني يفرض علينا. جميعا أن نحتكم لقواعد لعبة نظيفة ليست في القوانين فقط، ولكن في الممارسة أيضا، لأن تحقيق مشاركة فاعلة في الاستحقاقات تتطلبت أن يتحمل كل مسؤوليته انطلاقا من المواطن ذاته إلى الاضراب إلى الأحزاب إلى الإدارة، وهي حلقات ضرورية لتحقيق طفرة نوعية في ترسيخ المصداقية أولا وأخيرا. الوقت بدل الضائع: في عمق المغرب، وعلى امتداد الطريق الرابطة بين عيون خنيفرة وعيون أم الربيع، تواجهك لوحات طبيعية رائعة، تحيلك على سؤال لماذا لا نستمثر في مشاريع حقيقية للسياحة الجبلية، تنقذ أولئك الأطفال الصغار الذين يستقبلونك على جنبات الطريق يطلبون جرعة ماء أو قطعة حلوى، أو أي دواء معك، يضيفون إليها كلمة «درهم»، وتنقذ تلك المناطق من طرق مهترئة في غياب إمكانيات حقيقية للجماعات القروية. خنيفرة جوهرة الأطلس، التي يرسم متقاعدو جبل عوام بها لوحة سوداء لمعاناة مع تصفية شركة، ومساطير معقدة للقضاء، منهم من رحل إلى جوار ربه ولم يحصل على حقوقه، ومنهم من يعاني المرض، وآخرون الفقر والحرمان، منذ 1995 اليوم إليهم، صورة تجمع كل ألوان المتناقضات لبلد يريد أن يبني طريقا جديدا متجددا تشكل قطب الرحى فيه العدالة الاجتماعية، والمساواة في الحقوق كما في الواجبات.